لأول مرة فى العالم كله تشكل فئة المهندسين نسبة 8% من الجمعية التأسيسية للدستور، وليس لشركة مقاولات. المثير أن عدد المهندسين فى مصر لا يتجاوز 300 ألف مهندس. تصوروا أن 300 ألف يمثلهم 8% فى الجمعية التأسيسية بينما أكثر من 35 مليون امرأة مصرية يمثلهن 6% فقط، لم ترتفع نسبة المهندسين لرغبة الإخوان فى بناء مصر، لكن لأن الهدف كان توزيع مقاعد الجمعية على كبار الإخوان ولذلك ستجد نقيب المهندسين وهو إخوانى، وستجد ايضا المهندس محمد على بشر وهو وكيل نقابة المهندسين السابق، لكنه اختير لانه عضو مكتب الارشاد، وهكذا بقية المهندسين من الكبار فى الإخوان والسلفيين. ما حدث مع المهندسين تكرر بشكل أكبر وأكثر فجاجة فى فئة الاطباء، فالاطباء بكل أنواعهم والصيادلة يمثلون 13% من اعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، ربما يتصور البعض لو راجع مهن أعضاء الجمعية أننا إزاء بناء مشروع مستشفى أو متوصف اسلامى، وليس لجنة لإعداد أعلى وأهم وثيقة. الدستور ابو القوانين. المثير أن عشرة من الاطباء والصيادلة ينتمون إلى الإخوان والسلفيين وحزب الحرية والعدالة، وهيمنة الاطباء والصيادلة على الجمعية التأسيسية لا يرجع بالطبع إلى تدهور الخدمات الصحية فى مصر، أو رغبة الإخوان فى النهوض بمستوى العلاج ومكافحة الامراض لدى المصريين، لكن السبب الاساسى والرئيسى فى هذه الفضيحة والسابقة الدستورية يرجع إلى رغبة الإخوان فى مكافأة قيادات بارزة بالحزب والجماعة بضمهم إلى الجمعية التأسيسية للدستور. الحقيقة أن هذه النسبة الاستثنائية تفضح أن الجماعة تعاملت مع الدستور كجزء من الكعكة السياسية التى يجب توزيعها على الكبار. نفس مفهموم تكويش الكبار والقيادات الذى ساد الحزب الوطنى المنحل والذى أدى فى النهاية إلى ثورة 25 يناير. جاء ثلاثة من فئة الاطباء بحكم انتمائهم السياسى والثورى. رئيس حزب الوفد الدكتور السيد بدوى (صيدلى) والدكتور محمد ابو الغاز رئيس الحزب المصرى الديمقراطى. والثورى الدكتور احمد حرارة. واختير نقيب الصيادلة المقرب من الإخوان. فما الداعى إذن لأن تضم القائمة خمسة اطباء من الإخوان وعلى رأسهم الدكتور عصام العريان والدكتور محمد البلتاجى والدكتور اسامة ياسين (استشارى اطفال) والدكتورطارق الدسوقى استاذ مساعد طب الاطفال، ومن الشورى واهتماما بالطفولة ضم الإخوان النائب محمد طلعت (طب اطفال) من الممكن أن تطلق الجمعية التأسيسية عيادة لعلاج الاطفال بجانب عملها الاصلى فى كتابة الدستور، وحتى لا تكون عيادة الدستور مكتملة وشاملة جميع التخصصات فقد رشح حزب النور النائب الدكتور يونس مخيون وهو من فئة الاطباء ولكنه طبيب اسنان. واذا كان فى اللجنة صيدلى واستاذ فى الصيدلة هو رئيس مجلس الشورى الدكتور احمد فهمى، فلماذا أصر الإخوان على ضم النواب الدكتور فريد اسماعيل وهو من بيت الصيادلة. بالمرة افتحوا صيدلية وممكن نطلق عليها اسم «صيدلية الدستور». لا يوجد هناك اجابة منطقية سوى رغبة الإخوان فى مكافأة قياداتهم فى كعكة الدستور. فقد كانت كليات الطب والصيدلة والنقابات الطبية معقلاً من معاقل جماعة الإخوان المسلمين، والإخوان تكرر منطق الحزب الوطنى المنحل. منطق المكافأة للكبار بغض النظر عن الكفاءة أو القواعد الموضوعية أو مصلحة الوطن وابنائه، المهم ابناء الجماعة الذين دفعوا الثمن، وآن أوان حصاد المكسب السياسى. لقد حرم الإخوان اكثر من ثلاثين عاما متصلة من المزايا، والمناصب، وبهذا الجوع يجب أن تلتهم الجماعة كل المناصب. ولذلك مثّل المهندسين والاطباء 21% من نسبة الجمعية التأسيسية. لاحظ أن الإخوان كجماعة لديها الكثير من الكوادر فى مجالات مختلفة، لكن المشكلة لم تكن نقص الكوارد، لكنها رغبة «التكويش» لدى الكبار. طابور القيادات طويل ومنتظر لحظة الحصاد لأكثر من ثلاثين عاما. ولذلك فإن الجمعية التأسيسية خلت فى سابقة دستورية عالمية من النشطاء الحقوقيين على جميع المستويات. فى العالم كله ثلاثة اجيال من حقوق الانسان. الحقوق الاساسية والحريات العامة. أما الجيل الثالث فيشمل حقوق البيئة وحماية المستهلك وحماية المنافسة. كل النشطاء فى هذه الحقوق غابوا عن الجمعية التأسيسية. فى قائمة المرشحين للجمعية أكبر الاسماء المحترمة فى مجال حقوق الانسان. محمد فائق مؤسس الجمعية العربية لحقوق الانسان،. منى ذو الفقار، حافظ ابو سعدة، ناصر امين وغيرهم كثيرون. فى ظل التمثيل المزدوج لنقابة المهندسين فقد تم تجاهل عشرات النقابات والاتحادات العامة والمستقلة. فالقضية لم تكن فقط قضية احتكار أغلبية كما يتصور البعض، لكنها وصلت إلى احتكار مجموعة محددة من الكبار فى السلفيين والإخوان لمقاعد الجمعية التأسيسية. قضية أشخاص وليست قضية تخصصات أو فئات أو تنوع خبرا