xالإيمان والأمانة والأمن مصطلحات قرآنية محورية، تحمل دلالات شرعية معينة، وهي في أصلها اللغوي مشتقة من مادة " أمن"، وهذه المادة تدل على ثلاثة أمور: أحدها: الأمانة، يقال: أمُن أمانة: كان أميناً . ثانيها: التصديق، يقال: آمن به: إذا وثق به وصدقه . ثالثها: الأمن الذي هو ضد الخوف، يقال: أمِن أمناً وأماناً وأمنة: إذا اطمأن، ولم يخف، فهو آمن . (الإيمان) و(الأمان) و(الأمن) في القرآن، والبداية مع (الإيمان) . لفظ الإيمان في القرآن لفظ (الإيمان) تواتر مجيئه في القرآن الكريم، وليس من المبالغة القول: إن هذا اللفظ هو الأكثر حضوراً في القرآن، ولا غرابة في ذلك، فإن الدعوة إلى الإيمان قطب أساس في القرآن؛ إذ هو خطاب للمؤمنين أولاً { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل } (الفتح:4)، ثم هو ثانياً خطاب للعالمين { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا...فآمنوا بالله ورسوله } (الأعراف:158) . وقد ورد لفظ (الإيمان) في القرآن فيما يزيد عن خمسمائة موضع، وبعدة اشتقاقات؛ فجاء (اسماً) في أربعة عشر موضعاً، منها قوله تعالى: { ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل } (البقرة:108). وجاء (مصدراً) في ثلاثة عشر موضعاً، منها قوله سبحانه: { فزادهم إيمانا } (آل عمران:173). وجاء (صفة) في نحو مئتي موضع، منها قوله تعالى: { ولعبد مؤمن خير من مشرك } (البقرة:221)، وأكثر ما جاء هذا اللفظ في القرآن (فعلاً)، حيث جاء في أزيد من ستين ومئتي موضع، منها قوله سبحانه: { وبشر الذين آمنوا } (البقرة:25)، جاء في نحو تسعين موضعاً منها خطاباً مباشراً للمؤمنين، منها قوله سبحانه: { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة } (البقرة:153) . ولفظ (الإيمان) في القرآن ورد على خمسة معان: أولها: الإيمان الشرعي، وهو إقرار باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، من ذلك قوله سبحانه: { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات }؛ وقوله عز وجل: { وبشر المؤمنين } (البقرة:223). وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ (الإيمان) جاء على هذا المعنى . ثانيها: التوحيد، ومنه قوله تعالى { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } (المائدة:)، أي: من يكفر بالله الذي يجب الإيمان به فقد حبط عمله. ونحوه قوله سبحانه: { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } (النحل:)، وقوله تعالى: { إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } (غافر:10) . ثالثها: التصديق، الذي هو خلاف التكذيب، ومنه قوله سبحانه: { وما نحن لكما بمؤمنين } (يونس:78)، أي: ما نحن لكما بمصدقين؛ ومثله قوله تعالى: { وما نحن لك بمؤمنين } (هود:53)، أي: ما نحن لك بمصدقين؛ وكذلك قوله عز وجل: { وما أنت بمؤمن لنا } (يوسف:17)، أي: ما أنت بمصدق لنا . رابعها: الإقرار باللسان من غير تصديق القلب، وعلى حسب هذا المعنى فُسر قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله }، معناه: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم، آمنوا بقلوبكم وأعمالكم. وهذا على قول من ثلاثة أقوال في معنى الآية. وعلى وفق هذا المعنى فسر أيضاً قوله تعالى: { ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا } (المنافقون:3) . خامسها: الصلاة، ومنه قوله تعالى: { وما كان الله ليضيع إيمانكم } (البقرة:143)، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس . لفظ (الأمانة) في القرآن ورد لفظ (الأمانة) في القرآن في نحو عشرة مواضع؛ جاء في موضعين منها (اسماً) مفرداً؛ أحدهما: قوله سبحانه: { فليؤد الذي اؤتمن أمانته } (البقرة:283)، وثانيهما: قوله تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } (الأحزاب:72). وجاء في أربعة منها ( اسماً ) جمعاً، من ذلك قوله تعالى: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } (النساء:58). وجاء في موضعين ( فعلاً ) مضارعاً مبنياً للمعلوم، وذلك قوله تعالى: { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك } (آل عمران:75)، وجاء في موضع واحد ( فعلاً ) ماضياً مبنياً للمعلوم، وذلك قوله سبحانه: { فإن أمن بعضكم بعضا } (البقرة:283)، وجاء في موضع واحد ( فعلاً ) ماضياً مبنياً للمجهول، وذلك قوله سبحانه: { فليؤد الذي اؤتمن أمانته } (البقرة:283) . ولفظ (الأمانة) في القرآن ورد على ثلاثة معان: أحدها: الفرائض التي افتراضها الله على عباده، ومنه قوله تعالى: { لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم } (الأنفال:27)، أي: لا تضيعوا ما فرضه الله عليكم من فرائض. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تخونوا الله بترك فرائضه، والرسول بترك سنته؛ وقال السدي : إذا خانوا الله والرسول، فقد خانوا أماناتهم. وعلى حسب هذا المعنى، يُفهم قوله تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال } (الأحزاب:72)، أراد ب { الأمانة }: الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما . ثانيها: الوديعة ونحوها، ومنه قوله تعالى: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } (النساء:58)، فالآية يدخل في مفهومها كل ما يؤتمن عليه الإنسان، من وديعة ورهن ولُقَطة ونحوها. ووفق هذا المعنى قوله سبحانه: { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } (المؤمنون:8)، أي: إذا اؤتمنوا على شيء لم يخونوا، بل يؤدونه إلى أهله . ثالثها: العفة، وعلى هذا المعنى فُسر قوله تعالى: { إن خير من استأجرت القوي الأمين } (القصص:26)، أي: القوي في بدنه، الأمين في عفافه. ذكره الماوردي كأحد قولين في معنى الآية . لفظ (الأمن) في القرآن ورد لفظ (الأمن) في القرآن في نحو سبعة وعشرين موضعاً، وباشتقاقات متعددة؛ فورد على صيغة (المصدر) في أربعة مواضع، منها قوله تعالى: { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } (البقرة:125)، وجاء على صيغة اسم الفاعل، ك (صفة) في خمسة مواضع، منها قوله سبحانه: { رب اجعل هذا بلدا آمنا } (البقرة:126)، وجاء (اسماً) في أربعة مواضع، منها قوله تعالى: { وإذا جاءهم أمر من الأمن } (النساء:83)، وجاءت (فعلاً) في أربعة عشر موضعاً، منها قوله سبحانه: { فإذا أمنتم } (البقرة:196) . ولفظ ( الأمن) جاء في القرآن الكريم على معان ثلاثة: أحدها: بمعنى الأمانة الذي هو ضد الخيانة، وعليه قوله سبحانه: { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته } (البقرة:283)، يعني: فليعطِ المؤتمن ما اؤتمن عليه من أمانة. ونحوه قوله سبحانه: { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك } (آل عمران:75)، أي: إن بعض أهل الكتاب فيهم أمانة، يؤدونها مهما كثرت . ثانيها: بمعنى الأمن المقابل للخوف، ومنه قوله تعالى: { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن } (الأنعام:82)، والمعنى: أن الذين آمنوا بالله، ولم يشركوا به، آمنون من عذابه يوم القيامة، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ونحو ذلك قوله سبحانه: { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } (آل عمران:154)، يعني: أمناً، والأمن والأَمَنَة بمعنى واحد، أي: أنزل على المؤمنين أماناً بعد الخوف الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عَددهم وعُددهم . ثالثها: بمعنى المكان الآمن، ومنه قوله سبحانه: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه } (التوبة:6)، أي: أبلغه موضع أمنه: وهو دار قومه، أو منزله الذي فيه أمنه. ونحو ذلك قوله تعالى: { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } (البقرة:125)، أي: مكاناً آمناً للناس . والمتأمل في هذه الألفاظ القرآنية الثلاثة، يجد أنها على صلة وثيقة فيما بينها؛ فكل لفظ منها يتضمن معنى اللفظ الآخر بنحو ما؛ ف (الإيمان) يفيد الطمأنينة والسكينة والأمان؛ و(الأمانة) تفيد التصديق بمن تأمنه على شيء، والاطمئنان له؛ و(الأمن) يفيد أن تصدِّق بمن يؤمِّنك على نفسك وأهلك، وتأمنه في كل ما تملك .