إنها الفوضى الأمنية العارمة التي هدد بها بعض أطراف النظام السوري اللبنانيين والتي لا تعرف حدودا ولا محرمات ولا خطوطا حمراء أو صفراء. ظاهر الأمور أن موجة الخطف التي اجتاحت ضواحي بيروت وبعض طرق الجبل ارتبطت بخطف مواطن لبناني من عشيرة آل المقداد في دمشق يدعى حسان المقداد على أساس أنه مسؤول في حزب الله، ثم جاءت غارة طائرات النظام على بلدة اعزاز السورية حيث يتواجد اللبنانيون الاحد عشر المخطوفون لدى المعارضة السورية وما رافقها من معلومات وافتراضات حول مصيرهم، لتؤجج خواطر ذويهم في لبنان.
ما دفع بالجناح العسكري لآل المقداد مدعوما من الاجنحة العسكرية لعشائر منطقة بعلبك الهرمل من آل جعفر وزعيتر الى ممارسة الخطف على الهوية السياسية للسوريين الهاربين من بطش النظام بعد انسابهم الى الجيش السوري الحر، لتبرير الاحتجاز العلني بالصوت والصورة، وبين هؤلاء اربعة جرحى خطفهم آل زعيتر من احد مستشفيات البقاع!
الانفلات العسكري المكشوف لم يلبث ان بدأ يترصد المواطنين الخليجيين الآخرين، سعوديين وقطريين واماراتيين وكويتيين وبحرينيين الى جانب الاتراك، وقد تلقى هؤلاء اشارات من سفارات بلادهم بالحض على مغادرة لبنان، وذلك بعد شيوع معلومات عن خطف المواطن السعودي مساعد المطيري، وقد ظهر السفير السعودي علي عواض العسيري على قناة «ام.تي.في» التلفزيونية مبررا دعوة الرعايا للرحيل بواقع الحال المضطرب.
وفاقم مخاوف المواطنين الخليجيين التهديدات المباشرة وبالاسم لكل منهم، وحديث ناطقي المجلس العسكري لآل المقداد عن «بنك اهداف» لتحركهم، ومن ثم اندفاعهم مع آخرين الى طريق المطار واقفالها باطارات المطاط المشتعلة فور علمهم بدعوات السفارات الخليجية رعاياها للرحيل الفوري مقرونة بأوامر من الملك عبدالله بن عبدالعزيز بارسال طائرات ركاب سعودية الى بيروت لاجلاء الرعايا، ما حال دون وصول المسافرين الخليجيين وغير الخليجيين الى المطار، وبالتالي اضطر طائرتي ركاب فرنسيتين للتحول احداهما الى مطار العاصمة الاردنية عمان والاخرى الى قبرص.
وأمام هذه الفوضى، حذر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من مغبة اللعب بالسلم الأهلي وتهديد أمن اللبنانيين والمقيمين على أرض لبنان إلى أي دولة انتموا، تحت أي عنوان أو قضية، لأن نشر الفوضى لا يسترجع مخطوفا او يستعيد حقا بل يضيع الحقوق ويعرض حياة ابنائنا للخطر ويهدد كيان الدولة الضامنة لحياة الجميع وحقوقهم.
وبعدما أبدى الرئيس سليمان تعاطفه مع معاناة المحتجزين وقلق اهاليهم، فإنه شدد امام قادة الاجهزة الامنية والعسكرية على ضرورة تطبيق قرار مجلس الوزراء بتاريخ 9 يوليو القاضي بمنع قطع الطرقات وحماية مقرات بعثات الدول الصديقة والشقيقة، لاسيما منها السعودية والقطرية والتركية والسورية، لأن في ذلك مسؤولية سيادية وقانونية واخلاقية.
كما ان من شأن الحفاظ على الهدوء حماية مصالح اللبنانيين وارزاقهم في الدول التي تحضنهم، وحض رئيس الجمهورية القيادات السياسية اللبنانية على ضبط الانفعالات ومساعدة الدولة عبر الالتزام باعلان بعبدا الذي اكد تحييد لبنان عن انعكاسات ازمات دول الجوار ومنع استيراد مضاعفاتها الى الجسم اللبناني.
كذلك دعا الرئيس سليمان وسائل الاعلام الى تحمل مسؤولياتها المهنية والوطنية بعدم التحريض والمساهمة في تعميم الفتنة عبر نقل اخبار غير دقيقة واثارة الاضطراب النفسي والمعنوي، مذكرا بأدبيات العمل الاعلامي والنصوص القانونية الخاصة بهذا المجال.
واعلن رئيس الجمهورية انه سيتابع الوضع عن كثب بالاضافة الى متابعة اللقاءات والاتصالات الداخلية والخارجية المتعلقة بمصير اللبنانيين المختطفين، طالبا الى قادة الاجهزة الامنية والعسكرية افادته تباعا بأي تطور لاتخاذ الاجراءات اللازمة.
وعلى الاثر، تحركت القوى العسكرية والامنية لاعادة فتح طريق المطار بالتراضي عند الفجر، واستؤنفت الحركة باتجاه مطار رفيق الحريري ومنه، وجرى نشر الجيش على جانبي هذا الطريق الحيوي، وقد اكد مصدر امني رفيع ل «الأنباء» ان طريق المطار لن يغلق بعد الآن، بحسب تقديراته.
وعلمت «الأنباء» من مصادر معنية ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تواصل مع الرئيس ميشال سليمان ومع قيادات سياسية محلية ملوحا بالاستقالة مع الحكومة اذا لم تهدأ الامور. وتقول المصادر ان الاعمال الحاصلة ضد السوريين وضد طريق المطار وبالتالي الدول العربية والصديقة احرجته امام قمة الدول الاسلامية في مكة. وعلى اثر ذلك، دعا الرئيس سليمان قادة الجيش والامن اليه وعرض الوضع واصدر تحذيره من مغبة اللعب بالسلم الاهلي.
وجه آخر لهذه الفوضى المسلحة تبدى في اعتذار رئيس مجلس النواب نبيه بري عن عدم حضور اجتماع هيئة الحوار الوطني في المقر الصيفي للرئاسة في بيت الدين.
وكان بيان لحزب الله بثته قناة «المنار» يعلن اعتذار الحزب عن المشاركة هو الآخر، لكن بعد قليل اعلن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد انه سيمثل الحزب في الاجتماع نافيا صحة الاعتذار. وقال رعد ان الرئيس بري والنائب سليمان فرنجية اعتذرا عن المشاركة بينما كان العماد ميشال عون اول الواصلين الى مكان الاجتماع في قصر بيت الدين الرئاسي، يليه رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة.
اوساط ديبلوماسية في بيروت رأت ل «الأنباء» ان فوضى الخطف وقطع الطرق التي شهدها لبنان اول من امس مرتبطة بالحملة السورية المضادة على الرئيس ميشال سليمان الذي حدد خياراته على مستوى الدولة وحصرية قرارها واستراتيجيتها الدفاعية، اضافة الى ربطها علاقة لبنان بالدول الاخرى بمصلحة لبنان دون سواه، فضلا عن قضية توقيف المستشار اللبناني للرئيس الاسد ميشال سماحة متلبسا بنقل متفجرات من سورية لزرعها في لبنان.
واوضحت المصادر ان العامل السوري والايراني كان واضحا في الدفع بقضية المخطوفين اللبنانيين في سورية الى هذا المنحى، بدليل مشاركة احد اعضاء كتلة الرئيس بري النائب غازي زعيتر في اجتماع رابطة آل المقداد في الضاحية الجنوبية رغم الابتعاد الملحوظ لحركة امل عن مثل هذه المظاهر المسلحة. وقد ردت مصادر رئاسة المجلس غياب نبيه بري عن اجتماع هيئة الحوار لاسباب امنية شخصية، حيث عليه اجتياز مسافة 50 كيلومترا من بيروت الى المقر الصيفي للرئاسة في بيت الدين، علما ان هذا الطريق واقع في نطاق امن الرئاسة الى جانب امن الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط.
اما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية فإن السجال الاخير الذي فتحه مع الرئيس ميشال سليمان حول مواقف الرئيس من الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله والنظام السوري الى جانب حملته على النائب جنبلاط زعيم الشوف حيث يقع المقر الرئاسي الصيفي، يبرر غيابه عن الجلسة.
ولاحقا، انتشرت اخبار حول دخول مسلحين من عشيرة آل جعفر في الهرمل الى اراضي مدينة حمص السورية واختطافهم ركاب حافلة سورية كانت في طريقها الى لبنان واقتادتهم الى الداخل اللبناني ولم يصدر اي تأكيد رسمي لهذه الحادثة.
لكن الناطق باسم عشيرة آل المقداد ماهر المقداد نفى صحة هذا الخبر، وقال ان عدد المخطوفين يوم الاربعاء تجاوز العشرين مختطفا، واضاف ان الصليب الاحمر الدولي استجاب لدعوته بالتنسيق معه لاستعادة المخطوف حسان المقداد والبحث بشأن السوريين المختطفين في لبنان.
واعلن المقداد لقناة «المستقبل» ان كلاما غير مسؤول صدر عن بعض شباب العائلة بحق دول وشخصيات نجل ونحترم انهم اهلنا وناسنا ولن نسمح بالتعرض لهم. ونفى المقداد الذي يمثل الاكثرية في عائلته غير الملتزمة بحزب او تنظيم علاقة العائلة بما تعرض له العمال السوريون في الضاحية الجنوبية، وتحدث عن فوضى وعن طوابير خامسة، ولم يوفر بعض الاجهزة الامنية من استدراج بعض شباب العائلة الى التعرض لقناة «اليسارية» السورية ومقرها في محلة غاليري سمعان جنوب شرق بيروت، واعتذر من اصحاب هذه المحطة وقال: لسنا نحن من فعل ذلك، ولا علاقة لنا لا بقريطم ولا بسواها.
توضيحات ماهر المقداد جاءت بعد تصريحات لامين سر رابطة آل المقداد ابوعلي المقداد الذي توعد الرئيس سعد الحريري والسعوديين والقطريين والاتراك شرا، ورفض الرد على وزير الداخلية مروان شربل، حاصرا المفاوضة بالصليب الاحمر.
وكانت المعلومات الواردة من سورية تحدثت عن خطف مواطن لبناني من صور يدعى لؤي منصور على ايدي الجيش الحر، لكن والد لؤي اوضح لوسائل الاعلام ان الخطف حصل على يد الجيش النظامي، وقد ناشد الرؤساء الثلاثة المساعدة في كشف مصير ابنه الذي اختطف من شارع العباسيين اثناء شراء بعض الحاجيات.
وتردد ان مسلحين ليسوا من آل المقداد خطفوا ركاب حافلة معظمهم من العمال السوريين على طريق التيرو بين حي السلم في الضاحية وبلدة الشويفات، وتردد ان الخاطفين هم من اقارب المخطوفين الاحد عشر في اعزاز، كما جرى تحطيم محلات يملكها سوريون، وجرى خطف المواطن السوري بهاء البهايا من متجره في مصيف بعلشمية في الجبل.
يبقى ان تهديدات قطر وغيرها بترحيل لبنانيين لديها ساهم في كبح جماح الامور في لبنان.