كان يوم أمس يوماً كوميدياً بإمتياز.. أى نعم كوميديا ممزوجة بالمرارة إلا أنه بات من الواضح أن تلك هى طبيعة الكوميديا اليومين دول.. كوميديا بالمرارة.. على بعضها.. حتة واحدة.. كوميديا بالمرارة تجمع لأول مرة الثائرين الكبيرين اللذين منذ وعينا على الدنيا ونحن نعلم أنهما ثائرين.. إنهما أبو إسماعيل وعكاشة.. القيادات الشعبية الجديدة الأنسب لذلك الزمن الأغبر.. فبينما إتخذ أبو إسماعيل من ميدان التحرير مكاناً له ولأنصاره.. إتخذ عكاشة من كورنيش النيل مكاناً له ولأنصاره.. ( برجاء مراجعة نسبة الأمية فى مصر التى تزيد على 40% لمعرفة السبب وراء كل تلك الأعداد ).. أبو إسماعيل فى ميدان التحرير يمارس هوايته الأثيرة فى حث الناس على الإعتصام قبل أن يتركهم ويطلع على الجزيرة مباشر ليظل طوال ساعتين ينتقد ويتهم جميع القوى السياسية الأخرى اللى ماهياش تبعه بخيانة الثورة.. بينما عكاشة على كورنيش النيل يمارس هوايته الأثيرة فى حث الناس على النزول إلى الشارع ويتهم من لم يقوموا بتلبية دعوته إلى غلق كورنيش النيل أمام حركة المرور بالخيانة.. إذن.. من لم يسمع كلام أبو إسماعيل وينزل إلى الميدان خائن.. ومن لم يسمع كلام عكاشة وينزل إلى كورنيش النيل خائن.. وتلك فى رأيى هى ذروة المسخرة التى يمكن لشعب من الشعوب أن يصل إليها.. أن يتهم شخصان – أحدهما كاذب والآخر منافق – بقية الشعب بأنه خائن.. وعلى الرغم من مدى ما يبدو عليه المشهد من مسخرة.. إلا أنها مسخرة كوميدية تتناسب تماماً مع ما تعيشه مصر الآن من حالة عامة من الهرتلة ومن صعود للأنصاص وإنزواء للمحترمين.. و فى مثل تلك الأوقات المسخرة قد يسأل سائل.. «و احنا إيه اللى وصلنا للدرجة دى من المسخرة»؟!.. وهو السؤال الذى ينبغى لكى نجيب عليه أن نعود إلى الدوافع النفسية لكلا الشخصين المذكورين اللذين لا يستحقان النقد بقدر ما يستحقان العلاج النفسى المكثف.. فأحدهما كان قد أهب نفسه خلاص لمهنة رئيس الجمهورية.. إلا أنه فوجيء بمعلومة كان قد حاول إخفائها تعطل مشروعه للإرتقاء المهنى من مهنة مذيع بأحد القنوات الدينية إلى مهنة رئيس جمهورية.. فقرر الإنتقام من الجميع.. من الناس ومن البلد متخذاً من مبدأ «عليا وعلى أعدائى» نبراساً له فى التعامل.. إنه ذلك الخلل النفسى الذى يدفع بالبنى آدم إلى الكذب على نفسه ثم التمادى فى هذا الكذب ثم تصديق هذا الكذب ثم الإعتماد على إنخفاض نسبة الوعى عند العديد من أبناء هذا الشعب الطيب ليسوقهم إلى الهلاك كما حدث فى العباسية بينما هو جالس فى منزله أمام التليفزيون يشاهد ما يحدث.. وهو الخلل النفسى الذى يستوجب العلاج وليس النقد.. خاصةً وأن النقد يستلزم عقلاً أمامك لتنتقده.. بينما تلك الهرتلة لا تستوجب سوى العلاج.. أما الآخر.. فهو مريض نفسى فى الأساس.. شخص مجهول تماماً يؤمن بأن النفاق هو أقصر الطرق للنجاح.. رأى البعض أنه الآداة الأنسب الآن لإطلاقه على الناس لإحداث حالة من التوازن فى الشارع.. حيث رأى السادة المسؤولين ضرورة عدم ترك الشارع للكاذبين وحدهم.. لهذا فلنطلق عليهم المنافقين لتستوى أطراف المعادلة.. ويصبح الصراع الرئيسى الآن بين الكتلة الكاذبة والكتلة المنافقة.. وهو الصراع الذى دفع بالمحترمين إلى الإنقسام.. فبينما حاول الأقل وعياً منهم إيجاد منطقة وسط بين الكذب والنفاق للوقوف فيها حتى إنخرطوا مع الوقت فى أحد المعسكرين وفقدوا صفة الإحترام والأخلاقية.. إنصرف المحترمون الأكثر وعياً منهم عن ذلك الصراع الساذج واللا أخلاقى.. حيث لا يجدر بأخلاقى أن يخوض صراعاً لا أخلاقياً.. هذا بالإضافة إلى أنه لا ينبغى أن نرمى جميع القيم والمباديء وراء ظهورنا مرة واحدة.. فلنحتفظ على الأقل بقيمة أو بقيمتين يمكننا الإستناد عليهم عند تنظيف البلد بعد إنتهاء تلك العركة العارمة بين الكذب والنفاق ! لهذا لا تتعجبوا مما وصلت إليه مصر.. ففاصل كوميدى لا أخلاقى وممزوج بالمرارة قد يكون مفيداً فى جعلنا نتعرف على السبب الذى من أجله كانت مصر عظيمة فى يوم من الأيام.. ألا وهو أن قياداتها الشعبية كانت عظيمة وكانت محترمة وكانت أخلاقية وكانت تسعى إلى رفعة البلد بجد.. وليس كما هو الحال الآن.. كذب مختلط بالنفاق والرياء والسذاجة والجهل والرغبة السياسية فى إستمرار ذلك العبث.. وهى الخلطة التى لا يمكننا أن نخرج منها سوى بذلك الكوكتيل من الكوميديا بالمرارة! نقلا عن التحرير