■ حصيلة 18 شهرًا من المحاكمات 282 عاما لمبارك ورجاله و7.3 مليار جنيه ■ محكمة ثورة يوليو حكمت على 30 متهمًا ب680 عامًا سجنًا ■ مجموعة الوريث حصلت على أشد الأحكام وأعلى الغرامات بعد 18 شهرًا من ثورة 25 يناير ونحو 25 محاكمة لرموز النظام عدنا إلى نقطة الصفر، و المربع الاول للثورة عادت ثورة مصر مستمرة، حكم براءة الرئيس المخلوع مبارك فى قضية بيع الغاز لإسرائيل، وحكم براءة مساعدى العادلى فجر الغضب المكتوم فى صدور المصريين حتى الذين لم يخرجوا إلى ميادين الثورة لديهم شعور بأن مبارك ورجاله أو عصابته افلتوا من المحاكمة، ولذلك يطالب الكثيرون فى التحرير وخارجه بمحاكم خاصة ثورية قادرة على القصاص العادل وخريطة الأحكام الصادرة على مبارك ورموز حكمه توضح عدة أرقام وبعضاً من الوقائع المثيرة. عدد سنوات السجن مشدد أو عادى بلغ حتى الآن 282 عاما، وباستثناء حكمى المؤبد لمبارك والعادلى فإن هذا الرقم لايشمل قضايا قتل المتظاهرين الأخرى، وبلغت قيمة الغرامات الصادرة على رجال مبارك وأهل البيزنس فى هذه القضايا 7.3 مليار جنيه، ولايشمل هذا المبلغ قضايا الكسب غير المشروع لمبارك وأسرته ورموز نظامه فاستثناء قضية الكسب غير المشروع لزكريا عزمى فلم تتحول قضايا الكسب إلى أحكام، بالمثل لا يشمل هذا المبلغ القضايا الجنائية التى لم يتم الحكم فيها بعد، وعلى رأسها قضيتا أحمد عز إحداهما خاصة باسترداد شركة الدخيلة للحديد والأخرى قضية غسيل أموال، ومن المتوقع أن تتخطى الغرامات والأموال المستردة فى القضيتين 8 مليارات جنيه. وأن تترتفع عدد سنوات سجن عز إلى نحو 25 عامًا بدلا من العشر سنوات التى يقضيها عز الآن فى قضية رخص الحديد. وتعد قضية رخص الحديد هى الأعلى فى الغرامات حتى الان فقد بلغت قيمة الغرامات فى قضية الحديد مليارى جنيه، نصيب وزير التجارة السابق رشيد منها 1.2 مليار جنيه، وباقى قيمة الغرامة لعز ورئيس هيئة التنيمة الصناعية السابق ب600 مليون جنيه، وحكم على رشيد الهارب ب15 عاما من السجن فى هذه القضية، وارتفع عدد سنوات السجن على رشيد ل20 عاما، وذلك بعد الحكم عليه فى القضية المشهورة إعلاميا بقضية دعم الصادرات بخمس سنوات، وكان رشيد يحاكم لأن الخمس شركات التى يساهم فيها حصلت على دعم من صندوق دعم الصادرات، وعلى الرغم من استعداد رشيد لرد المبلغ، وأرسل شيكًا بالفعل للمحكمة بقيمة كل الدعم إلا أن المحكمة أصدرت حكمها بالسجن خمس سنوات. ولكن وزير المالية السابق الهارب يوسف بطرس غالى حصد أحكامًا بالسجن ضعف مدة رشيد، ووصلت عدد سنوات السجن لغالى 40 عاما، وذلك فى ثلاث قضايا، ومن المثير أن الغرامات فى قضايا غالى تبلغ 170 مليون جنيه، فى حين أن كل ما سيدفعه رئيس الديوان الرئاسى السابق زكريا عزمى وزوجته هو 70 مليون جنيه. خريطة الأحكام تكشف أن الأحكام على رجال الوريث جمال مبارك هى الاشد والأعلى غرامة والاسبق فى بداية المحاكمات، أنس الفقى وعز وغالى ورشيد ووزير الاسكان السابق أحمد المغربى (5 سنوات) وزير السياحة السابق زهير جرانة (8) سنوات ووزير الزراعة السابق أمين أباظة (3 سنوات). وزير الداخلية السابق حبيب العادلى وأحد أضلاع ملف التوريث والتعذيب هو صاحب أعلى عدد سنوات سجن وهى 42 عاما خلال ثلاث قضايا، وغرامات مالية 396 مليون جنيه، وذلك فى قضايا قطع الاتصالات عن أيام الثورة وقضيتى غسيل الأموال واللوحات المعدنية، باستثناء قضية زكريا عزمى لم يحكم على رجال الحرس القديم إلا فى قضية واحدة وهى قضية البياضة، وحكم فيها بالسجن لمدة عشر سنوات على كل من نائب رئيس مجلس الوزراء السابق يوسف والى ورئيس الحكم السابق عاطف عبيد بالسجن لمدة عشر سنوات. وخلافا لبعض ما قيل عقب تبرئة حسين سالم ومبارك فى قضية الغاز، فإن حسين سالم حكم عليه فى هذه القضية ب15 عاما، ومثلها لولده خالد، وبلغت الغرامات فى هذه القضية 4.1مليار جنيه، وبموجب هذا الحكم قبلت إسبانيا بتسليم حسين سالم وابنه خالد، وتعد قضية جزيرة البياضة أكبر قضية فى عدد سنوات السجن، فقد بلغ عدد سنوات السجن فيها 68 عاما موزعة على خمسة متهمين. لا يزال صفوت الشريف أقوى رجال مبارك من الحرس القديم محبوسًا احتياطًا على ذمة قضيتى الجمل والكسب غير المشروع، وبالمثل رئيس مجلس الشعب السابق فتحى سرور، ولم تنته بعد قضية الكسب غير المشروع للوزير الراحل كمال الشاذلى والذى كان أحد أهم أعمدة نظام مبارك قبل بدء عجلة التوريث، ورؤساء الحكومة أحمد نظيف وعاطف عبيد. ولا يزال ملف قضية بيع الغاز المتهم فيها سامح فهمى وحسين سالم مفتوحا، وهناك قضايا أخرى لجرانة والمغربى وإبراهيم سليمان ما بين النيابة والمحاكم والكسب غير المشروع، وربما تصل الأحكام إلى 400 عام سجنا أو حتى 20 مليار جنيه غرامات، وربما تعيد النقض قضية براءة مساعدى العادلى إلى المحاكمة وتتم إدانتهم، ولكن كل ذلك لم ينه حالة الغضب والرفض للأحكام بما فى ذلك أحكام الفساد المالى وإهدار المال العام، فالقضية أعمق من عدم وجود أوراق أو أدلة فى بعض القضايا، فالأزمة أبعد بكثير من مجرد غياب أوراق أو مستندات فى بعض القضايا. فقضايا نظام مبارك مبعثرة ومشتتة على عشرات المحاكم ويصدر الحكم فى قضية ما بالبراءة وقضية أخرى بالإدانة، ويتأخر صدور أحكام فى قضايا أخرى بسبب إجراءات المحاكمات وأشهرها رد الدائرة التى تنظر القضية وكثرة طلبات التأجيل وتعدد المحامين فى العديد من القضايا، لا يمكن للمواطن أن يتذكر أحكام الإدانة أو البراءة التى صدرت منذ قيام ثورة 25 يناير، والناس ضائعة بين قضايا الكسب غير المشروع وقضايا النيابة العامة. ومن هنا تأتى أهمية أو بالأحرى أفضلية المحاكم الثورية التى أقامتها ثورة يوليو والتى عجزت ثورة 25 يناير حتى الآن عن تطبيقها، فالمحاكم الثورية بإجراءاتها الخاصة أكثر عدالة وسرعة وفاعلية فى تطبيق أهداف الثورة، وقد وصل عدد سنوات السجن فى محكمة الثورة نحو 680 عاما، ولكن لم ينفذ منها سوى أقل من 60 عاما، ولاشك أن دراسة نظام المحاكم الثورية فى ثورة يوليو مفيدة وكاشفة خاصة فى هذه اللحظة الحرجة والغاضبة التى تعيشها مصر. كانت قائمة الاتهام فى قضايا محكمة الثورة التى أنشأتها ثورة يوليو قائمة موحدة، وشملت 30 متهما من نظام الملك، والاتهامات فى كل من محكمة الغدر أو محكمة الثورة كانت مجمعة لكل متهم، وينظرها دائرة واحدة، فقد تم تجميع قضايا الفساد السياسى والفساد الاقتصادى (استغلال النفوذ) لكل متهم، وبهذا التجميع لكل متهم تم اختصار الوقت بدلا من إهدار الوقت فى تشيت قضايا كل متهم أمام عدة محاكم، بالمثل فإن تجميع كل الاتهامات الموجهة لعز أو رشيد أو عزمى يجعل أثر تبرئة أى منهم فى أحد الاتهامات غير موجع بالنسبة للمواطنين، لأن التبرءة من اتهام جاءت ضمن الإدانة فى اتهامات أخرى. وتجميع عدد من المتهمين من رموز النظام فى قائمة اتهام واحدة يكثف ويعمق معنى محاكمة نظام فى نفوس وضمائر المواطنين، فالمواطن يشعر بأنه أمام محاكمة عصر بأكمله من الفساد، وحتى لو تمت تبرئة عدة متهمين فإن إدانة مجموعة من المتهمين فى قائمة اتهام واحدة تقلل من حالة الغضب لتبرئة عدة متهمين. إجراءات المحاكم الخاصة فى عهد يوليو لرجال النظام البائد كانت أكثر حسما وسرعة وفاعلية، فلم يكن من المسموح لأحد أطراف الدعوى رد المحكمة أو طلب التأجيل لأكثر من مرتين، وبالمثل ولم يكن مسموحًا للمتهمين بتوكيل عشرة أو خمسة محامين مما يضيع وقت المحاكمة، فلكل متهم محام واحد، ولا يعنى هذا القيد حرمان المتهم من توكيل مائة محام أو تكوين فريق دفاع، ففريق الدفاع عن المتهم يجتمع ويضع خطط الدفاع، ولكن يتولى محام واحد فقط إجراءات الدفاع أمام المحكمة، الأحكام فى محكمة الثورة أو الغدر كانت مشددة معظم المتهمين حكم عليهم بالسجن المؤبد أو السجن خمس عشرة أو عشر سنوات، وحكم فى قضايا استغلال النفوذ بغرامات ومصادرة أملاك وأراضٍ، وحصل بعض المتهمين فى محكمتى الثورة والغدر على أحكام بالاعدام، ولكن عند التصديق على الاحكام تم تخفيض العقوبة إلى الاشغال الشاقة المؤبدة، المثير أن كل رموز نظام الملك فاروق لم يقضوا مدة السجن كاملة، فقد تم الإفراج عنهم تباعًا فى أعياد ثورة يوليو، وبعضهم تم العفو عنه لأسباب صحية واستبدال عقوبة السجن بالاقامة الجبرية أو المنع من السفر للخارج، وكان عام 56 عامًا حاسمًا فى شعبية جمال عبدالناصر واستقرار الأمر لثورة يوليو محليًا ودوليًا، وقد توارى بعد هذا العام الحديث عن رموز نظام فاروق ورجاله، حدثت مواجهة جديدة بين الثورة والإخوان ولكن مواجهة النظام الجديد بالنظام البائد هدأت إلى حد كبير. فالمحاكم الثورية بحسمها فى إصدار الأحكام على رموز النظام السابق تؤمن المجتمع من شرور الثورة المضادة، وتضمد جراح المواطنين ممن اضيروا من النظام السابق، وتمنح المجتمع والنظام الجديد فرصة لبناء قواعد مجتمع جديد ومؤسسات تعبر عن العهد الجديد. وحين يتحقق النجاح للنظام الجديد يتوارى الاهتمام والمخاوف من رموز النظام البائد، وتتضاءل خطورة الثورة المضادة، ولذلك سارع عبدالناصر بعد استقرار نظام الثورة فى العفو عن العديد من رموز نظام فاروق فى أعياد الثورة، وسمح للكثير منهم بالسفر للخارج، ولكن منعهم من مزاولة النشاط السياسى استمر حتى جاء الرئيس السادات.