نشرت صحيفة الجارديان مقالا عن دور قناة الجزيرة و غيرها من القنوات الاخبارية في الربيع العربي اورد فيه الكاتب انه منذ اثنان وعشرون عاما مضت اشترى والده، وهو مهاجر لبناني في سيراليون، طبق كبير مع عشرات من الأقمار الصناعية لتحل محل قنوات الراديو التي كانت تستخدم للاستماع الى خدمة بي بي سي العربية. كان الكاتب فقط في العاشرة من عمره في ذلك الوقت ولكنه يذكر الناس الذين كانوا يتجمعوا في مكانهم ليروا تغطية سي إن إن لغزو صدام حسين للكويت. رأى الناس دائما CNN على أنها تمثل أميركا، ولكن كانوا لا يزالون يريدون معرفة ما الذي كان يحدث. استمر هذا مع التدخل الذي قادته الولاياتالمتحدة لتحرير الكويت. في تلك الأيام كان لا يوجد هناك أي قنوات عربية ذات مصداقية لتغطية الحرب. كان لديهم فقط محطات التلفزيون التي تديرها الدولة - تلك التي ستتبع دائما جدول أعمال قادتهم و ملوكهم ، حتى لو كان الكون كله يحترق. وبعد سنوات قليلة بدأت الأمور تتغير، ونقطة التحول كانت في 1994 عندما قررت هيئة الاذاعة البريطانية اطلاق تلفزيون عربي تموله السعودية. استقطب المشروع عشرات من الصحافيين العرب الذين اعتقدوا لفترة من الوقت أنهم كانوا على أعتاب تحولا كبيرا في المشهد الإعلامي العربي. بعد عامين واجه مشروع بي بي سي السعودية معضلة خطيرة عندما بثت القناة فيلما وثائقيا حول صفقة الأسلحة السعودية. في غضون اسابيع تم اغلاق القناة و لاقي صحفييها مصيرهم - ولكن ليس لفترة طويلة. في عام 1996 جاءت قناة جديدة للحياة. أطلقت قطر قناة الجزيرة و وظفت معظم الذين فصلتهم بي بي سي. هذه المرة تأكدوا أن المحطة الجديدة لن يوقفها اي شيء ، ويرجع ذلك غالبا لعدم وجود حدود ولا خطوط حمراء، مع توافر ميزانية مفتوحة. في البلدان العربية، حيث اعتاد الناس للاستماع على أساس يومي إلى خطب زعمائهم أو أفراد الأسر الحاكمة، عرضت القناة الجديدة البرامج الحوارية حول النقاط الساخنة مع التركيز على القضايا المثيرة للجدل. لأول مرة، رأي الناس شخصيات معارضة من مختلف أنحاء العالم العربي متحدثة باللغة العربية تقول ما لم تكن تجرؤء قوله من قبل الا على القنوات الغربية باللغة الانجليزية أو الفرنسية. على مدى السنوات ال 16 الماضية برزت قناة الجزيرة كمصدر للأخبار الأكثر مصداقية في المنطقة، على الرغم من انضمام غيرها من القنوات مثل قناة العربية، قناة العالم الإيرانية، و قناة الحرة الأمريكية ، RT روسيا وغيرها . بدت قنوات التلفزيون العربي الجديدة تزدهر وتكتسب مصداقية حتى جاء الربيع العربي متماشيا معها وبدأوا توفير التغطية اليومية للثورات. من تونس إلى مصر، ليبيا، اليمن، البحرين، وسوريا، وكان الناس يتوقعون من محطات التلفزيون احتضان أحلامهم والدفاع عن قضاياهم، ولكن يبدو أن الشبكات الرئيسية قررت تبني بعض الثورات دونا عن غيرها. وكان أحد الأمثلة على ذلك, الطريقة التي تم التعامل بها مع الانتفاضة في البحرين. كان من الواضح أن المحطات التي تمولها دول الخليج أكثر اهتماما بالأمن الإقليمي عن أحلام البحرينيين للديمقراطية والحرية والثورة ضد الطغيان. في هذه الأثناء، أعطت القنوات العربية السائدة الثورة السورية جزء كبير من وقت البث، ولكن الأمور أخذت مسارا مختلفا عندما بدأ التدخل في التغطية. و يضيف الكاتب انه كان واحدا من هؤلاء الذين شهدوا ذلك عندما رفضت قناة الجزيرة، القناة التي كان يعمل لديها، بث لقطات لمسلحين يقاتلون النظام السوري على الحدود بين لبنان وسوريا. و يقول انه راي عشرات من المسلحين الذين يعبرون الحدود مايو العام الماضي – و كان هذا دليل واضح على أن الثورة السورية أصبحت معسكرة. إلا أن ذلك لم يتناسب مع السرد المطلوب لانتفاضة نظيفة وسلمية، وطلب منه المسئولين أن ينسى امر المسلحين. و يستطرد الكاتب قائلا "كان واضحا بالنسبة لي، على الرغم من أن هذه التعليمات لم تكن قادمة من الجزيرة نفسها: ان القرار كان قرارا سياسيا اتخذ من قبل أشخاص خارج مركز تلفزيون – نفس الاشخاص الذين طلبوا من القناة تغطية الوضع في البحرين. شعرت أن حلمي بالعمل لحساب قناة الأخبار الرئيسية في المنطقة أصبح كابوسا. هناك عدم احترام للمبادئ التي تعلمتها خلال 10 سنوات من الصحافة من قبل الحكومة التي تعتقد أنها تمتلك مجموعة من الصحفيين الذين يجب أن تنفذ بهم كل ما يطلب منهم بصرف النظر عن السياسة التحريرية." اليوم، تنقسم وسائل الإعلام العربية. وأصبحت وسائل الإعلام مثل الاحزاب؛ تهيمن السياسة على قطاع الأعمال وعلى كلا الجانبين علي الساحة والناس لا يمكن أن يعتمد حقا على قناة واحدة للحصول على خلاصة هذه الأخبار كاملة. يبدو الأمر كما لو أن الجمهور يجب أن يقوم بواجبات الصحفيين من التدقيق الإسنادي للمصادر ومشاهدة الجانبين من صراع للحصول على المعلومة. و يكمل الكاتب ان المشكلة ليست من هو الكاذب و من الدقيق. تعمل المؤسسات الاعلامية علي اعطاء جزء من القصة التي تخدم جدول أعمال الممول ، لذلك فمن الواضح أنه لا يتم عرض سوى جزء من الحقيقة في حين دفن الجزء الآخر. ما هو واضح هو أن الاستثمار في المصداقية خلال العقدين الماضيين كان عبثا. تتعامل النخبة مرة أخرى مع القنوات الإخبارية العربية بالطريقة التي تستخدمها مع وسائل الاعلام الرسمية العربية. مرة أخرى، قد بدأ الناس يعتمدون أكثر على وسائل الاعلام الغربية لمعرفة ما يجري. وينعكس ذلك في عدد المشاهدين الذي اكتسبته قناة بي بي سي العربية خلال العام الماضي - أكثر من 10 مليون مشاهد - في حين القنوات العربية الرائدة تخسر المشاهدين. الحكومات التي تملك مؤسسات اعلامية في الشرق الأوسط، و تفرض جداول أعمالها، تدفع العمل الصحفي نحو الانتحار. انهم يأخذون المشهد الإعلامي العربي للتسعينيات بدلا من أن تتحرك إلى الأمام.