من "تغريدة" على تويتر .. إلى "بوست" على الفيس .. ثم تدوينة لا تسمن و لا تغني من جوع في مذكراتها تتبعها فضفضة مع إحدى صديقاتها المقربات عبر المحمول . لن يجدي كل ذلك هذه المرة إنها تحتاج لشيء مختلف يخرج شيطان حبه الذي تلبس بها . طاقة سلبية حارقة مُختزنة بداخلها تبحث عن فوهة بركان تخرج منه قبل أن تخلفها رماد .. تنقب عن شيءٍ ما يحمل جسدها و يرتفع به فوق مستوى سطح الأرض عشرات الأمتار أو يزيد دون مقامةٍ منها .. ربما تكون أرجوحة تهدهدها كطفلة ؟ أو منطادٍ يطير بها في السماء لا لا لا !! فكلاهما سيعود بها إلى الأرض مرةً أخرى !!!
إنها تحتاج لقوة ذات إتجاه معاكس لقوة الجاذبية الأرضية تدفع بها رغماً عنها .. إعصار يقتلع جذورها الأرضية الواهية , يجتثُ خيمة حياتها المؤقته .. رياح تحملها ورقةَ توتٍ في يومٍ عاصف لتنتهي بها في وكر طيرٍ جارح ، أو وجبة غذاءٍ ثمينة ل دودة ..
و قد تجدً مبتغاها في عُرض محيطٍ بين أمواج تتلاطمها ثم تُرقدها جثةً هامدة ب قاعه في لحدٍ من الشُعب المرجانية ، أو تستقر في قبرٍ مائي هو بطن حوتٍ أو سمكة قرشٍ مفترسة .. المهم أن تذهب ل اللانهاية أو تصير إلى العدم ..
كيف لها كل هذا و هي حبيسة غرفتها ذات الجدران الأربعة ..
أزاحت وسادة طويلة كانت تدفن رأسها تحتها كما تدفن النعامة رأسها في الرمال ف راحت كل خصلة من شعرها تتخذ طريقاً عكس الأخرى مع آثارٍ من " الكُحل " الممتزج ب دموعها يرسم خريطة ل نيل أحزانها فبدت و كأنها لوحة بالقلم الرصاص ل" أُمنا الغولة ".
قامت تطوف أنحاء الغرفة تبحث عن هذه القوة المفقودة .. تحسست كل قطعة أثاث مثل كفيفٍ فقد بصره يبحث عن عصاه بينما هي ترى كل شيء تمتد يدها إليه .. إنما فقدت بصيرتها يوم اختارته حبيباً لها ..
الدولاب المرآة الكرسي الكومودينو الأباجورة الكاسيت آآآآآآآه الكاسيت .. شهقت شهقة طويلة تمنت لو كانت آخر أنفاسها و وضعت يدها على فمها و كادت تصيح كما صاح نيوتن : وجدتها وجدتها .. بينما إكتشف هو قانون الجاذبية الأرضية .. إكتشفت هي نظرية أخرى عكس قانون الجاذبية .. لقد وجدت ضالتها .. الموسيقى .. الرقص ..
إنها تحتاج لرقصة نعم رقصة !! فتحت درج " الكومودينو " و أخذت تقلب في ميراثٍ رومانسي عبارة شرائط كاسيت قديمة مبعثرة تخص والدها لعلها تجد نوعاً من الموسيقى التي تفي بغرضها .. بعضها كان ل " أم كلثوم " شريكة ذكريات حبها و اشتياقها له . أما الباقي ل " فيروز" ذات الصوت الرخيم و الراعي الرسمي لمرحلتي صباها و شبابها الحالمتين .. لا .. لن يطرب " مودها " لهذه الموسيقى .. إنها تريد نوعاً خاصاً صاخباً من الموسيقى .. ..
إنها لا تريد الرقص في حد ذاته و لا الموسيقى لمجرد السلطنة .. فقط ذبذباتٍ قوية تصطدم بجسدها ل ينتفض دون إرادةٍ منها و يبدأ في الإقلاع و التحليق .. لحظات يأسها و جنونها تحتاج ل " زار " يطرد عن روحها شيطان الحب الرجيم .. فليكن زاراً دون طبولٍ و لا نائحات .. ستنوح وحدها و ترقص وحدها كما اختارته وحدها ..
دقتان تطلقهما ساعة الحائط لتخبرها أن الساعة هي الثانية صباحاً و أن هذا الوقت المتأخر من الليل غير مناسب لأفكارها اللاعقلانية .. تمعن النظر في عقاربها .. إنها تخبرها شيئاً آخر ؟ .. عقرب الثواني يدور و تدور معه عيناها . يوحي لها ب رقصة من نوعٍ مختلف إن أمسكت به و دارت معه .. لو أنها تستطيع ل جمعت عقارب الساعة الثلاثة و تشبثت بها و في عكس إتجاهها س تدور و تدور لتعود ب عُمرها للخلف و من ثم تتخذ القرار الصائب ..
أسرعت نحو الباب و أدارت مفتاح غرفتها مرتين لتُحكم سجنها المشدد .. قدمان ترتعشان لا تكادان تحملانها تقودانها نحو سجادة حمراء مستديرة تتوسط الحجرة و بخطوات أشبه بخطوات راقصة باليه " باليرينا " بدأت في الدوران حولها و كأنها حفرة نار متأججة تنتظر من يلقي إليها حطباً لتظل مشتعلة .. ما خطب الدوائر معها اليوم ؟؟ وقفت في مركز الدائرة أو حفرة النار أو السجادة الحمراء المستديرة .. بسطت ذراعيها .. بدأت في الدوران حول نفسها من اليسار إلى اليمين عكس إتجاه دوران عقارب الساعة و عكس إتجاه شروق الشمس و عكس نفسها .. عكس كل ما يدور على الكرة الأرضية ..
بدأت تنورتها الواسعة المزركشة بألوان الطيف في الإستجابة لحركة البدن في إنسيابية و انسجامٍ غريبين . لم تعد تشعر بقدميها المرتعشتين .. في مشهدٍ رائع هو قمة المأساة تمتزج ألوان تنورتها بألوان إحباطاتها المتكررة و لفيفها أشبه ما يكون برقصة التنورة غير أن راقص التنورة يحترف رقصته و يعرف فلسفتها جيداً و يدرك أنها مستوحاة من طقس صوفي خالص يستلهم حركته من حركة دوران الأرض حول نفسها .. هذا اللفيف " حسب المعتقد الصوفي " يُدخل العابد في أجواء روحانية يختص بها وحده مع خالقه تطوقه بحالة من الصفاء النفسي ، و عندما يصل الراقص إلى مرحلة خلع تنوراته هو يتخلص من كل ما يربطه بالأرض و يبدأ بالإرتقاء و السمو الروحي ف يحيا مناجاة من نوعٍ خاص مع الله ..
تزداد سرعة لفيفها حول نفسها شيئاً ف شيئاً لتصل دون فلسفة لانتشاءٍ روحي لا تعرف له سبباً .. تشعر أنها تطير في الهواء .. تعرج للسماء .. ما سر حركة الدوران ؟؟ تدور و تدور حتى تسقط مغشياً عليها لدقائق و لأنها ليست محترفة لرقصة الكرة الأرضية هبطت هبوطاً إضطرارياً تستفيق بعده لتجد نفسها تقيأت كل ما في معدتها و تقيأت معه حباً أشقاها زمناً طويل ..