هناك انواع كثيرة لتقسم الدول , فهناك تقسيم على أساس جغرافى مثلما حدث فى الصومال التى أنقسمت الى دولتين هما ارض الصومال والصومال , ومثلما حدث فى السودان بين الشمال والجنوب , ومثلما حدث فى مصر القديمة قبل عصر مينا موحد القطرين , وهناك تقسيم على أساس طائفى فتنشق طائفة بعينها عن الوطن الام على اساس دينى كما حدث عندما أستقلت باكستان ثم كشمير فى الطريق , أو على أساس عرقى وجغرافى معاً مثلما حدث فى دارفور وغيرها , والتقسيم الطائفى هو أخطر أنواع التقسيم , لانه انقسام بلا عودة الا ان يشاء الله غير ذلك , وقد حذرت منذ فترة من التقسيم التحت طائفى لمصر, وهو تقسيم ابناء الطائفة الواحدة داخل الوطن الواحد الى عدة أقسام متناحرة , فبعد تقسيم العالم الاسلامى الى سنة وشيعة بيد اغبياء الطائفتين على حد سواء منذ مئات السنين , جاء تقسيم الطائفة الواحدة الى عدة طوائف متناحرة ومتقاتله وهو ما بدأ يحدث فى مصر هذه الايام للأسف , وعن نفسى لم أتفاجأ بهذا التقسيم ولكننى تفاجأت بسرعة دوران عجلته , وقد بات ذلك واضحاً فى الانتخابات الماضية سواء التشريعية أو الرئاسية , فقد أنقسم المجتمع فى التصويت على أساس طائفى الى مسلمين ومسيحيين , ثم قامت بعض التيارات الدينية بتقسم المسلمين أنفسهم الى قسمين من معهم ومن ضدهم , وسمعنا جميعاً من يقول ان من يصوت لمرشح التيار الفولانى مسلم ومن يصوت مرشح التيار الفولانى كافر , الى آخر هذه الخزعبلات وسفاهات بعض الجهلاء بالدين الاسلامى الحنيف من تجار الاوطان , وكانت تلك نواة تقسيم المجتمع الاسلامى فى مصر , وقد حذرت ولكن دون جدوى فاذا كان صوت من يصرخ فى العاصمة لا يصل الى أذان السادة المسئولين فما بالك بصوت يأتى من أعماق قرى الصعيد , ونظرة واحدة على ما حدث بالامس سواء أمام القصر الجمهورى أو مدينة الانتاج الاعلامى تؤكد لك ان عجلة التقسيم قد دارت وبقوة , فقد تم شحن ميلشيات شباب الجماعة , وليعذرنى ابن السيد الرئيس اننى قد أستعرت منه لفظ ميلشيات لوصف شباب الجماعة , الى القصر الجمهورى ليشتبكوا مع المتظاهرين ويصلبوا بعضهم عرايا بناءاً على ماجاء فى تقرير مراسل سكاى نيوز , ثم تم شحن ميلشيات أخرى الى مدينة الانتاج الاعلامى لترويع الاعلاميين وضرب رئيس تحرير اليوم السابع وتكسير سيارته , فى مشهد من مشاهد النظام السابق عندما أختطف معلومين له مجهولين لنا رئيس تحرير جريدة معارضة له والقوه عارياً على قارعة الطريق , وما حدث يؤكد ان مصر قد تم تقسيمها الى أخوان وغير أخوان , وهذه كارثة سوف تعصف بالامة كلها لا قدر الله ان أستمر هذا السيناريو الاسود فى الدوران , ففى شمال العراق أنقسم المسلمين السنة الى أكراد وعرب وبينهم صراع مرير منذ سنوات , وأصبح للمسلمين الاكراد حكم ذاتى لهم , وتخوض تركيا المسلمة ايضاً حرب ضروس منذ سنوات ضد حزب العمالى الكردستانى المسلم على أساس عرقى بغيض , فالتقسيم التحت طائفى تقسيم مرعب, فهو يهدم الوطن بداية من داخل البيت والعمل والمدرسة والجامعة , وما حدث فى سيناء بالامس القريب هو احد مظاهره , فمسلمين يقتلون مسلمين صائمين وهم يصيحون الله اكبر ! وربما كان القتلة الحمقى أيضاً صائمون , ولا يقل لى احد هذا أرهاب فقط فنحن نسطح الامور , فالموضوع أكبر من عملية أرهابية جبانة , الموضوع ان المجتمع قد بدأ سوس التقسيم ينخر فيه وبسرعة غريبة , فقبل الثورة كان هناك تقسيم على أساس مصلحى بين مجموعة متحكمة فى كل شئ وباقى لا يملك من أمره شئ , لكن هذه المجموعة كان أغلبها يدرك انه على خطأ وان الآخر على صواب و كانوا يدافعون عن مصالحهم الشخصية فقط وليذهب الباقى الى الجحيم ولكن فى حدود كى لا تصل اليهم ناره , وعندما أكلوا كل شئ أكلهم طمعهم وانهار نظامهم مع اول موجة من موجات الثورة , أما تقسيم مصر اليوم سواء الطائفى أو تحت الطائفى فهو قائم على اساس عقائدى بحت , وأفرز لنا مجموعة باتت حاكمة وترى الآخرين أقل منها فى كل شئ وتسخر من الآخرين , وبعض قادته يتحدثون بلغة ساخرة من الجميع , وثقافة العنف ليست غريبة عليهم , فمعظم ان لم يكن كل تيارات العنف المحسوبة على المسلمين قد خرجت من مصر بعد ان تم تصدير الفكر المتطرف اليها من الخارج لينمو ويترعرع ثم يخرج للعالم الذى أعاده الينا مرة أخرى بعض الضربات الموجعة لهم فى أفغانستان وغيرها , ولذا وجد فى حضن جبال سيناء الملاذ الآمن له حتى وقعت كارثة رفح الاخيرة , وما يحزننى اننا نكرر نفس الاخطاء فى التعامل مع الارهاب مرة أخرى ونكتفى بالضربات الأمنية فقط , فالموضوع أكبر وأعمق من ذلك بكثير, نحن أمام تقسيم حقيقى للمسلمين فى مصر , ونحن بحاجة الى مواجهة فكرية وصريحة وان كانت ستكون صعبة فى ظل هيمنة تيار الاخوان على مقاليد الامور, فلم يعد خافياً على أحد حجم الدعم المعنوى الذى حصلت عليه الحركات المتطرفة بوصول الجماعة الى قمة السلطة فى مصر , فمعظم هذه الحركات فى النهاية قد خرجت من رحم الجماعة الام ونحن بطبعنا شعب عاطفى والاولاد الاشقياء يحنون لحضن الام مهما زادت شقاوتهم , وحضن الام لا يعرف الجفاء فربما يكون الابناء الاشقياء هم السند فى يوم من ايام الضباب القادمة .