على بعد خطوات قليلة، من محطة مترو الدقي، يقبع رجل ذو بشرة سمراء في الستينات من عمره بجانب شجرة صغيرة، وأمامه صندوق صغير مليء بأدوات تلميع الأحذية، يجذبك بألوانه المبهجة، إلا أن الإقبال على تلميع الأحذية، يكاد يكون منعدم، في المساحة الصغيرة التي ربما لا تتجاوز متر في متر، ولكن ابتسامته الهادئة، تكشف عن مدى رضاه بالقدر خيره وشره. العم حسن ينهض كل صباح باكرًا، حاملًا، صندوقه الصغير على ظهره، قاصدًا مكانه الصغير، حيث يجلس على الرصيف، بجوار إحدى الأشجار، عارضًا مهارته في مسح وتلميع الأحذية، وبيده فرشاة الأصباغ وعلب الألوان، حيث لقمة عيشه ليقتات بالمال القليل الذي يحصل عليه، مع أسرته.
وبابتسامة هادئة نابعة من الأعماق، تنفذ إلى قلوب الآخرين، يرسلها العم حسن للمارة، تمنحهم الأمل والتفاؤل، خافية تجاعيد وجهه، أملًا في كسب رزقه، الذي لم يجد سوى افتراش أرضية الدقي، لتوفير احتياجات أسرته.
"ورنيش يا أستاذ.. ورنيش يا باشا"، تلك حيلة العم حسن، لحذب المارة واستقبال زبائنه المحدودة، في مكان لا يتجاوز المتر في متر، فبمجرد أن تطأ قدماك على محطة مترو الدقي، تسمعه يردد الكلمات، منتظرًا نفحات رزقه من المارة، وما أن تغرب الشمس يحمل صندوقه الصغير، قاصدًا أحد المحلات لشراء طعامًا له ولابنته، ومنها إلى البيت، للاسترخاء قليلًا. لم يجد العم حسن، فرصة عمل مناسبة لسنه الكبير، إلا "ماسح الأحذية"، تلك المهنة التي يجد فيها كبار السن من الفقراء، ما يناسب أعمارهم الكبيرة وظهورهم المحنيّة، نظرًا لأنها لا تحتاج لرأس مال كبير.