من حق حمدين صباحى أن يعتبر نفسه الأحق بمنصب الرئيس، ليس لأنه – كما يتصور الكثيرون – يتحرق شوقا للسلطة والنفوذ وأبهة المنصب، ولكن لأنه يرى فى نفسه القدرة والكفاءة لإدارة شئون البلاد، بعد عقود من الفساد والاستبداد، يمتلك رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه مصر، يأخذ من رحلة نضاله الطويلة مبررا لأن يحظى بفرصة لتنفيذ أفكاره وبرامجه التى يتحدث عنها كثيرا وبلا انقطاع، ثم إنه كان قاب قوسين أو أدنى من المنصب، لولا حديث الصفقات والتحالفات والغباءات السياسية أيضا.. ومن الطبيعى أن يظل حلم الرئاسة يراوده. ومن حق كل من يؤمن بحمدين صباحى أن يؤيده بكل حب وقناعة واعتقاد بأنه يستحق المساندة والدعم، فقد كان فى طليعة من وقفوا ضد نظامى مبارك ومرسى، وحتى لو كانت لديك ملاحظات على أدائه السياسى والشخصى، فإن هذا لا يمكن أن يقلل من دوره فى العمل الوطنى العام، والتاريخ طويل وموثق ولابد أن نحترمه جميعا.
ومن حقى أيضا أن أتداخل قليلا ولو برسالة أرجو أن ينصت لها حمدين صباحى، الذى يبدو أنه يعيش الآن أكثر فترات حياته توترا وترددا، فهو يعرف جيدا أنه لو نزل انتخابات الرئاسة فى مواجهة السيسى فلن يحقق نتيجة مرضية له، ولذلك فلا يجب أن يتورط فى معركة هزلية نتيجتها معروفة مسبقا.. وفى الوقت نفسه لا يريد أن يخون آمال وطموحات ملايين تقف وراءه – كثيرون منهم انصرفوا عنه بالطبع خلال الشهور الماضية لأسباب يعرفها هو جيدا.
لكن السؤال الذى لابد أن يجيب عليه صباحى هو وببساطة شديدة: ما الذى يريده بالضبط؟
هل يريد أن يخدم مصر بشرط أن يكون رئيسا؟ أم أنه يريد أن يخدم مصر بصرف النظر عن المكان الذى يكون فيه؟
فى زيارته للإمارات بعد ثورة يونيو كان أن جلس مع عدد من الشخصيات العربية النافذة، وهناك قالوا له: عليك أن تحدد ما تريده حتى نستطيع أن نساعدك، فهل تريد أن تصبح رئيسا لمصر؟ أم تفضل أن تكون قائدا للمعارضة فيها أيا كان النظام الذى سيصل إلى السلطة بعد الثورة؟
توقعت الشخصيات العربية أن يجيب حمدين ببساطة شديدة على السؤال، لكن المفاجأة أنه تردد ولم يحسم أمره، فوصل لهم أنه لا يزال لم يحسم أمره أو على الأقل لا يزال مترددا.
لم تجمعنى بحمدين صباحى لقاءات أو مناقشات كثيرة، ربما مرة واحدة وقف متضامنا معى فى نقابة الصحفيين فى قضية شيخ الأزهر، لكن هذا لا يجعلنى أتردد فى أن أهمس فى أذنه أن يفعلها وبقوة وبمنتهى الثقة، أن يرشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية القادمة، ألا يخذل من يقفون وراءه وإلى جواره ويرونه زعيما وبطلا وقائدا.. لابد أن يفعلها حتى لو كان على ثقة أنه لن يفوز بالمنصب.
يدخل المرشحون جميعا أى انتخابات وهم يراهنون على الفوز، لكن هناك نسبة خسارة موجودة طول الوقت، وأرجو ألا يتعجب حمدين إذا قلت له ادخل الانتخابات والعب على وصيف الرئيس، لأنك فى هذه الحالة سيتم تتويجك زعيما حقيقيا للمعارضة بعيدا عن الأحزاب الكرتونية والكيانات الهشة التى تبحث عن صفقات فى الخفاء.
المصريون فى الانتخابات القادمة لن يذهبوا إلى الصناديق لاختيار الظروف، فالأقدار وضعت فى طريقهم من قام بدور ولابد أن يكمله، لكنهم سيحددون وبدقة من سيكون قائدا للمعارضة، وأعتقد أنه لن يكون أهلا لها إلا رجل يحب مصر، ولا أحد يستطيع أن يزايد على حب حمدين لمصر.
من يعرفونك جيدا يثقون أنك أبدا لن تكون كومبارس.. ويبقى أن تعرف أنت ذلك، قاتل فى معركة اجعلها أنت حقيقية، ابدأ من جديد فى تأسيس معنى ناضج للمعارضة السياسية، تصبح فيها رمزا من حقه أن يقود الوطن فى مرحلة لاحقة، انزل إلى المحافظات فى جولة انتخابية تجذب بها الملايين لمشروعك، ويوم أن يتحقق هذا اعرف أنك على الطريق الصحيح.
نريد أن نكسبك زعيما حقيقيا للمعارضة.. ولا نريد أن نخسرك رئيسا.. تدخل انتخابات دون أن يكون لك هدف محدد فيها، وتخرج مثخنا بالجراح، لا تراهن على أن تكون الرئيس القادم، فالأحمال أثقل من أن تقدر عليها، دع من يدخل بالوطن إلى ساحة الاستقرار، وجهز نفسك لدور المعارض الأول لنظام يبدو أن هناك من يريده بلا معارضة، ساعتها ستعطى مصر ما لن يستطيع أحد أن يمنحها إياه.