إن سُنَّة الله في التكاليف ترد على غالب الأحوال دون التعرض لبيان حكم ما يخرج على هذا الغالب وفي كل تكليف تخفيف ّ من الله ورحمة والخطاب بفرض الصوم موجه إلى المسلمين أياً كانت مواقعهم على أرض الله دون تفرقة في أصل الفرضية بين جهة يطول ليلها أو يستمر الليل أو النهار دائماً ويبدأ الصوم من طلوع الفجر الصادق حسب موقعهم على الأرض دون نظر أو اعتداد بمقدار ساعات الليل أو النهار كما لم يقصد الإسلام بتكاليفه للناس عنتاً ولا إرهاقاً ولا مشقة بل على العكس يقصد ما في الوسع واليسر ورفع الحرج قال الله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ولهذا لما ظهر أن على الأرض جهات يطول فيها النهار حتى لا يكون ليلها إلا جزءاً يسيراً أو يطول ليلها حتى لا يكون نهارها إلا ضوءاً يسيراً كذلك وجهات يستمر فيها الليل نصف العام بينما يستمر النهار النصف الآخر وجهات أخرى على العكس من ذلك جاز للمسلمين المقيمين في البلاد التي يطول فيها النهار ويقصر فيها الليل أو العكس أن يخيروا بين أمرين: أحدهما: أن يتخذوا من مواقيت البلاد المعتدلة مثل مكة والمدينة معياراً للصوم فيصومون قدر الساعات التي يصومها المسلمون في واحدة من هاتين المدينتين والأمر الآخر: أن يحسبوا وقت الصوم باعتبار زمنه في أقرب البلاد – اعتدالاً – إليهم وبهذا تتحقق الحكمة دون مشقة وعلى هذا ففي البلاد التي يطول نهارها فيراعى أن يبدأ الصوم من طلوع الفجر الصادق حسب موقعهم على الأرض ويستمرون في الصيام بقدر ما يصوم أهل البلاد المعتدلة أو أقرب بلد معتدل إستنباطاً من حديث الدجال قبيل الساعة وأنه {ينزل أرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ فقال الصحابة: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ }[7] وفي هذا امتثال لأوامر الله وتحقيق مراده في تنزيل شرعه ورحمة عباده قال تعالى {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}