كان بإمكان مصر أن تصبح بلد آخر تعج بالحريات واحترام الآخر وارتفاع الذوق العام، فقط باتخاذ "السينما" كأداة أساسية من أدوات التغيير. إننا وان كان معظمنا -للأسف- قد اقتنع واستقر في يقينه أن السينما بما تحمله من رسائل قد جعلت خصيصا من أجل التسلية والترفيه و"تضييع الوقت"، لا يمكن لهذه الغاية أن تكون كافية، فالترفيه وحده لا يكفي.
لو كان فينا "رجل رشيد" لجعل من السينما سلاحا يحارب به التحرش، أداة للقضاء على الجهل والتخلف والأمية، وسيلة لغرس بذور الوطنية والانتماء في نفوس الأجيال الجديدة حتى لا تكون عرضة لإغراءات المتطرفين.
تركنا السينما فريسة سهلة في أيدي عدد من "التجار" المسمون بالمنتجين الذين لا يعبئون بوطن، ولا يهتمون بقيمة، ولا يولون وجوهم إلا شطر "الأرباح والإيرادات" حتى لو كانت على حساب المستقبل، فكل فيلم يزرع في دواخل الشباب قيمة سلبية إنما يهد به مستقبلا كاملا معرضآ لأن يكون مليئا بمزيد من العنف والتحرش والفقر والعنصرية والإرهاب.
على السينما أن تحمل قيم وأفكار، وأن يكون لكل فيلم هدف وغاية غير أن "يبسط" الجماهير، ذلك الذي لطالما نادى به عديد من النقاد أمثال الناقد الكبير، مصطفى عبدالوهاب، رحمه الله، حيث كان يركز على فكرة "ما وراء الفيلم" ، فهو أحد رواد مدرسة "النقد الايديولوجي"، فيقوم بتفسير الفن على أساس المضمون الفكري، ويقيم الفنان على أساس موقفه من الصراع الفكري أو الايديولوجي، فتخيل معي لو كان-أستاذنا- موجودآ للآن حيث يشاهد ذلك الكم الهائل من " الخواء" الذي نطلق عليه "فنا" هذه الأيام.
راقصة وأغنية شعبي و"حبة شتايم" هكذا أصبحت السينما وهكذا من المفترض أن يكون المستقبل، ولذلك علينا أن نقف حائلا دون ذلك، أن نستعيد قوة "السينما" في التغيير، أن نعني بما وراء الفيلم، تلك الرسائل التي يجب أن نبثها للمستقبل.
إننا وان كنا نحارب الإرهاب علينا ألا نغفل دور السينما في خلق جيل سوي قادر على التمييز بين ما هو وطني وما دون ذلك، وأن نحميه -بالوعي من خلال السينما- من هؤلاء الذين يعبثون بالعقول، ولا يريدون لشبابنا إلا كل شر.
علينا أن نتحمل المسئولية، وأن يدرك كل منا أن له دوره، ممثل قدوة، وكاتب موهوب لديه مبدأ ورسالة، ومخرج قادر على خلق صناعة جديدة غير التي نحن عليها، ومنتج يدرك أن السينما هي التي يجب أن ترتقي بالجماهير لا أن تنحدر بدعوى أن "السوق عايز كدا"، وناقد هو الموجه والمرشد لرصد وتحليل الموضوعات حتى نخرج بمنتوج سينمائي قوي يليق بمصر المستقبل.