منذ بضعة أشهر، بالتحديد في نوفمبر الماضي، تعيش العديد من العواصم الأوروبية وغير الأوروبية أجواء صعبة، تتعرض فيها لهجمات إرهابية ضخمة، وتأتي تلك الهجمات في أوقات متقاربة، فبين الهجمة والأخرى أقل من شهرين، في إشارة واضحة إلى أنه أحداً لم يسلم من الإرهاب، صانعوه أو ضحاياه، فشملت تلك الهجمات الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، وحتى تركيا. انفجارات هزت "بروكسل" في صبيحة مرعبة تعيشها العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث شهدت العاصمة وقوع انفجارات ضخمة متزامنة، حيث وقع انفجارين بمطار "زافينتيم" والثالث في إحدى محطات مترو الأنفاق، راح ضحيتها 17 شخص كما تشير المؤشرات الأولية وعدد كبير من الجرحى.
كان التليفزيون البلجيكي قد صرح قبيل وقوع الانفجارات عن واقعة تبادل إطلاق نار بين قوات أمن المطار، وبين أحد المسلحين الذي أفادت بأنه يتحدث العربية.
وعلى إثر هذه الانفجارات الأربعة عقدت الحكومة البلجيكية اجتماعاً طارئًا، وفرضت الشرطة البلجيكية طوقاً أمنياً حول المطار ومن ثم إخلائه، كما أنه تم إعلان توقف حركة القطارات، وناشدت الحكومة مواطنيها بعدم التوجه إلى المطار.
وأعلن التليفزيون البلجيكي أن الهجمات الإرهابية قام بها انتحاري، وأنه قد عثرت الشرطة على ثلاث عبوات ناسفة أخرى بالمطار قبل انفجارهم.
وفور وقوع الحادث أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً طالب فيه موظفيه ببروكسل البقاء بمنازلهم، كما أصدر مركز إدارة الأزمات البلجيكي بياناً طالب فيه المواطنين بالشيء نفسه.
وقطعت شركات الاتصالات ببلجيكا الاتصالات، وطالبت الحكومة مواطنيها التواصل عبر الرسائل النصية فقط.
وفي إطار الأحداث المتلاحقة عقب الأحداث تم إغلاق مكتب رئيس الوزراء البلجيكي بعد الاشتباه في سيارة مفخخة بالقرب منه، كما تم استدعاء الجيش البلجيكي للسيطرة على الوضع الأمني هناك.
ثم أعلن التليفزيون البلجيكي أنه تم إجلاء العائلة البلجيكية المالكة عن القصر الملكي، بعد العثور على مغلفات مشبوهة داخل القصر الملكي. كما أعلنت روسيا أن المركز الاستخباراتي الروسي كان قد حذر السلطات البلجيكية من ثلاثة أفراد بعينهم ينتمون إلى تنظيم داعش الإرهابي، غير أن الإعلان الروسي لم يذكر أسماءهم.
وتذهب الآراء إلى أن هذه الهجمات جاءت رداً على إلقاء السلطات البلجيكية القبض على صلاح عبد السلام، المتهم الأول في أحداث باريس، والذي تطالب فرنسا بتسليمه إليها، حيث أنه المتهم الأول في هجمات إرهابية راح ضحيتها 130 فرنسي. ويذكر أن صلاح عبد السلام ذو ال26 عام كان يعيش في بروكسل قبيل أحداث فرنسا، وعاد بعدها إلى بلجيكا.
انفجار برلين وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها بروكسل هجوماً إرهابياً، فقد شهدت هجوماً آخر منذ حوالي الأسبوع، وذلك بالتزامن مع تفجير وقع في العاصمة الألمانية برلين، حيث انفجرت عبوة ناسفة بسيارة أسفرت عن مقتل سائقها. تفجيرات تركيا تأتي تلك الانفجارات في سلسلة متعاقبة طالت تركيا قبل وصولها إلى بروكسلوبرلين. فقد شهدت تركيا ثلاثة انفجارات متعاقبة منذ بداية العام الجاري.
التفجير التركي الأول في شهر يناير الماضي وقع بميدان السلطان أمام جامع السلطان أحمد الذي يعتبر واحد من أهم المعالم التاريخية والسياحية في العاصمة اسطنبول، ذلك التفجير الانتحاري الذي راح ضحيته شخصان و7 جرحى، استطاعت السلطات التركية بعد ذلك التعرف على منفذه، وثبت أنه أحد أعضاء التنظيم الإرهابي داعش، الذي عاد من سوريا مؤخراً ولم يكن على قوائم الانتظار لعدم الاشتباه به.
التفجير التركي الثاني في شهر فبراير الماضي وقع بأنقرة، حيث انفجرت سيارة مفخخة كانت تستهدف آليات عسكرية، راح ضحيته 29 شخص و61 جريح، وكانت السلطات التركية قد اتهمت حزب العمال الكردستاني بالتفجير، واتهم آخرون داعش، لكن أعلنت حركة صقور حرية كردستان مسئوليتها عن التفجير، رداً على الضربات العسكرية التي توجهها تركيا للأكراد، وادعائهم تسهيلها مرور داعش لمناطقهم لضربهم.
التفجير التركي الثالث وقع في شهر مارس الجاري، حيث وقع تفجير انتحاري قرب حديقة ومحطة حافلات كيزيلاي، راح ضحيتها 34 شخص وأصيب 125، وأعلن تنظيم داعش الإرهابس ميئوليته عن الإنفجار. هجوم إرهابي في أمريكا وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية قتل 14 وجُرح 17 شخص بشهر ديسمبر 2015، في هجمة إرهابية مسلحة على مركز مدينة سان برناندينو بولاية كاليفورنيا، قام بها شخصان ينتميان لتنظيم الدولة الإسلامية داعش، وقد قُتلا عقب تلك الهجمات بعد مواجهات مع الشرطة امتدت لعدة ساعات. انفجارات باريس وكانت أولى حلقات سلسلة الانفجارات، والأحداث الأضخم على الإطلاق في العاصمة الفرنسية باريس، فقد شهدت باريس في شهر نوفمبر 2015 ليلة دموية عصيبة، حيث شن إرهابيون عدة هجمات إرهابية متزامنة، بدأت بهجوم مسلح على مطعم لوكاريون. ثم وقع انفجار انتحاري ضخم بمحيط استاد فرنسا، الذي كان يشهد مباراة ودية بين المنتخب الفرنسي ونظيره الألماني، بحضور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وفي الوقت الذي كانت فيه القوات الفرنسية منشغلة بإخلاء الاستاد بأمان تام، وقع هجوم مسلح آخر في عدة مناطق أخرى، في متاجر آلز ومنطقة متحف اللوفر ومركز بومبيدو، حيث وصل عدد الضحايا حتى تلك الأحداث إلى حوالي 40 قتيلاً.
أعقبه هجوم على مسرح الباتكلان الذي كان يقام به حفل حضره أكثر من 1500 شخص، أطلق إرهابيون النار عليهم بشكل عشوائي، واحتجزوا عدد كبير من الرهائن، قام أحدهم بكتابة استغاثته على موقع تويتر أثناء الاحتجاز فقامت الشرطة الفرنسية بالتحرك على الفور. أثناء مواجهات الشرطة مع الإرهابيين تم إعلان مقتل ثلاثة من المسلحين، لكن راح ضحية هذا الحادث 100 شخص، لتصل أعداد ضحايا تلك الهجمات الإرهابية المنظمة بشكل دقيق 140 شخص.
وأعلنت من بعدها فرنسا حالة الطوارئ، كما أعلنت دخولها حرباً لا هوادة فيها مع الإرهاب، وكان تنظيم داعش الإرهابي قد أعلن مسئوليته عن الأحداث، رداً على التدخل الفرنسي في سوريا، معلناً أن هذا هو 11 سبتمبر فرنسا. الإعلان عن منفذي تفجيرات باريس جاء الإعلان عن منفذي هجمات باريس وغيرها من الهجمات الإرهابية صادم، حيث جاء معظمهم من أصول أوروبية، انتموا لتنظيم داعش، هؤلاء الأوروبيون يتم تفريخهم في المساجد التابعة للجماعات الإسلامية، والتي تعلمها جيداً وتتركها عن قصد أو عن غير قصد الحكومات الأوروبية. وبعد أن يتم الانتهاء من توجيههم للإرهاب على أنه الطريق الوحيد للجهاد، حيث يتوجهون بعدها لسوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو مصر أو غيرها من بؤر الصراع والدول التي تعاني من الإرهاب، فإذا ما تم التضييق عليهم يعودون فوراً إلى بلاهم التي أصبحوا يعتبرونها بلاداً للكفر ومحاربة المسلمين، فينقلب السحر على الساحر.
العائدون من سورياوالعراق هم غالباً منفذي الهجمات الإرهابية، الأمر الذي ظهر جلياً مع الإرهابي صلاح عبد السلام المتهم الأول في أحداث فرنسا، والذي قُبض عليه مؤخراً في بلجيكا، والذي تم تنفيذ هجمات اليوم رداً على اعتقاله، فهو سوري من مواليد السعودية يحمل الجنسية الفرنسية.
لم يعد تنظيم داعش اليوم هو التنظيم الذي تمت صناعته للتوغل في الشرق الأوسط لتحقيق مصالح دول وجهات معينة، من الواضح أن التنظيم قد توحش وتوغل بشكل كبير إلى حد يصعب السيطرة عليه، كما أنه يعمل وفق أساليب استخباراتية معقدة، تظهر بشكل واضح مع أي تفجيرات متزامنة أو متوالية ينفذها، وحتى في طريقة إعلانه عن منفذي الهجمات، أو عمليات التمويه التي يقوم بها لإنقاذ أعضائه.
الرد على تسليم "صلاح عبدالسلام" علق الدكتور سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية، على الأحداث الإرهابية التي وقعت في بلجيكا اليوم قائلاً، إن الأحداث جاءت نتيجة لقاء الرئيس البلجيكي بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والحديث حول تسليم صلاح عبد السلام المتهم الأول في أحداث باريسلفرنسا بعد القبض عليه ببروكسل قبل بضعة أيام.
وأضاف في تصريحات خاصة ل"الفجر" أن الإرهاب أصبح وباء عالمي يعاني منه العالم بأسره وليس فقط بؤر الصراع بالشرق الأوسط، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأصوات التي تطالب بطرد المسلمين من أوروبا، كما أن مثل تلك الهجمات واتهام العرب المسلمين بتنفيذها أحد أهم أسباب ظهور الإسلاموفوبيا، فأصبح العالم كله يرتعب من كل شيء أو اسم ينتمي للعرب والمسلمين. وأشار إلى أن الحل الوحيد للقضاء على تنظيم داعش هو أن تكف الولاياتالمتحدة عن تمويله ودعمه بالأسلحة.
انقلاب السحر على الساحر ورأى اللواء حسام سويلم، الخبير الاستراتيجي والمدير الأسبق لمركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة، أن تلك الهجمات الإرهابية جاءت رداً على القبض على صلاح عبد السلام المتهم الأول في أحداث باريس، في هجمة استباقية يستخدموا فيها خلاياهم الإرهابية الموجودة هناك، قبل أن يعترف "عبد السلام" بكل ما يعلم عنهم. وتابع "انقلب السحر على الساحر"، فأوروبا وأمريكاوتركيا الآن يحصدون نتيجة ما زرعوه ومولوه وساهموا في تمريره من إرهاب إلى الشرق الأوسط.