ذكرت صحيفة الجارديان على موقعها الالكترونى اليوم موضوع بعنوان "الانتخابات المصرية : مفتاح الإجابة على الأسئلة."وذكرت فيه : ما الذي يحدث؟ يفترض أن الدولة الأكثر سكانا في العالم العربي تتأهب للتوجه الى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد, بعد عام تقريبا من الانتفاضة الجماهيرية التي أطاحت ب30 عاما من نظام "حسني مبارك" الديكتاتوري. اذا ما حصل التصويت فعلا و كان حرّا و نزيها , هناك الكثير من الشكوك حول الاحتمالين على حدّ سواء, فستكون الانتخابات المصرية واحدة من أكبر التجارب الديمقراطية في العالم. لماذا الآن ؟ كانت الانتخابات الديمقراطية واحدة من أول وعود المجلس الأعلى للقوات المسلّحة بعد توليه السلطة اثر الاطاحة بمبارك, رغم أنه كان قد فوّت الموعد النهائي الأصلي لاجراء الانتخابات ستّة أشهر بعد ذلك. و قد برهنت الفترة الانتقالية ما بعد مبارك على كونها مريرة حلوة بالنسبة لثوّار مصر , فعلى الرغم من أن مبارك و العديد من أقطاب حكمه قد أحيلوا على المحكمة, و بالرغم من تحرير المشهد السياسي , فان ما يعرف رسميا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة قد كان بشكل أو بأخر أكثر ممارسة للقمع من الحكومة التي سبقته. لقد وقع تسليط الضوء على هذا القمع مرّة أخرى في الأيام الماضية, و معه جاء التأكيد بأن الثورة غير مكتملة الى حدّ كبير. في جميع أنحاء مصر , يستهدف المتظاهرون المجلس العسكري على أنه العقبة الرئيسية أمام الإصلاح الحقيقي و أن العنف و الفوضى الذين تسبب فيهما يشكّلان تهديدا على الانتخابات بأسرها. منتقدو المجلس العسكري يقولون أن التصويت سوف لن يعني شيئا اذا لم يقترن بانسحاب الجنرالات الحاكمة من السلطة, هناك حديث عن حكومة "خلاص وطني" جديدة يراد بها تهدئة الأزمة, و اذا ما تمّ ذلك فلا أحد يعرف ما سيكون تأثيره على الانتخابات البرلمانية. فقد علّقت بعض الأحزاب الليبرالية و اليسارية حملاتها الانتخابية بالفعل. مقابل هذه الخلفية المضطربة, فان كلاّ من النخبة السياسية و نشطاء القاعدة المدنية يأملان في أنه اذا ما مضى التصويت قدما فسيساعد ذلك على تسوية الأمور في صالحهما. المجلس العسكري يأمل في أن تساهم الانتخابات في إخضاع المعارضة و توفير بعض الاستقرار, في حين أن نقّاده يأملون في أن يطعن البرلمان الجديد في شرعية الحكم العسكري و يعيد تنشيط الحراك من أجل التغيير. ماهي مدة عمل هذا البرلمان؟ ليست طويلة جدّا. فمن المحتمل أن تكون واحدة من أقصر فترات عمل البرلمان في تاريخ مصر. و لكنها ستكون أيضا واحدة من بين أهمّ البرلمانات حيث أن مهمة البرلمان الأساسية هي انتخاب مجلس دستوري خاصّ يقوم بوضع دستور جديد للبلاد في 2012 , و بالتالي يرسم المستقبل السياسي لمصر في السنوات , و ربّما العقود حتّى, المقبلة. بمجرّد الموافقة على الدستور الجديد في استفتاء وطني سوف تقام انتخابات رئاسية جديدة في 2013 و في نهاية المطاف, برلمانية أيضا. في غضون دلك سيبقى المجلس العسكري على رأس السلطة التنفيذية ,الوضع الذي يقلق العديد من المراقبين الذين يخشون كثيرا من أن الجيش يسعى الى ترسيخ سيطرته على السلطة السياسية بصفة دائمة. كيف يسير الأمر؟ يتم تقسيم مصر الى 27 محافظة, و يجري البرلمان "مجلس الشعب" استطلاعا على ثلاث مواعيد مع تسع محافظات في كل جولة . الجولة الأولى في 28 تشرين الثاني و تشمل المراكز الحضرية الرئيسية في القاهرة و الإسكندرية , الجولة الثانية ستجرى في 14 كانون الأوّل و تضمّ الجيزة ( منطقة القاهرة على الجهة الغربية لنهر النيل ) و السويس و المدن العلوية الهامّة في أسوان و سوهاج. أما الجولة الثالثة فستكون في 3 يناير و تشمل كلاّ من شبه جزيرة سيناء و صحراء مصر الغربية و منطقة دلتا النيل. سبعة أيام بعد كلّ جولة, ستعاد الانتخابات في الدوائر التي لم يتحصّل فيها أي مرشّح فردي على 50 %من التصويت و سيتم الإعلان عن النتائج النهائية بحلول 13 يناير كانون الثاني. بعد ذلك,يبدأ كلّ مرح التصويت من جديد لانتخاب مجلس الشيوخ الذي يقوم بمهمّة استشارية وهو أقلّ أهمية من مجلس النواب. بحلول ذلك الوقت, ستكون العملية برمّتها قد أخذت أربعة أشهر لتتمّ. لماذا يجب أن يكون الأمر قضيّة مطوّلة بهذا الشكل ؟ ظاهريا, هذا التأني هو لضمان أن تكون الانتخابات نزيهة. فبعد أن رفضت المراقبة الدولية للتصويت , تعتمد الحكومة المصرية على قضاتها المحليين و مراقبي المجتمع المدني في إبقاء عيونهم على مراكز الاقتراع و الصناديق و ضمان عدم حصول انتهاكات. هناك عدد محدود من الأفراد المدرّبين و سيكون مستحيلا بالنسبة لهم تغطية البلاد بأسرها في يوم واحد , و بالتالي كان هذا الجدول الزمني الملتوي. لكن النقاد يقولون أن هذه الانتخابات قد صمّمت بشكل يصعب معه سبر غورها و بالتالي يربك الناخبين المحتملين و يحرمهم من العملية الديمقراطية. بعد المشاحنات الشرسة بخصوص طبيعة الاستفتاء , وضع نظام هجين مع دوائر انتخابية من أحجام مختلفة. حيث أن كل مواطن سيصوّت في الواقع لثلاثة ممثّلين عن دائرتين انتخابيتين مختلفتين, واحد عن قائمة حزبية و اثنين اخرين من بين مجموعة مرشحين فرديين. إضافة الى قانون يعود الى عهد "جمال عبد الناصر" و ينصّ على أن نصف البرلمان المؤلّف من 508 ممثّل يجب أن يضمّ عمّالا و فلاحين ( الأمر الذي تساء ممارسته على نطاق واسع) . و ما تبقّى هو عبارة عن مجموعة معقّدة من القواعد المتوحشة التي تضيف قدرا كبيرا من عدم اليقين إلى الوضع المتوتّر أساسا. ماهو عدد الناخبين؟ و هل هذا هو أوّل استطلاع حرّ في البلاد؟ هناك حوالي 45 مليون ناخبا مسجّلا في مصر, إضافة إلى عدّة ملايين في الخارج من الذين ربحوا المعركة ليسمح لهم بالإدلاء بأصواتهم هم أيضا ( الأمر الذي سيقومون به عبر سفاراتهم المحليّة ) , في الواقع ليست هذه الانتخابات الأولى التي تجرى في مرحلة ما بعد مبارك, حيث كان هناك استفتاء وطني حول جملة من التعديلات الدستورية في مارس 2011 و الذي يمثّل حجر الزاوية في إجراء التصويت الحالي. شارك في الاستفتاء السابق حوالي 19 مليون مصريا مع موافقة الغالبية الساحقة على التعديلات ..لكن من المتوقع أن يكون الإقبال أعلى بكثير هذه المرّة. ما هي الأطراف الرئيسية ؟ منذ سقوط مبارك و نهاية حكمه الذي كان في الواقع حكما للحزب الواحد , شهدت الساحة تفجّرا لعديد من القوى السياسية الجديدة, بعضها كبير الحجم و راسخ, و البعض الأخر ليس سوى حفنة مناصرين, و قد عرفت هذه القوى على مدار العام دخولا في تحالفات أو خروجا منها , الأمر الذي جعل المشهد الانتخابي يبدو في بعض الأحيان كرأس أشعث. الا أن المعركة على ما يبدو تدور بين حركة "الاخوان المسلمين" المحظورة في السابق و التي نجحت في بعث "حزب الحرية و العدالة" الخاصّ بها و بين خصومها العلمانيين , و أكبرهم "حزب المصريين الأحرار" الذي أسّسه ملياردير الاتصالات القبطي " نجيب ساويرس" . و قد دخل كلّ من الطرفين في ائتلافات مع مجموعات حزبية أخرى لتشكيل المنافسة : ائتلاف" الإخوان المسلمون " هو " التحالف الديمقراطي" و الذي يضمّ عددا من القوّات الأكثر ليبرالية في محاولة لتفادي اخافة الناخبين الأكثر علمانية. في حين أن "حزب المصريين الأحرار" يترأس " الكتلة المصرية" العلمانية الى حدّ كبير و التي تضمّ عددا من المجموعات اليسارية. هناك تحالفان اثنان آخران قد يكون لهما تأثير على النتائج. أحدهما هو " الائتلاف الإسلامي" و الذي يتألّف من الأحزاب السلفية المحافظة و التي لديها تفسير أكثر صرامة للشريعة الإسلامية ,و تامل في أن تحظى بالدعم من قبل أولئك الذين أصيبوا بخيبة أمل في انحراف "جماعة الإخوان المسلمين" الواضح نحو الوسط السياسي. أما الأخر فهو "ائتلاف الثورة مستمرّة" و هو يساري التوجّه و يضمّ العديد من المجموعات الشبابية التي قادت الانتفاضة المناهضة ل"حسني مبارك" في يناير 2011 , فضلا عن الجناح الشابّ لجماعة الاخوان المسلمين الذي قطع مع المنظمة الأمّ. و سوف يأمل التحالف الأخير في الاستفادة من الرغبة الشعبية العارمة في العدالة الاجتماعية و الاقتصادية بعد سنوات الفساد في عهد "مبارك", لكن أعضاءه يفتقرون إلى التمويل و العضلات التنظيمية لمنافسيهم الليبراليين و الإسلاميين. أخيرا هناك سلسلة من الأطراف غير المنحازة, بما في ذلك " العدل" و هي الحركة التي تصف نفسها ب"غير اديولوجية" في محاولة لشقّ " طريق ثالث" بين الإسلاميين و العلمانيين . و ثمّة أيضا حزب "الوفد" و هو واحد من أقدم الأحزاب السياسية في البلاد و لكنه شوّه إلى حدّ ما بسبب مشاركته في انتخابات مبارك الصورية في الماضي. هل يمكن لأعوان مبارك و عملائه أن يحكموا البلاد؟ إن الإجابة على هذا السؤال ليست واضحة. في منتصف شهر نوفمبر, ألغت المحكمة العليا المصرية قرارا لمحكمة أدنى منها درجة يقضي بحرمان فلول حزب مبارك ,الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم قبل أن يقع حلّه, يحرمهم من الترشح للمناصب الحكومية , و ذلك بعد أسابيع من الجدل حول هذه المسألة و اثارة احتمال أن تلعب شخصيات هامّة من النظام السابق دورا رئيسيا في بناء مصر الجديدة.العديد من أقطاب اليمين و الأحزاب السياسية الأخرى, التي تعود الى عهد مبارك , بما في ذلك الأمين العام للحزب الحاكم السابق "حسام البدراوي" , و من المتوقّع أن يبلي مرشّحوها حسنا في الانتخابات لا سيّما في المناطق التي لطالما ارتبطت بسماسرة السلطة المحلية و التي لن ترغب في التنازل بسهولة عن سيطرتها. و لكن, و في محاولة لاسترضاء المتظاهرين في أحداث العنف الأخيرة, وعد المجلس العسكري بسنّ " قانون الغدر" الذي من شأنه أن يلغي قرارات المحاكم و يمنع في النهاية أعضاء الحزب الوطني المنحلّ من خوض الانتخابات. و قد قوبل الإعلان بتشكيك واسع النطاق, حيث أن السلطة لم تعلن عن آليات تنفيذ الخطّة, و هي التي تتطلّب إعادة طبع الملايين من بطاقات الاقتراع. ما الذي يؤمله الجميع ؟ سوف لن ترقى جماعة الإخوان المسلمين الى مستوى التوقعات اذا لم تظهر على أنّها أكبر الأحزاب, على الرغم من أنه مشكوك في حصولها على الأغلبية, حيث يتوقّع معظم المحلّلون أن يحصل على 20- 30 % من المقاعد. في ظل عدم وجود سابقة يمكن اعتمادها مرجعا و إشارة بعض استطلاعات الرأي إلى أن نصف الناخبين ما زالوا متردّدين , فانّه من المستحيل التكهّن بنتائج الفرز النهائي على الرغم من أنه من المرجح أن يحقّق "الائتلاف الإسلامي" نتائج قوية بشكل معقول , و كذلك الحزب الوطني ,الذي أعاد تنظيم صفوفه, في بعض المناطق. هذا الوضع يترك مساحة ضيقة جدا في اليسار حيث يمكن لليبراليين و اليساريين أن ينفذوا, على الرغم من أن العديد من الناس يقولون أنه بعد عقود من الحكم الاستبدادي فهم موجودون داخل لعبة كبيرة. ربما لن تقدم هذه الانتخابات الكثير على مستوى المقاعد لكنها الخطوة الأولى على درب طويل لبناء الاعتراف و التنافس الوطنيين في ظل وجود الأطراف المنظمة و الراسخة المتمثلة في "الاخوان المسلمون" و "الحزب الوطني "الحاكم سابقا. ما الذي يعنيه كل ذلك للثورة المصرية؟ "عمرو حمزاوي" , و هو مرشح ليبرالي في الانتخابات البرلمانية و مؤسس حزب جديد, يقول أنه في الآونة الأخيرة و من عدة زوايا نظر لم تعد النتائج النهائية أمرا ذا بال.و بدلا من ذلك, يدعي "عمرو حمزاوي" أنه اذا ما فاقت نسبة الإقبال على التصويت 50 % و كانت الانتخابات حرة و نزيهة ,عندئذ ستعتبر مصر قاطبة نفسها منتصرة. بالتأكيد , و بعد عقود من إيهامهم من قبل قادتهم الاستبداديين (و حلفاء نظام مبارك في الخارج) بأنهم غير جاهزين للديمقراطية و أن الفوضى ستعم اذا ما وهبوها, يعلم المصريون العاديون اليوم أن رمزية هذا الاستطلاع أكثر أهمية في نواح عديدة من نتائجه. اذا سارت الأمور بشكل جيد, فان مشهد نجوم القطب الثقافي في الشرق الأوسط تطيح بحكومة قمعية و تصطف للتصويت في بديل أكثر عدالة ,من شأنه أن يتردد صداه في أنحاء العالم العربي و خارجه ,مثيرا الخوف لدى الحكام المستبدّين و معطيا أملا لحركات المؤيدة للتغيير في كل مكان. و لكن وسط هذه الرومانسية, يتربّص خطر أن يتم التغاضي عن استمرار الظلم في مصر و النضال من أجل الحرية, الوضع الذي سيسعد المجلس العسكري ,الذي سيبقى في السلطة عملا بالجدول الزمني "للمرحلة الانتقالية" لمدة عام أخر أيا كانت نتائج الانتخابات. الانتهاكات لحقوق الإنسان والقمع الوحشي للمعارضين اللذان ميزا عهد المجلس العسكري القصير و لكن المثير للجدل , يؤكدان على أنه على الرغم من ذهاب مبارك فان الجانب الأكبر من حكمه لا يزال قائما. أولئك الذين يستبسلون في مقاومته يعرفون أن الانتخابات ليست سوى جولة أخرى في هذه المعركة, و هي معركة ستستمرّ لفترة طويلة بعد افتتاح البرلمان الجديد أشغاله.