يمتلك كل إنسان منا كثير من الأعمال والواجبات التي يحتاج أن يقوم بها في حياته؛ كأعمال اقتصادية، اجتماعية، إدارية، صحية، وغير ذلك خاصة إذا كان مسئولاً عن عائلة وأسرة؛ وقد يعجز عن القيام بكل هذه الواجبات، فيقع الضرر عليه أو على أسرته. فهنا يأتي دور السُّنَّة النبوية، وهي سُنَّة "السعي لقضاء حوائج الناس"، فقد يظنُّ البعض أن مساعدة الناس لا تكون إلا بالمال، أو يكتفي بإعطاء المال فيُغنيه عن السعي والتحرك مع إخوانه لقضاء حوائجهم؛ لكن الواقع أن "السعي" لقضاء الحاجات من أَجَلِّ الأعمال، وأعظمها عند الله -تعالى-؛ فذلك يفوق أجر المعتكف المنقطع لعبادة الله -تعالى-. فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صل الله عليه وسلم- قال: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ" رواه البخاري ومسلم. فالواضح أن المقصود هو "السعي" لإتمام الحاجة، والتي قد تكون في إنهاء بعض الإجراءات القانونية التي تتطلب وجاهة، أو شراء أشياء ومتطلبات، أو المصاحبة في سفر أو زيارة، أو صناعة شيء أو إصلاحه أو إعداده، أو غير ذلك من الأشياء التي تحتاج إلى جهد. كما أن أهل المروءة والنجدة لا يمكنهم أن يروا مضطراً إلا أجابوه، ولا محتاجاً إلا أعانوه، ولا ملهوفاً إلا أغاثوه، فإن هذا من أصول المروءة كما قال ميمون بن مهران: "أول المروءة طلاقة الوجه، والثاني التودد، والثالث قضاء الحوائج"، وقال سفيان الثوري: "المروءة: الإنصاف من النفس، والتفضل". ولأن قام المسلم بقضاء هذه الحاجات ابتغاء مرضات الله -تعالى-، فإن الله -عز وجل- يُكافئه بالمساعدة في حاجته يوم احتياجه؛ سواء في الدنيا بتيسير من يكون له عوناً في قضاء حوائجه، أو تسهيل أعماله، أو في الآخرة بتثبيت الأقدام على الصراط. فواقع الأمر بهذه الصورة أن المستفيد الأكبر من قضاء الحاجات هو قاضي الحاجة نفسه وصاحب الوجاهة الذي سعي مع غيره لمساعدته وقضاء مصلحته، وهذا هو المقصد الرئيسي من هذه السُّنَّة النبوية.