وجد فريق معارض نفسه مكان الفريق الحاكم فجأة , واذ به يتعامل بنفس سياسة الفريق الحاكم الذى حكم من قبله بسياسة استبدادية وقمعية ومركزية وعدم وضع أهداف وطنية يلتف حولها الجميع. وبعيدا عن الأهداف الوطنية التى تاهت فى "المفاجأة" للفريق الحاكم الذى كان معارضا – وذاق الأمرين – فان السياسات قصيرة الأجل تعبر عن كوارث طويلة الأجل للمحكومين فى هذا المجتمع "المصري".
فبعد ان حرًمت جماعة الإخوان المسلمين – ومشتقاتها – قرض صندوق النقد الدولي التى كانت تسعى اليه حكومة الدكتور عصام شرف, من خلال الضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالرفض , ثم رفض نفس القرض من نفس الصندوق فى حكومة الدكتور كمال الجنزوري من خلال مجلس الشعب باعتباره قرض ربوي "حرام" وقت سيطرة الإسلاميين على البرلمان . وبينما قامت نسبة كبيرة من أصوات الناخبين بالتصويت لجماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي فى انتخابات الرئاسة الأولى فى مصر ممثلة فى الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر , من خلال الرفض السابق لقرض الصندوق ,بحجة إعادة هيكلة موارد الدولة واستغلالها على اكمل وجه بما يجعلنا نستغني تماما عن الاقتراض الخارجي. اذ فجأة نفاجئ بحكومة الإخوان المسلمين – الدكتور هشام قنديل – يعلن عن سعي مصر للحصول على قرض الصندوق , بل ورفع القيمة المطلوبة من 3,2 مليار دولار ل4,8 مليار دولار . وأصوات تعلو بان الفائدة على القرض ليست ربا, ولا توجد شروط للصندوق لمنح مصر قرضا بهذا المبلغ "وكأنه جمعية خيرية". وصندوق النقد الدولي ,مؤسسة متخصصة تابعة للأمم المتحدة, تقوم بالإشراف على نظام النقد الدولي وأسعار صرف العملات والمحافظة على قيمتها , فضلا عن تشجيع الدول على الالتزام بسياسات اقتصادية لتصحيح الاختلالات فى موازين المدفوعات ومنع وقوع أزمات مالية فيها.
واذا كان من ينادون اليوم بقبول القرض من الصندوق يطالبون ب4,8 مليار دولار بما يعادل 300% من حصة مصر فى الصندوق التى حصلت على عضويته عام 1945 . لسد جزء من عجز الموازنة. فلماذا لا يطالبون باقتراض 11 مليار دولار من الصندوق بما يعادل 700% من حصة مصر ,لسد عجز الموازنة بأكمله الذى ارتفع ل11 مليار دولار؟ طالما ان الصندوق يمنح الإخوان المسلمين بدون شروط وبدون فوائد ربوية . ووقتها مصر ستسد عجز الموازنة تماما داخليا وخارجيا ,واى قروضا ومنح خارجية اخرى ستدخل فى نطاق مشروع اقتصادي قومي ..او مشروع النهضة...المزعوم.
ولكن ..طالما ان من شروط الصندوق تحرير سعر الصرف فى البلاد التى يمنحها القروض ..فلن يسمح اذن بالحصول على القرض لضخ جزء منه فى السوق للحفاظ على قيمة الجنيه..والذى يواجه ضغوطا عديدة.
الجنيه المصري انخفض الجنيه المصري امام الدولار ليبلغ 6,1 جنيه للدولار الواحد, ويواجه ضغوطا كبيرة بحكم زيادة الطلب عليه من المستوردين بالقطاع الخاص والحكومي ايضا ..مع الاخذ فى الاعتبار انخفاض الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي والمسئول عن تسديد احتياجات مصر من النقد الأجنبي للحكومة لاستيراد الأغذية والمواد البترولية ب"الدولار". واذا اعتبرنا ان الحصول على القرض سيساهم فى وقف نزيف الاحتياطي النقدي فى البنك المركزي ..فانه من المؤكد ان قيمة الجنيه ستتحرك باتجاه الهبوط امام سلة العملات...ما يرفع قيمة الواردات من الأغذية والمواد البترولية..الأمر الذى يرفع من قيمة السلع الغذائية والبترولية مستقبلا.. لان وقتها سيحافظ البنك المركزي على الاحتياطي لديه وفقط..ويتخلى عن سياسته التى اتبعها منذ الشرارة الأولى للثورة المصرية للحفاظ على قيمة الجنيه المصري..ونجح بالفعل ..وانخفض بنسبة 5% فقط امام الدولار بعد ان كان ب 5,6 جنيه وصل الى 6,1 جنيه. فلا يصح ان يمنح صندوق النقد الدولي قرضا لبلد من اجل ضخ هذا القرض فى السوق للمحافظة على قيمة العملة.
فائدة القرض تمثل فائدة القرض التى تتفاوض عليه الحكومة حاليا مع صندوق النقد نسبة قليلة مقارنة بالنسبة التى تحصل عليها الحكومة من البنوك المحلية , ولكن اذا كانت الفائدة على القرض 1% تقريبا وقيمة الجنيه المصري ب6,1 جنيه ..فماذا لو انخفضت قيمة الجنيه أمام الدولار ليبلغ 7 جنيهات..وهو المتوقع بعد تعويم الجنيه..بعد الحصول على القرض. ويدعى البعض ان الحصول على الدولارات من الصندوق سيحافظ على قيمة الجنيه من الانخفاض امام الدولار..وهذا الرأي تم صياغته رغم عدم معرفة أولوية الحكومة فى استخدام القرض..وعدم الشفافية فى الكشف عن شروط الصندوق. حيث ان القرض سيمنح على مراحل..اذا نجحت الحكومة فى المرحلة الاولى..سيتم منح الجزء الثاني..يليه الجزء الثالث فى مرحلة لاحقة..ما يوضح ان الجزء الاول سيتم ضخه – بحسب الحكومة – فى شراء الاحتياجات الأساسية من السلع الغذائية والبترولية فضلا عن ضخ جزء اخر فى مرتبات موظفين الحكومة "ربع الموازنة للمرتبات". ومن هنا يتم ترك الجنيه "تعويمه" امام سلة العملات الأخرى ليصل بحسب تقارير أجنبية لأكثر من 7 جنيهات...ووقتها ستصل الفائدة على قرض صندوق النقد الدولي الى اكثر من 15% تقريبا..لان الفائدة على القرض متغيرة وليست ثابتة...فهل وقتها سيصمم الإسلاميون على ان فوائد قرض الصندوق حلال؟