"سوق عشوائي" هو أدق وصف من الممكن أن توصف به أحوال مستشفى القصر العيني، الصرح الطبي الكبير في مصر وأول مدرسة طبية عربية، فينتشر الباعة الجائلين في أرجائها حتى في عنابر المرضى بين الأسِرة التي يرقدون عليها، منهم من يبيع المأكولات والبعض الآخر يبيع المشروبات، والجديد هو انتشار "الحلاقينأو المزينين" الذين يحرصون على دخول عنابر الرجال، فأصبح المكان لا يتصل بالرعاية الصحية بأي صلة. وفي جولة ميدانية ل "الفجر" داخل مستشفى القصر العيني القديم لرصد الأوضاع بها ومدى الإهتمام بالمرضى، بالإضافة إلى الكشف عن حالات الإهمال بها، كشفنا أن الوضع بها يرثى له فينتشر الباعة الجائلين في كل مكان بالإضافة إلى المشاهد المأساوية التي وجدنا عليها المرضى وذويهم. في البداية وعند دخولك إلى المستشفى تجد زواراً لا عدد لهم من كل أنحاء الجمهورية يحملون حقائب كثيرة وكأنهم ذاهبون إلى محطة مصر للسفر أو حديقة من الحدائق العامة للتنزه فيها، فتجد التجمعات هنا وهناك غالبيتهم من سيدات ورجال مصر الذين يرتدون الملابس الريفية المعروفة بالجلباب الواسع أوالعمامة، بالإضافة إلى آخرين من بسطاء العاصمة، والذين تظهر على وجوههم جميعاً علامات المُعاناة والشقاء. وعند الوصول إلى أروقة مبنى المستشفى ودخوله وجدنا العشرات بالداخل منهم من ينتظر دوره في الكشف أو إجراء عملية جراحية، ومنهم أيضاً من ينتظر الإطمئنان على قريب له يجري عملية أو يقوم بالكشف، ووجدنا أن الإنتظار في القصر العيني لم يكون آدمياً بالمرة، فإذا أردت أن تنتظر بالخارج داخل أي دور من أدوار مبنى المستشفى فليس عليك سوى حلين فقط، أحدهما هو الجلوس مفترشاً على الأرض، والآخر الذي يلجأ له عادة الشباب وهو الجلوس على أسوار النوافذ. وأثناء الإنتظار يمر عدد غير قليل من الباعة، فيقول أحدهم: "القُرصة بإتنين جنية"، وآخر: "معايا ماية وعصير"، فيما يمُر آخرين ليبيعوا الكُشري والشاي، بينما وجدنا أحد البائعين يقوم ببيع الملابس الحريمي بأحد الأدوار، وتوقفنا مع هذا البائع في محاولة للشراء منه، فمن خلال إجاباته أوضح أنه يكرر الحضور للمستشفى في يومين بالأسبوع ليبيع للزوار والمرضى في جميع أدوار المستشفى وعنابرها. وفي صورة أخرى من صور الإهمال، رصدنا حالات لعدد من المرضى يقوم ذويهم بإخراجهم من غرف العمليات بأنفسهم، ويسيرون ب"الترولي" الخاص بحملهم بين ممرات المشفى، في غياب للمُمرضات والمُمرضين، وهو الدور الذي يقومون به بجانب العناية بالمرضى. من جانب آخر تحاورنا مع بعض المرضى وزوار المستشفى، فالتقينا الحاجة إحسان، التي قالت أنها تعاني من مرض الغضروف، وترددت على المستشفى في الفترة الأخيرة حتى يتثنى لها الحصول على فرصة أن يتوفر لها سرير باحدى العنابر لتتمكن من العلاج وإجراء عملية جراحية، موضحة أن الفرصة أتيحت لها أخيراً بعد أن قام أخيها بالتبرع بالدم للمستشفى وسمحوا لها بأن تكون نزيلة بالمستشفى بعد ذلك. فيما اشتكت آية سعيد، احدى المريضات في عنبر العظام، من إهمال الأطباء والمُمرضين للمرضى، قائلة: "إن الدكاترة لا يمروا على العنبر للإطمئنان ومتابعة حالات المرضى سوى مرة واحدة فقط في اليوم، وقبلها تقوم المُمرضات بتغيير مفارش السرير وينظفوا الأرضيات قبل مرور الدكاترة". وعبرت عبير جمعة، مريضة، عن استيائها الشديد من سوء أحوال المستشفى، وعدم نظافتها، مضيفة أن الأسوأ من ذلك هو انتظار المرضى، قائلة: "في حالات سيئة وتنتظر دورها وإخلاء مكان لها وفي الفترة دي حالتها بتسوء.. والممرضات معاملتهم سيئة". وأضافت: "في أزمة في أكياس الدم لأن أي حد ممكن تتأجلوا عملية حتى لو كانت كبيرة لو مش لاقي متبرع يتبرعله بدم أو يشتري كيس للدم". ووصف حسين حمدان، زائر، حال عنابر المرضى وتجول البائعين فيها ب"شارع"، حيث قال: "بيبيعوا للزوار مياه وأكل وبيعلوا أصواتهم كأنه شارع مش مستشفى .. لازم يراعوا انهم في مستشفي وفي مرضى تعبانة". وعن وضع حد لهذه الظاهرة، قال: "الحل بيكون من إدرارة المستشفى وإنها تتخذ إجراء ضد ذلك ويكون للبياعين حدود خارج المستشفى حتى يحصل المرضى على الراحة". ولم تبدي فادية ياسين، استغرابها من انتشار الباعة بالمستشفى، كاشفة أن بعض عنابر الرجال لا يتردد عليها البائعين فقط ولكن يدخلها أيضاً "حلاقين أو مزينين"، لقص شعر الرجال المرضى وذقونهم، قائلة: "هو أمر طبيعي لا يدعوا للإستغراب .. وهما حلاقين من برا المستشفى بيدخلوا بيمروا على العنابر ويشوفوا مين عايز يحلق ".