تعمل تركيا على تخريب التحالف الذي تسعى السعودية إلى بنائه من الداخل، وذلك من بوابة قطر التي تحاول أن تجمع بين المتناقضات بالموافقة على عضوية التحالف العربي من ناحية، ومن ناحية أخرى تفتح الباب أمام الدول التي تعمل على إفشاله. ووقعت تركياوقطر الخميس أول اتفاقية عسكرية بين البلدين، خلال زيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داودأوغلو إلى الدوحة ولقائه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وقال مراقبون للعرب اللندنية، إن هذا الإعلان يأتي بعد أيام قليلة من قمة إسطنبول التي فشل فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الحصول على ثقة الدول العربية المركزية، وخاصة السعودية بسبب مواقفه الغامضة من عدة قضايا، وخاصة من إيران التي يطلق تصريحات تدين سياستها الإقليمية، لكنه في الواقع يقيم معها علاقات اقتصادية متطورة. ومن الواضح أن الإعلان عن التوقيع على اتفاقية عسكرية مع الدوحة هو رد تركي مباشر على رفض السعودية تقديم امتيازات اقتصادية للأتراك شبيهة بما قدمته لمصر خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى القاهرة، مع فارق أن المصريين قبلوا بلعب دور محوري في الحفاظ على الأمن الإقليمي، فيما يريد الأتراك الحصول على دعم دون أي التزام. وكانت الدوحةوأنقرة قد أعلنتا في ديسمبر الماضي عن إنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر بعد 24 ساعة فقط من إعلان السعودية عن مبادرتها بإنشاء تحالف إسلامي أوسع في مواجهة الإرهاب، ما اعتبر وقتها رسالة مباشرة إلى الرياض بأن البلدين ينأيان بنفسيهما عن التحالف الإسلامي ويفضلان بدلا منه تحالفا ثنائيا. وأشار المراقبون إلى أن لعب تركيا على الحبال سينتهي إلى خسارة عمقها العربي الإسلامي، والتفويت في فرصة نادرة لاستعادة ثقة العرب، وخاصة دول الخليج كسوق واعدة يمكن أن تخرج الاقتصاد التركي من أزمته الخانقة. لكنهم يستغربون انسياق الدوحة وراء اللعبة التركية ما قد يعيد علاقتها بالعواصم الخليجية إلى مرحلة الشك والغموض التي كانت عليها في 2013 بسبب إمساكها بورقة جماعة الإخوان في وجه مصر، وهو ما قاد إلى ضغوط خليجية وعربية انتهت بتعهد قطر بالتهدئة مع القاهرة إعلاميا وسياسيا. وتبدو الخطوة القطرية المفاجئة كمن يضع العصا في العجلة، خاصة أنها تأتي في وقت تمر فيه العلاقات القطرية الخليجية بمرحلة ود وصفاء كان آخر ملامحها مشاركة الشيخ تميم في القمة الخليجية الأميركية، والقمة الخليجية المغربية في الرياض منذ أسبوع. ويثير منتقدو التحالف التركي القطري قضية التفاوت الكبير في القوّة بين طرفيه ما يجعل الجانب التركي مرشحا أكثر من الجانب القطري للاستفادة من العلاقات في ما بينهما، قائلين إنّ أنقرة تخطط لعزل الدوحة عن عمقها الخليجي وتقديم نفسها كمظلة عسكرية لها، مقابل الاستفادة منها كمصدر للغاز خاصة في ظل العقوبات الروسية. ويعتقد الكاتب والأكاديمي الأردني مهند مبيضين أن الاتفاق مكسب للأتراك بالدرجة الأولى في إطار سلسلة اتفاقيات تركية مماثلة وتعاون عسكري حتى مع إسرائيل. وقال مبيضين في تصريح ل"العرب"، "هو أمر وإن كان يعيد الحضور التركي وفق نظرية العمق الاستراتيجي التي صاغها أحمد داودأوغلو إلا أنه بالنسبة إلى قطر قد يكون نوعا من إعادة البريق الإقليمي عبر تحالفات جديدة، خاصة بعد تضاؤل التأثير السياسي لقطر وتراجعها عن الانشغال بملفات إقليمية كانت سابقا تتدخل فيها بعمق". وأكد على أن تركيا رابح أول في معادلة الاتفاق المبرم. وهي جزء من سياسة تركية ترى أن الحضور في ملفات التعاون الإقليمي العسكري يحقق لها الكثير من المكاسب ويفرض وجودها كطرف منافس. ويرى خبراء عسكريون أن الوجود العسكري التركي على الأراضي القطرية قد يسبب مشاكل أمنية للدوحة مع محيطها الخليجي، فضلا عن إيران التي تتنافس مع تركيا على مواقع النفوذ في المنطقة. وقد يتطور الأمر إلى خلاف مع الولاياتالمتحدة التي لن تقبل بأنشطة عسكرية منافسة بجوار قاعدة العيديد ذات الموقع الاستراتيجي في النشاط العسكري الأميركي بالمنطقة. وكان السفير التركي في قطر أحمد ديميروك أعلن في ديسمبر أن "ثلاثة آلاف جندي من القوات البرية سيتمركزون في القاعدة التركية، وهي أول منشأة تركية في الشرق الأوسط إلى جانب وحدات جوية وبحرية ومدربين عسكريين وقوات خاصة".