"لاتهدموا الشرطة.. من غيرها مش هنعرف نعيش.. لازم نساعد الأمن".. كلها نداءات كانت تتبناها بعض القوى السياسية والناس العادية "حزب الكنبة"، وكذلك بعض الإعلاميين والعقلاء الذين أثبتت التجربة أنهم لايمتون للعقل بصلة.
لكن الوزارة المكروهة التى تحتل وسط القاهرة نجحت بامتياز مع مرتبة الشرف أن تثبت أن هؤلاء جميعا لم يكونوا على حق، جعلتهم يندمون على تصوراتهم السابقة بأن الشرطة تحميهم، كان المشهد صادما لهم.. قاسيا.. أبكاهم جميعا.. وأصبح لهؤلاء ثأر عند الداخلية. عندما شاهدنا جميعا وعلى الهواء مباشرة عبر شاشات الفضائيات مشهد سحل وتعرية وضرب حمادة الصابر تأكدنا أن شريعة الأمن لن تتغير، لدرجة جعلت البعض يقول الحمد لله أن المجندين الذين توفوا فى حادث القطار منعهم القدر من مواصلة المشوار إلى معسكرات الأمن المركزى فقد كانوا مشاريع وحوش واختارهم الرب ليكونوا عنده ورحمهم من ذلك المصير التعيس.
شريعة الأمن لا تتغير والفارق الوحيد هو العلانية والتبجح والجبروت، قبل الثورة كان الأمن شرسا كالعادة ولكنه كان يفعل مايفعل داخل الغرف المغلقة، فكان يتم خطف النشطاء من المظاهرات وتعذيبهم فى أقرب قسم أو داخل غرف مباحث أمن الدولة المظلمة، ثم اعتقالهم أو تركهم ليكونوا عبرة لغيرهم، وكان هذا فى عهد الرئيس المخلوع "مبارك"، ولكن فى عهد الرئيس الإخوانى "محمد مرسى "أصبح الأمن يمارس قسوته فى العلن ولما لا.. وقد أعطاهم الرئيس وجماعته الضوء الأخضر، وكان هذا واضحا فى بيان الرئاسة الذى سبق موقعة الاتحادية الثانية.
الداخلية خادمة لأى نظام وأى حاكم.. فلو حدث واحتلت مصر فسوف نرى الداخلية تساند هذا الاحتلال وتعاونه على القضاء على الشعب، فهم دائما عصا النظام الغليظة. هم أسياد الشعب تربوا على ذلك، يسبون الأمهات وعندما يرفض مواطن سب أمه، فيكون عقابه التعذيب حتى الموت، ولكن فى الحقيقة عندما ظهر بعض النشطاء المفقودين فى المستشفيات وهم شهداء الآن، فقد تذكرت الناشط "وائل غنيم" عندما اعتقلته أمن الدولة عشية جمعة الغضب وظهر بعد أسبوع تقريبا وكان سليم تماما لم يكن به خدش.
والآن فى ظل حكم الرئيس الذى يصلى يخرج النشطاء من الاعتقال جثة هامدة "ده إذا خرجوا" فلماذا إذن تغضب الداخلية عندما يهاجم المواطنون أقسامها، فما حدث أثناء ثورة يناير الأولى عندما هاجم المواطنون فى جمعة الغضب 28 يناير أقسام الشرطة لم يكن سوى رد فعل من الناس تجاه جلاديهم.
أقول المواطنين ولا أقول الإخوان لأن انكسار شوكة الداخلية وهيبتها والعلقة الساخنة التى جعلت قيادتها يهرولون فى الشوارع متخفين خشية ورعبا من انتقام الناس شرفا لا يستحقه الإخوان، وفى جمعة الغضب لم يكن الإخوان قد شاركوا فى الثورة بعد، فقد ظهروا يوم 29 يناير يوم فتح السجون. هاجم المواطنون الأقسام التى طالما ذاقوا منها القهر والذل، والدليل على ذلك أن كل الأقسام التى أحرقت كانت فى المناطق الشعبية وهى المناطق التى تحتوى أقسامها على أكبر وقائع تعذيب وتنكيل بالمواطنين فلم نسمع مثلا عن مهاجمة وحرق أقسام قصر النيل والمعادى ومصر الجديدة، وفى نفس الوقت تم إحراق أقسام مصر القديمة والسيدة والعمرانية على سبيل المثال، لأن الشرطة فى المناطق القفيرة تكون أكثر شراسة وعنفا من المناطق الغنية، وهو ما يلخص فكرة الهجوم على الأقسام ويؤكد أن المواطنين المقهورين هم من قاموا بمهاجمة الأقسام انتقاما من بطش ضباطها ومخبريها وأمناء الشرطة بها وأحرق 99 قسما.
فى هذا اليوم انهارت الداخلية فى جمعة الغضب بفعل تصرفاتها وجبروتها ولم يكن للإخوان دور فى ذلك بل إنهم كانوا فى مقاعد المتفرجين حتى ذلك الوقت ينتظرون النتيجة، وعندما تأكدوا أن المصريين فرضوا حظر التجول على الداخلية وانتصروا عليها ظهروا فى اليوم التالى وحدث اقتحام السجون وتهريب المساجين، ولم تتعلم الداخلية ولم يتعظ الإخوان.
اليوم أصبحت الداخلية تمثل ميليشيات الإخوان بالزى الرسمى، فالميليشيات التى لاترتدى الزى الرسمى كانت بطلة موقعة الاتحادية الأولى قتلت وعذبت وسحلت المتظاهرين، والداخلية هى بطلة موقعة الاتحادية الثانية وفعلت نفس الشىء.
ولكن هذه المرة حدثت "الفضيحة" عندما التقطت الكاميرات مشهد تعذيب "حمادة صابر" وهو عارٍ واكتملت الفضيحة عندما اجبروا الرجل على الكذب وهددوه بتلفيق تهم ممارسة الدعارة لزوجته وبناته فخرج يقول إن الشرطة عظيمة والمتظاهرين أشرار وسبب نكبته، ثم عدل عن ذلك وقال الحقيقة.
انهارت وزارة الداخلية الآن بيدها.. انتحرت باختيارها تحولت معسكرات الأمن المركزى إلى سلخانات لتعذيب المواطنين، بل إن الداخلية أصبحت أسوأ مما كانت عليه فى عهد مبارك، وأصبح وزيرها سفاحًا وضباطها قتلة.. أى أمان مع هؤلاء؟
فقد أصبح الأمان الآن فى اختفائهم، لأنهم ببساطة داخلية الإخوان فقط والإخوان لا أمان ولا عهد لهم، خدامهم بعد أن كانوا لعهود طويلة أعداءهم وهو ما يجعلنى أقول إن الوزارة الأكثر كرها فى حياة المصريين تنتظر الخلاص الذى يبعد عنهم بعد السماء ولن ترضى عليهم السماء طالما ظلوا خدامًا للبلاط الإخوانى.