تشكيل المجلس الرئاسي للحزب المصري الديمقراطي برئاسة فريد زهران    مواعيد غلق وفتح المحلات بالتوقيت الشتوي 2024    طرح شقق إسكان جديدة في العاشر من رمضان.. موقع ومساحات مميزة    الأسلحة «الفاسدة» فى انتخابات أمريكا!    أستاذة قانون دولي: اعتداء إسرائيل على قوات «اليونيفيل» في لبنان جريمة حرب    الأمم المتحدة: مخاطر شديدة تواجه الأطفال اللاجئين في إثيوبيا    باتريس موتسيبي يعلن ترشحه لرئاسة كاف    دِفاع غريب.. ياسمين عز تدعم شيكابالا بعد إهدار ضربة جزاء في السوبر    تين هاج: لم ألاحظ ما فعله أنتوني    الصغرى في القاهرة 18 درجة.,. الأرصاد تحذر من منخفض علوى يضرب البلاد    انقلاب سيارة نقل على كورنيش النيل في التبين بدون إصابات    حفاوة كبيرة بندوة محمود حميدة في مهرجان الجونة بعد تكريمه | صور    «الجنائية الدولية» تستبدل قاضيًا يدرس طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو    إسعاد يونس تكشف مفاجآت لأول مرة عن «تيتا زوزو».. ماذا قالت بشأن دور حفيدتها؟    استولوا على 10 ملايين جنيه.. غدا أولى جلسات محاكمة 17 متهما في قضية فساد «الجمارك الكبرى» الجديدة    الفنان أحمد عصام يستقبل عزاء والدته في مسجد المشير.. الأحد    غدا.. قصور الثقافة تطلق المرحلة الثالثة لورشة اعتماد المخرجين الجدد    «الصحة» تنظم جلسة حوارية حول «حماية أنظمة الرعاية الصحية ضد التهديدات السيبرانية»    وفد من معهد الدراسات الدبلوماسية يزور بروكسل    أبرز أحكام الأسبوع| تأجيل محاكمة أحمد فتوح والحبس 3 سنوات للمتهمين في واقعة سحر مؤمن زكريا    المؤتمر العالمي للسكان .. جلسة حوارية بعنوان «رأس المال البشري وصحة السكان»    مشكلة خفية تسبب الإصابة بالنوبة القلبية- احذر الأعراض    مضاعفات نقص المغنسيوم في الجسم.. تعرف عليها    خبراء الضرائب: الاتفاقية الدولية لمكافحة التآكل الضريبي تتيح لمصر 5 مليارات دولار سنويا    وزير الأوقاف والمفتي ومحافظ السويس يشهدون احتفال المحافظة بالعيد القومي    المفتي ووزير الأوقاف يقدمان التهنئة لأبناء السويس في العيد القومي    في عيدها ال57.. قائد القوات البحرية: إغراق المدمرة إيلات أحد أعظم الانتصارات المصرية    أم إبراهيم.. 5 سنين بتأكل زوار إبراهيم الدسوقي بكفر الشيخ: كله لوجه الله    الكشف على 327 مواطنًا في قافلة طبية مجانية بعزبة الأقباط بمنوف    هيئة الدواء المصرية تصدر قرارا بضبط وتحريز كريم مشهور لعلاج الحروق    مواقيت الصلاة .. اعرف موعد صلاة الجمعة والصلوات الخمس في جميع المحافظات    خطيب المسجد الحرام: شعائر الدين كلها موصوفة بالاعتدال والوسطية    هل يحاسب الرجل على تقصير أهل بيته في العبادة؟.. رأي الشرع    بدء المؤتمر العام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي.. صور    بعد انخفاضه.. ماذا حدث لسعر الذهب اليوم في مصر بمنتصف التعاملات؟    إيد واحدة.. حملات للتحالف الوطني لطرق أبواب الأسر الأولى بالرعاية بالبحيرة.. وجبات ساخنة للفئات الأكثر احتياجا ودفع مصاريف المدارس للأيتام    افتتاح مسجد الرحمن بمنطقة "ابن بيتك" شرق النيل ببني سويف    سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد مخر السيل وبحيرات التجميع استعدادا لموسم الأمطار    الإثنين.. مجلس الشيوخ يناقش مد العمل بقانون إنهاء المنازعات الضريبية    وزير الري: إعداد خطة عاجلة لضمان مرور الموسم الشتوي بدون أزمات    صحة غزة تعلن مقتل 38 شخصا في قصف إسرائيلي على خان يونس    أسعار البيض المستورد في منافذ وزارة التموين.. ضخ 10 آلاف طبق أسبوعيا    «غادرت دون أن أودعها».. راغب علامة ينعى شقيقته برسالة مؤثرة: «صديقتي وابنتي وأمي»    ضبط 11 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    جمال رائف: مصر حققت إنجازا سياسيا ودبلوماسيا كبيرا بالانضمام ل«بريكس»    خبير: المواطن الأمريكي يشتكي لأول مرة من ارتفاع تكاليف المعيشة    خلال 24 ساعة.. تحرير 617 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    الدورة ال32 لمهرجان الموسيقى العربية بوابة رسائل ودعم النجوم لفلسطين ولبنان    القبض على عصابة تزوير المحررات الرسمية بالبحيرة    هنري: مبابي لا يقدم الأداء المطلوب مع ريال مدريد    إعادة محاكمة متهم بأحداث عنف الزيتون| غدا    غدا.. النادي المصري يعقد عموميته العادية    ميدو: شيكابالا قائد بمعنى الكلمة..ولم يسعى لأخذ اللقطة    مريم الخشت تعلق على أول ظهور لها مع زوجها بمهرجان الجونة بعد زفافهما    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»: مد فترة التصالح في مخالفات البناء.. مفاجأة بشأن إهدار شيكابالا ركلة الترجيح أمام الأهلي    سوليفان: واشنطن لا تسعى لتغيير النظام في طهران    كولر أم محمد رمضان ؟.. رضا عبد العال يكشف سر فوز الأهلي بالسوبر المصري    إمام عاشور وسط أفراح السوبر: أنا نيجيري مش مصري!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«خربشات» الجرافيتى..الثورة تحتضن الحوائط!
نشر في الفجر يوم 03 - 10 - 2012


عصام زكريا
حكومة الإخوان أزالت الرسوم التى تنتقد المجلس العسكرى فاستبدلها الثوار برسومات تنتقد الإخوان!
فى الأفلام الوطنية القديمة دائما ما يتسلل رجال المقاومة ليلا وهم يتلفتون حول أنفسهم خشية أن يراهم جنود الاحتلال والسلطة، ويقومون بلصق منشوراتهم أو كتابة شعاراتهم المناهضة للاستعمار أو الحكومة على الحوائط، حتى يطالعها الناس فى الصباح الباكر قبل أن تقوم السلطات بإزالتها، ليقوم الثوار بكتابتها مرة أخرى فى اليوم التالى.
فن الجرافيتى الذى ازدهر فى مصر مع قيام الثورة بدأ بنفس الطريقة.
لا! فى الحقيقة لم يبدأ كذلك.
سيقولون لك إن المصريين القدامى اخترعوا الجرافيتى كما اخترعوا كل شىء آخر تقريبا. صدقهم، فهذا صحيح تماما، وبالاضافة للرسم والحفر الكلاسيكى والرسمى على جدران المعابد والمقابر، فقد عثر الباحثون أيضا على بعض رسوم الجرافيتى الساخرة من الحكام والملوك، فى أسلوب أقرب لفن الكاريكاتير الحديث!
فى كتابة «جرافيتى مصر الفرعونية – مجال وأدوار الكتابات غير الرسمية من عام 3105 إلى 332 قبل الميلاد» ( دار نشر بريل 2001) يكتب ألكسندر جيه. بيدن فى السطر الأول من مقدمته:
«توصف مصر عن حق بأنها» أرض الجرافيتى»!
وعلى مدار نحو 400 صفحة يثبت الكاتب صحة المقولة من خلال رصد آلاف الكتابات على آلاف الحوائط التى بقيت من عصر الفراعنة، والتى تبين كما يقول إنه لا يوجد بلد ولا حضارة أخرى اهتمت بالرسم والكتابة على الجدران مثل الحضارة الفرعونية.
.. ولكن مصر الحالية ابتعدت سنين ضوئية عن حضارة وفن الفراعنة، كما لو أن هناك عقلاً جبارًا يخطط لطمس كل ما بناه الأجداد، وبعد أن كانت تختال بجمال أبنيتها وجدرانها وفنونها الجميلة أصبحت غارقة تحت أكوام من العشوائيات والقمامة والجدران المتربة القبيحة.
...فقط، حين انطلقت ثورة يناير التى حلمت بإعادة التوازن إلى البلد المضروب بالفساد والقبح، اكتشف المصريون مجددا روعة الرسم على الحوائط، وروعة أن تسير فى شوارع مزينة حوائطها بالرسومات الجميلة.
فى الأسبوع الماضى احتفل فنانو الثورة وأنصارها بصدور الطبعة الورقية من كتاب «سير الحوائط»، أو «الجدران تهتف – جرافيتى الثورة المصرية»، وهو كتاب ضخم يقع فى نحو 700 صفحة، يتضمن توثيقا بصريا لمسيرة فن الرسم على الجدران منذ يناير 2011 إلى منتصف 2012، أو بالتحديد ما نجح مصورو الفوتوغرافيا فى تسجيله قبل أن تتم إزالته على أيدى خدم مبارك، ثم خدم المجلس العسكرى ووزارة الداخلية، ثم خدم الإخوان المسلمين مؤخرا.
فى الأسبوع الماضى أيضا، وقبل يومين من الاحتفال بصدور الكتاب فى مكتبة «دار الشروق» بميدان طلعت حرب، كان هناك من يتسللون تحت جنح الظلام حاملين الفرشات والألوان، وهم يتلفتون حول أنفسهم خائفين، لا ليرسموا هذه المرة، ولكن ليطمسوا بالطلاء الأصفر البارد عشرات الرسومات التى كانت تزين مئات الأمتار من جدران شارع محمد محمود، الذى يحمل الآن اسم «عيون الحرية».. حاملو الطلاء كانوا من عمال البلدية التابعة لمحافظة القاهرة، بناء على طلب من وزارة الداخلية كما علمنا، وبمباركة من الحكومة السعيدة التى تسعى لطمس الذاكرة الوطنية وإحلال ذاكرة إخوانية محلها، تزعم أن الإخوان هم من صنعوا الثورة، وهم شهداؤها الوحيدون، كما زعم ببجاحة منقطعة النظير رجلهم خيرت الشاطر فى حوار له مع قناتهم الإخوانية التى تحمل اسم «25 يناير»!
رد الفعل على هذه الفعلة الحمقاء كان هائلا. لقد اختاروا الشارع الخطأ والرسومات الخطأ، ولو أنهم قاموا بمحو أى رسومات أخرى من التى تملأ الشوارع الأخرى لما أثار الأمر هذا الغضب والتحرك السريع الذى تمثل فى توافد عشرات الفنانين والناشطين إلى الشارع ليعيدوا رسم الحوائط بلوحات وكتابات جديدة خلال ساعات محدودة، وبعد أن كانت معظم الرسومات الموجودة تهاجم المجلس العسكرى والفلول ركزت الرسومات الجديدة على انتقاد مرسى والمرشد والإخوان الذين جرتهم حساباتهم الخاطئة إلى غلطة جديدة، فقد أرسلوا بعض شبابهم إلى الشارع صبيحة اليوم التالى ليمحوا الكتابات التى تهاجمهم ويرسموا شعار حزبهم على الجدران، ورد الفعل هذه المرة كان أكبر، فالعشرات تحولوا إلى مئات، ولم يكد ينتهى اليوم حتى تحوّلت حوائط شارع محمد محمود بالكامل إلى جدارية عملاقة للثورة.. وهنا عاد الإخوان إلى أسلوبهم المعتاد فى الاعتذار والادعاء بأنهم ليسوا مسئولين عما حدث، بل وصدر بيان من الرئاسة وتصريح من رئيس الوزراء بأن محو الرسومات كان خطأ جسيمًا!.. على أى حال لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها محو جرافيتى شارع محمد محمود، ولن تكون الأخيرة، فقد سبق محوها بالكامل فى ظل حكم المجلس العسكرى فى 21 مايو الماضى، قبيل الانتخابات الرئاسية مباشرة، وكانت النتيجة مماثلة تماما، فقد أعاد الفنانون رسم الجدران بلوحات أكبر وأجمل وأكثر ثورية.
...الصراع على «محمد محمود» بين النظام والثوار أمر له دلالة كبيرة، فهو الشارع الذى شهد سقوط أكبر عدد من الشهداء والضحايا فى تاريخ الثورة، منذ المذبحة التى ارتكبتها وزارة الداخلية نهار 29 يناير عندما جرت المحاولات الأولى لاقتحام الوزارة نتيجة الاستفزاز وإطلاق النار العشوائى من فوق أسطح الوزارة على المعتصمين فى الميدان.. وحتى أحداث «محمد محمود» فى نوفمبر 2011 والتى استمرت لمدة أسبوع كامل قامت فيه قوات الشرطة والجيش متحدة بشن «حرب إبادة جماعية للمتظاهرين» – حسب وصف مركز النديم لحقوق الإنسان– وبالاضافة لعدد الشهداء الذى وصل إلى أكبر رقم منذ الأيام الأولى للثورة، فقد شهدت الأحداث ما يعرف ب«صيد العيون»، أى اطلاق رصاصات الخرطوش نحو وجوه المتظاهرين مما نتج عنه فقدان العشرات لعيونهم، مثل أحمد حرارة ومالك مصطفى وأحمد عبد الفتاح وغيرهم.. شارع محمد محمود يمتاز أيضا بوجود أسوار حجرية طويلة ومرتفعة تحيط أكثر من مبنى به، أشهرها سور الجامعة الأمريكية، وبعض المدارس والمبانى الأخرى التى تصلح لرسم اللوحات الكبيرة المتجاورة، وطبعا موقعه فى قلب ميدان التحرير جعل منه مزارا دائما للثوار والمواطنين الذين يأتى بعضهم خصيصا لمشاهدة رسوم الجرافيتى...وبالنسبة لشعب لا يعرف معظمه ثقافة الذهاب إلى المتاحف والمعارض للاستمتاع بالفن التشكيلى، فإن من فضائل الثورة علينا استعادة المصريين لإيمانهم بالفن كوسيلة للتعبير والتغيير، ولعل هذا تحديدا هو ما يثير انزعاج وحيرة القوى الرجعية التى تكره الفن بقدر كرهها للجمال والثورة!
ولمن لا يعلم، فكلمة “جرافيتى» إيطالية الأصل، تعنى “الخربشة” على سطح جدار أو فخار أو خشب، وقد استخدمت لوصف أسلوب من الرسم على الحوائط القديمة فى الحضارات الرومانية واليونانية، ولكنها اكتسبت معناها الحديث على يد الفنان الانجليزى «بانكسى» فى الستينيات من القرن الماضى، ثم انتقلت إلى أمريكا لوصف نوع من فنون المهمشين الذين وجدوا فى جدران الشوارع وسيلتهم الوحيدة للتعبير والتواصل، ومنها إلى فرنسا نهاية الستينيات وزمن ثورة الطلبة، وتاريخ الجرافيتى يحمل دائما هذه العلاقة الوطيدة بين الفن والتمرد، وبين الفنان والشارع، أو على حد تعبير عمر مصطفى أحد الفنانين المشاركين فى كتاب «الجدران تهتف»:
«لا أعرف إذا كنت ثائرا لأننى فنان شوارع، أم أننى فنان شوارع لأننى ثائر»!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.