بين حي العتبة الشعبي وحي الحسين الأثري في وسط قاهرة المعز ممرات ضيقة لا يوجد بها حيز من فراغ يسمح لوضع قدم ..حيث الباعة في كل مكان وحركة البيع والشراء تشغل المكان بشكل ملفت فلا صوت يعلو على صوت الباعة والبضائع تنتشر في كل الأركان، والمحلات تتراص في تجاور غريب بنفس نوع البضاعة ورغم ذلك تجد الزحام هو بطل المشهد في المكانين ..وعندما يقطع المرء مسافة ضيقة متخطيا هذا الزحام ليدخل في ممرات أضيق إلى أن يصل بعد رحلة شاقة إلى منطقة مغلقة على نفسها يفاجأ في لحظة أن ليل المكان اصبح نهارا وكأن السماء تمطر ضوءا، هنا يعرف انه أصبح في حي البرابرة أشهر أحياء المنطقة وأكثرها خصوصية حيث يتميز بالتخصص حيث تجد حياً كاملاً لا يبيع سوي النجف بكل أشكاله، لا يمكن أن يخطر في بالك شيئا يخص النجف ولا تجده في حي البرابرة، لا يمكن أن تخرج منه إلا وأن تحمل كثيراً من النجف أو يحمله صبيان المحلات ويقطعون الممرات الضيقة ليصلوا إلي كراج العتبة حيث تقف السيارات التي يصعب عليها دخول المكان، حي البرابرة اختلفت الآراء والأقاويل حول مصدر اسمه فهناك من ينسبه إلى مجموعة من البربر سكنوا المكان ثم اتسع وبدأ يطلق عليه الاسم من خلالهم وبعض آخر يعود بالذاكرة لتاريخ أقدم وآخر يؤكد أن الاسم لا علاقة له بالبرابرة ..وهكذا تختلف الأقاويل ويظل المكان حاضرا وبقوة في حياة المواطن المصري الذي لا يشغل نفسه بمثل هذه الأسئلة، المهم أن يجد ما يبحث عنه وبأقل الأسعار!. المشهد يبدو مثيراً عندما تجد الأضواء منتشرة في السماء بأشكال مختلفة ومتنوعة من النجف بكل هيئاته، والتقطت كاميرا الرياض صوراً للمشهد وفي لقاء مع بعض الباعة قال هشام أبو الخير : أعمل في هذا المكان منذ أكثر من 15عاما وأتخصص في النجف الكلاسيكي الذي يعتمد على الكريستال ورغم ما يشاع أن هذه النوعية لم يعد يقبل عليه كثيرون إلا أني أؤكد أن هذا النوع من النجف ما يزال له زبائنه خاصة الذين يحرصون على الأثاث الكلاسيكي باعتبار أن النجف من أهم تفاصيل بيت الزوجية وقيمة العريس تتحدد حسب نوعية وهيئة النجف الذي يختاره لعروسه. وينتشر على جناب درب البرابرة أكثر من 1000محل متخصص يقبع بداخلها عشرات الصناع المهرة يعملون في تركيب (الشاسيهات الخاصة بالنجف) بأنواع الكريستال المختلفة التي يتم تصنيفها في ورش أو مصانع صغيرة، في حين يتردد على السوق المئات من المشترين يوميا بحثا عما يريدونه من نجف لما يتميز به من جودة ورخص الثمن حيث يباع النجف فيه بأسعار الجملة ويأتي أصحاب الجاليريهات الكبرى في المناطق الراقية ليشترون كميات عديدة ويبيعونها بأضعاف أسعارها وعندما فطن المواطن البسيط لهذه الفكرة بدأ يرتاد الدرب بحثا عما يريده مما جعل أصحاب المعارض الخارجية يقللون في أسعارهم في محاولة لجذب المشتري مرة أخرى. الحاج سعيد المصري يقول : هناك نوع من الزبائن يعشق النجف الغريب الذي يمكن صناعته من تفاصيل بعيدة عن المعتاد فمثلا يأتي زبون ويطلب مني أن أصمم له نجفة من ميزان حديدي أو ماسورة مياه أو علب صفيح وهي أشكال لا تخطر في بال من يراها قبل صناعتها لكن مهارة العمال وصانعي النجف تحول هذه الأشياء إلى تحف نادرة . لذا فأهم ما يميز هذه السوق أنه ابرز أماكن صناعة وتجارة النجف في مصر فيقصدها نجوم المجتمع وأبناء الطبقة الراقية الراغبون في تزيين منازلهم بالتحف الثمينة إضافة إلى تجارة لوازم الأفراح من الشموع وتيجان العرائس وبوكيهات الورد وأدوات الزينة وعلب الحلويات التي يتفنن في صناعتها أبناء الحي جيلا بعد جيل .ويشير علي ابن الحاج سعيد إلى فكرة زيارات العروس لحي البرابرة قائلا : أشهر زبائن المكان هم العرائس في وقت تأثيث منزل الزوجية ويكون النجف هو آخر هذه اللوازم لكنهم يأتون في البداية لحجز القطع المختارة ويأتون بعد ذلك لحملها حتى لا تنكسر أو تتأثر بحركة العمل في إعداد منزل الزوجية. ويرجع تاريخ سوق درب البرابرة إلى أكثر من 100عام مضت واكتسب شهرة واسعة في مجالاته السابقة حتى منتصف السبعينات حيث بدأت تجارة النجف تغزوه حتى راجت وبدت سوقا رئيسيا لها. وعن أصل تسميته يقول الحاج سعيد: تضاربت الأقوال حول تسميته، رواية تقول انه نسبة إلى قبائل البربر ساكنى شمال إفريقيا والمغرب العربي والتي جاءت مع جوهر الصقلي إلى مصر أثناء الفتح في عهد الفاطميين ورواية أخرى تقول إن جماعة من البربر جاءت إلى القاهرة للعمل كخدم وسفرجية لدى الباشوات أثناء حكم محمد علي باشا الكبير في بداية القرن 19وكان المطار قريبا من القصور الرئيسية لحكام مصر ونظرا لتعايشهم في شكل مجتمع صغير لهم كانت إقامتهم في درب البرابرة والذي اخذ الاسم منهم