أسعار الذهب اليوم في ختام التعاملات المسائية.. اعرف آخر تحديث    صفارات الإنذار تدوي في بات يام جنوب تل أبيب    نجوم 21 فرقة تضىء مهرجان «الإسماعيلية للفنون الشعبية»    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    أمل جديد لمرضى القلب.. تصوير مقطعي لتقييم تدفق الدم    ملف يلا كورة.. مواعيد مباريات السوبر المصري.. مفاوضات الزمالك مع راموس.. وتألق صلاح    تعرف على أسباب استبعاد إمام عاشور من قائمة منتخب مصر    درجات الحرارة بمدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى في القاهرة 30    أمريكا...عضو بمجلس الاحتياط الاتحادي يؤكد استمرار مشكلة التضخم    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش تفعيل مبادرة "بداية" لتعزيز التنمية البشرية وتمكين المرأة    واشنطن تعلق على قرار إسرائيل إعلان جوتيريش "شخصا غير مرغوب فيه"    أول تعليق من صلاح بعد قيادة ليفربول للفوز على بولونيا    وكالة مرموش تكشف تطورات مستقبله مع فرانكفورت بعد وصول عروض مغرية    جيش الاحتلال يشن 3 غارات على الضاحية الجنوبية في بيروت    حبس سائقي ميكروباص لقيامهم بالسير برعونة بالقاهرة    حقيقة مقتل النائب أمين شري في الغارة الإسرائيلية على بيروت    الانقلاب يدعم المقاومة الفلسطينية بتجديد حبس 153 شاباً بتظاهرات نصرة غزة ً وحبس مخفياً قسراً    حرب أكتوبر.. اكتئاب قائد المظلات الإسرائيلي بعد فقد جنوده أمام كتيبة «16 مشاة»    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    مدرب الزمالك مواليد 2005 يشيد بلاعبيه بعد الفوز على سيراميكا كليوباترا    أستون فيلا يعطل ماكينة ميونخ.. بايرن يتذوق الهزيمة الأولى في دوري الأبطال بعد 147 يومًا    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    عيار 21 الآن بعد الارتفاع.. أسعار الذهب اليوم الخميس 3 أكتوبر بالصاغة (عالميًا ومحليًا)    رئيس مياه دمياط يؤكد ضرورة تطبيق أفضل نظم التشغيل بالمحطات لتقديم خدمة متميزة للمواطنين    حدث ليلا| حقيقة زلزال المعادي.. وحقوق المنوفية توضح تفاصيل واقعة سب أستاذ للطلاب بألفاظ نابية    قتلت زوجها بمساعدة شقيقه.. الجنايات تستكمل محاكمة "شيطانة الصف" اليوم    ضبط 400 كيلو أسماك مملحة غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    ضبط بدال تمويني تصرف فى كمية من الزيت المدعم بكفر الشيخ    ضبط تشكيل عصابي بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بطوخ بالقليوبية    جلسة نقاشية لأمانة الشئون النيابية بحماة الوطن بشأن أجندة التشريعات المرتقبة    عبد العزيز مخيون يكشف تفاصيل مشاركته في الجزء الثاني من مسلسل جودر    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 3 أكتوبر.. «ثق بغرائزك واتبع مشاعرك الصادقة»    نشرة التوك شو| الزراعة تتصدى لارتفاع أسعار البيض والبطاطس.. وتأثر النفط والذهب بالضربات الإيرانية    وزير الصحة الأسبق: هويتنا تعرضت للعبث.. ونحتاج لحفظ الذاكرة الوطنية    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    "يد الأهلي ضد برشلونة وظهورعبدالمنعم".. مواعيد مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    دمياط.. انطلاق فعاليات المبادرة الرئاسية بداية بقرية شرمساح    «احذر خطر الحريق».. خطأ شائع عند استخدام «الإير فراير» (تعرف عليه)    انتى لستِ أمه.. 4 نوعيات من النساء ينفر منهن الرجال (تعرفي عليهن)    الأحد المقبل.. وزارة الثقافة تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة بحفل موسيقي غنائي (تفاصيل)    "أهمية القراءة في تشكيل الوعي" على مائدة معرض الرياض الدولي للكتاب    د.حماد عبدالله يكتب: (الروشتة) المؤجل تفعيلها !!    خبير علاقات دولية: مجلس الأمن تحول إلى ساحة لتبادل الاتهامات    ضبط 3 أطنان لحوم حواوشي غير مطابقة للمواصفات في ثلاجة بدون ترخيص بالقليوبية    استطلاع: هاريس تتقدم على ترامب في 7 ولايات متأرجحة    اغتيال صهر حسن نصر الله في غارة إسرائيلية على دمشق    عمرو موسي والسفير العراقي بالقاهرة يبحثان القضايا العربية على الساحة الدولية    زوجة دياب تمازحه بال«وزة» ..وتعلق :«حققت امنيتي»    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الخميس 3 أكتوبر 2024    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024    رئيس جامعة المنوفية يصدر قرارا بندب الدكتور حسام الفل عميدا لمعهد الأورام    «رجعناهم بالبيجامات الكستور».. تعليق مهم من أحمد موسى في ذكرى انتصار أكتوبر    أمين الفتوى يحذر الأزواج من الاستدانة لتلبية رغبات الزوجة غير الضرورية    تنظيم ورشة عمل مهنية للترويح للسياحة المصرية بالسوق التركي    الكشف على 1025 حالة ضمن قافلة طبية في الفيوم    «وما النصر إلا من عند الله».. موضوع خطبة الجمعة المقبل    رئيس الوزراء: نعمل على تشجيع القطاع الخاص وزيادة مساهمته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحقيق في بطلان قصة الغرانيق
نشر في الفجر يوم 03 - 06 - 2015

ما زال أعداء الإسلام يوجهون سهامهم للطعن في الإسلام، مستخدمين في ذلك أساليب مختلفة، فتارة يوجهون سهامهم للتشكيك في القرآن الكريم، وأخرى في السنة النبوية، وتارة ثالثة يحاولون النيل من شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، معتمدين في ذلك على أحاديث ضعيفة ذكرها بعض المحدثين والمفسرين وأصحاب السِيَر في كتبهم، أو مروياتٍ وأحاديث صحيحة حرّفوا معناها ومقصدها، قاصدين بذلك التشكيك في القرآن الكريم، والانتقاص من النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، والتشكيك في عصمته ونبوته .
ومن هذه الافتراءات المكذوبة قصة " الغرانيق " التي أثارها بعض المستشرقين ومن تبعهم، وألصقوها بهجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة، وجعلوها سبباً لعودتهم إلى مكة، وهي قصة باطلة، اتخذها أعداء الإسلام قديما وحديثا سلاحاً للطعن فى عصمة النبي صلى الله عليه وسلم .
وخلاصة هذه القصة المكذوبة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بمكة، فقرأ سورة النجم حتى انتهى إلى قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى }(النجم الآية 19: 20 )، فجرى على لسانه: " تلك الغرانيق (الأصنام) العُلى، وإن شفاعتهن لترتجى "، فسمع ذلك مشركوا مكة، فَسُرُّوا بذلك، فاشتَدَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأنزل الله تعالى قوله : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }( الحج الآية: 52 ) ..
وهذه القصة مع أنها ظاهرة الضعف والتهافت، واضحة البطلان لكل عاقل ومنصف، لما فيها من تشكيك واضح في القرآن الكريم، وقدح في نبوة وعصمة النبي - صلى الله عليه وسلم في أمور الوحي والتبليغ والاعتقاد ، قدْ ردَّ علماء المسلمين سلفاً وخلفاً على هذه الفرية والقصة الباطلة وما اشتملت عليه من افتراءات بأدلة كثيرة، منها :
أولاً: عصمة النبي صلى الله عليه وسلم :
قصة الغرانيق تنافى ما هو مقطوع به من عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك والشك، والضلال والغفلة، ومن تسلط الشيطان عليه، وكذلك عصمته من الخطأ والسهو فى أمر التبليغ، وهو ما قام عليه إجماع الأمة قديماً وحديثاً .. فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم محفوظ بحفظ الله له، ومعصوم بعصمة الله إياه، فالعصمة ضرورة من ضرورات صدق الرسالة، وقد تجلت رعاية الله عز وجل وعصمته لرسوله صلى الله عليه وسلم في عقله وقلبه من الكفر والشرك، والضلال والشك، ومن تسلط الشيطان عليه .
قال ابن كثير: " معلوم لكل ذي لُب (عقل سليم) أن محمداً صلى الله تعالى عليه وسلم من أعقل خلق الله تعالي، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق في نفس الأمر " .
وقد اتفقت الأمة على أن رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم معصومون فيما يتعلق بتبليغ الوحي، فلا يكذبون، ولا ينسون، ولا يغفلون، قال القاضي عياض: " الأنبياء منزهون عن النقائص في الخَلق والخُلق " .
وقال ابن تيمية: " فإن الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل ، فلا يكون خبرهم إلا حقا وهذا معنى النبوة " .
وقال ابن حجر: " وعصمة الأنبِياء - على نبيِّنا وعليْهِم الصَّلاة والسَّلام -: حِفْظُهم من النقائص، وتخصيصهم بالكمالات النفيسة، والنصرة والثَّبات في الأمور، وإنْزال السَّكينة " .
وصدق من قال عنه صلى الله عليه وسلم :
لا يَنطقُ الكَلِماتِ إلاَّ عن هُدًى وَحيٌ هوَ المعصومُ مِن غَفَلاتِ
ثانياً: الأدلة من القرآن الكريم على بطلان قصة الغرانيق :
قال الله تعالى: { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }(النجم من الآية 1: 4 ) . قال ابن كثير: " وقوله: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } هذا هو المُقْسَم عليه، وهو الشهادة للرسول صلوات الله وسلامه عليه بأنه بار راشد تابع للحق، ليس بضال .. وقوله: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } أي: ما يقول قولاً عن هوى وغرض، { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } أي: إنما يقول ما أمر به، يبلغه إلى الناس كاملا موفرا من غير زيادة ولا نقصان " .
فكيف تنتظم معاني هذه الآيات مع ذكره وترديده صلى الله عليه وسلم ما يلقيه إليه الشيطان على أنه آيات قرآنية إلهية؟!، ثم إن في هذه القصة الباطلة مصادمة لصريح الكثير من آيات القرآن الكريم، التي تفيد حفظه وصيانته من التحريف والتبديل، والزيادة والنقص، قال الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(الحجر الآية: 9 )، وقال: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }( فصلت من الآية: 41 : 42) ، وقوله تعالى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }(النجم من الآية 3 : 4 ) .
أما قول تعالى: { وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا }(الإسراء من الآية 73 : 74)، فقد قال القاضي عياض: " وهاتان الآيتان تردان الخبر الذي رووه، لأن الله - تعالى – ذكر: أنهم كادوا يفتنونه حتى يفتري، وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم، فمضمون هذا ومفهومه أن الله - تعالى - عصمه من أن يفتري، وثبته حتى لم يركن إليهم قليلا، فكيف كثيراً !، وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد على الركون، بل افترى بمدح آلهتهم وهذا ضد مفهوم الآيتين، وهو تضعيف للحديث لو صح، فكيف ولا صحة له؟ " .
وقال ابن كثير في تفسيره لهاتين الآيتين: " يخبر تعالى عن تأييد رسوله صلوات الله وسلامه عليه ، وتثبيته، وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكِلْه إلى أحدٍ من خلقه، بل هو وليه وحافظه وناصره ومؤيده ومظفره، ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه، في مشارق الأرض ومغاربها صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين " .
وقال الشنقيطي : " اعلم: أن مسألة الغرانيق مع استحالتها شرعاً، ودلالة القرآن على بطلانها لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج، وصرح بعدم ثبوتها خلق كثير من علماء الحديث كما هو الصواب " .
ثالثا : رد علماء الحديث على قصة الغرانيق :
هذه القصة لم يخرجها أحد من أصحاب الكتب الصحاح، ولا أحد من أصحاب الكتب المعتمدة كالسنن الأربعة، ومسند الإمام أحمد، وقد ذهب جماهير علماء الأمة من المحدثين والمحققين إلى إنكار القصة، والجزم بضعفها ووضعها، ومن أقوالهم في ذلك :
قال القاضى عياض: " إن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون، المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم ... ومن حكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين التابعين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها، ضعيفة واهية، والمرفوع فيه حديث ابن عباس، وضعفه الأئمة أيضاً " .
وقال البيهقي: " هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل " . وقال ابن حزم: " وأما الحديث الذى فيه : ( وأنهن الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى ) فكذب بحت موضوع، لأنه لم يصح قط من طريق النقل، فلا معنى للاشتغال به، إذ وَضْع الكذب لا يعجز عنه أحد " .
وقال الحافظ ابن كثير: " قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم" .. والمرسل - كما هو معلوم عند جماهير المحدثين - في عداد الحديث الضعيف، قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: " والمرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحُجَّة " .
وقال الرازى: " أهل التحقيق قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة، ونقل عن الحافظ ابن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة " .
وقد كتب الشيخ الألباني رسالة في إبطال هذه القصة بعنوان: " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق "، وقال في مقدمته لها: أنه سئل عن رأيه في حديث الغرانيق الذي اختلف فيه قول حافظين كبيرين، هما: ابن كثير الدمشقي، وابن حجر المصري، فقد أنكره الأول وقواه الآخر، وطُلِبَ منه الجواب عليه، فقال: " فأجبته (أي السائل عن حديث هذه القصة) بأنه لا يصح، بل هو باطل موضوع، ثم يقول: " فشرعت متوكلاً على الله الغفور في جمع طرق تلك القصة من كتب التفسير والحديث، وبينت عللها متناً وسنداً، ثم ذكرت قول الحافظ ابن حجر في تقويتها، وتعقبته بما يبين وَهْيَ ما ذهب إليه، ثم عقّبت على ذلك بذكر بعض البحوث والنقول عن بعض الأئمة الفحول ذوي التحقيق في الفروع والأصول، تؤيد ما ذهبنا إليه من نكارة القصة وبطلانها، ووجوب رفضها، وعدم قبولها، تصديقاً لقوله تعالى: { لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }(الفتح الآية : 9 )، فجاءت رسالة فريدة في بابها، قوية في موضوعها، ترفع حيرة الأخ المؤمن، وتطيح بشبهة الملحد الأرعن، وقد سميتها : نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق " .
وقال الشيخ أحمد شاكر: " وهي قصة باطلة مردودة، كما قال القاضي عياض والنووي رحمهما الله وقد جاءت بأسانيد باطلة، ضعيفة، أومرسلة، ليس لها إسناد متصل صحيح، وقد أشار الحافظ في الفتح إلى أسانيدها، ولكنه حاول أن يدَّعي أن للقصة أصلاً لتعدد طرقها، وإن كانت مرسلة أو واهية، وقد أخطأ في ذلك خطأ لا نرضاه له، ولكل عالم زلة، عفا الله عنه " .
وقال الشيخ الألباني: " قد يقال: إن ما ذهبتَ إليه من تضعيف القصة سنداً وإبطالها متناً يخالف ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر من تقويتها كما سبق الإشارة إليه آنفا، فالجواب: أنه لا ضير علينا منه، ولئن كنا خالفناه فقد وافقنا جماعة من أئمة الحديث والعلم" .
أما الحديث المروي من طرق صحيحة في البخاري وغيره عن عدد من الصحابة كابن عباس وابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهم وغيرهم: ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ) فقد اقتصروا في روايتهم على هذا الجزء الصحيح من القصة، وليس فيه أي ذكر لقصة الغرانيق، فأين هذا مما يزعمه بعض المفترين من إيهام الناس أن قصة الغرانيق بما فيها من فرية وكذب ذكرها الإمام البخارى فى صحيحه؟! .
وأما سجود المشركين المذكور في هذه الرواية الصحيحة للبخاري وغيره فليس فيه ما يدل على ثبوت هذه القصة أبداً، ولا على أنهم فهموا من ذلك ما يشعر بمدح آلهتهم، لأنه يمكن أن يكون سجودهم لأسباب عدة منها: أن يكون لدهشة أصابتهم وخوف اعتراهم عند سماع السورة خصوصاً وقد ورد في آخرها من الوعيد الشديد، وإهلاك الله للأمم قبلهم وذلك في قوله : { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى }( النجم من الآية 50 : 54)، ومثل ذلك ما حصل لعتبة بن ربيعة حين قرأ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- آيات من سورة فصلت وهي قوله سبحانه :{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }( فصلت الآية: 13) فأمسك عتبة بفم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وناشده بالرحم واعتذر لقومه، حين ظنوا به أنه صبأ، وقال: " كيف وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب " .
وإذا قال البعض أن للقصة أصلاً فيمكن أن يقال: إن الشيطان هو الذي زاد عما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته فيقف عند كل آية، فيتبع الشيطان تلك السكتات بكلام يقلد فيه صوت النبي صلى الله عليه وسلم ، فيسمعه المشركون فيظنوا أنه من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعد وقفة النبي صلى الله عليه وسلم في قراءته: { وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى } قال الشيطان " تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترجى "، فأما المشركون والذين في قلوبهم مرض فنسبوها للنبي صلى الله عليه وسلم بجهلهم، حتى سجدوا معه اعتقاداً منهم أنه أثنى على آلهتهم، وعلِمَ الذين أوتوا العلم أن القرآن حق من عند الله تعالى لا يلتبس مع غيره، وقد استحسن ابن العربي هذا التأويل .
والخلاصة أن قصة الغرانيق ضعيفة بل باطلة، وأنها مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية الصحيحة، وهي تخالف حقائق تواريخ أحداث ووقائع السيرة المشرفة، لأنها مذكورة في سياق من ساقها في آيات سورة النجم، وسورة النجم كما هو معلوم تتحدث عن المعراج في رحلة الإسراء والمعراج للنبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت بعد السنة العاشرة، أما قصة الغرانيق هذه فإن رواياتها تبين أنها كانت فى السنة الخامسة للبعثة، وقت هجرة المسلمين الأولى للحبشة، وهذا مما يؤكد بطلان تلك القصة ويحقق كذبها لأنها تخالف وتعارض التواريخ لأحداث السيرة النبوية الصحيحة، كما أنه يستحيل شرعاً وعقلاً أن يلقي الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الألفاظ الشركية الفاسدة، وكل الروايات الواردة فيها معلَّة إما بالإرسال أو الضعف أو الجهالة، وليس فيها ما يصلح للاحتجاج به، لاسيّما في مثل هذا الأمر الخطير، الذي يمس مقام نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ، الذي قال الله عز وجل عنه: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }(النجم من الآية 3: 4 ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.