مر على مصر زمان كان الخيوى توفيق يحكم مصر، وكان الإنجليز يحكمون الخديوى!...وجاء زمان على مصر يحكم فيه الأخوان مصر، والأخوان تحكمهم مصالحهم مع أمريكا وحماس!... إذن تغير الزمان وتغير الأشخاص وبقيت مصر مُستعمرة من الجميع.. عندما قامت الثورة وظهر الأخوان على الساحة، أقسموا أنهم لا يريدون الحكم وصدقناهم، فإذا بهم ينقضون عليه..وحين أكدوا على أنهم لا يسعون وراء البرلمان صدقناهم، فأصبح البرلمان برلمان الدقون..واليوم حين أصبح تشكيل الحكومة والمجلس الرئاسى فى يد الرئيس الأخوانى، وعاد يؤكد على مدنية وليبرالية الدولة فسوف نصدقه قطعا دون تفكير!.. فسوابقهم تؤكد المصداقية.. هشام قنديل، رئيس الحكومة الجديد، رجل له لحيه وزبيبة صلاة واضحة، لكنه رجل لا يمتلك خلفية دينية ولا ينتمى لحزب دينى! وأنا مع نظرية فرض حسن النية، وقد أصدقه على الرغم من عدم ميلى إلى ذلك، لكن الميه تكدب الغطاس!. الحكومة الجديدة عانت من ولادة متعسرة، وغالبية الأسماء المطروحة لها توجهات إخوانية أو سلفية واضحة على الرغم من إنكار قنديل.. وطبعا كان التخلص من فايزة أبو النجا من أهم أولويات الحكومة الجديدة، وأنا أعتبر هذه الخطوة مكسب لها وخسارة فادحة لمرحلة نحتاج فيها إلى وزيرة تعاون دولى لها رؤية واضحة وفكر يُحترم، ولكن أبو النجا صُنفت فلول! (طب أمال قنديل نفسه إيه؟ مش فلول، ليه هو كان نائب وزير الرى فى حكومة مخاصمة مُبارك!). وتأتى قنبلة ترشيح محمد يسرى إبراهيم وزيرا للأوقاف كتحدى سافر لكل الأعراف والمواثيق، فهذا الرجل رسب فى إنتخابات مجلس الشعب أمام مصطفى النجار بفارق خمسين ألف صوت، ثم تم الزج به فى تأسيسية الدستور وأخيرا تم ترشيحه لمنصب وزير.. إذن فهى عودة لنظرية العصر البائد، إذا فشل الرجل إنتخابيا يعاد تعيينه سياسيا، تماما كما كان يفعل مبارك مع رجاله المقربين، وهكذا يفعل خيرت الشاطر مع رجاله المقربين (يعنى الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا والدُخلة الليلة يا عُمدة!). أى منطق يتعامل به رئيس الجمهورية؟ (ده ولا لو كانت مصر دى عزبة الأخوان وفاضل يكتبوا على جناين المانجة، مانجة الشاطر والبلتاجى والعريان!).. كيف إذن تكون الحكومة؟ إن إختيار الوزراء لابد وأن يكون نابعا من خلفية سياسية إدارية ناجحة، يجب أن تكون الحكومة ورئيسها حكومة واعية مترابطة قادرة على التعاون مع بعضها البعض وقادرة على دفع عجلة الإنتاج والتقدم، يجب أن يكون الوزير رجلا قادرا على الإبتكار، رجلا قادرا على الإستفادة من الموارد الموجودة بوزارته للإرتقاء بخدمات الوزارة، بل ويجب أن يكون قادرا على التواصل مع الجمهور من خلال مساعديه ورؤساء المحليات والمحافظين.. الحنكة السياسية والكفاءة يجب أن تكون معيار أساسى للإختيار، أما فكرة تعيين كل أساتذة الجامعات لمجرد أنهم زملاء قدامى يشعر مُرسى بالتعاطف معهم من باب أنهم أبناء كار واحد فهذه فكرة مرفوضة، لأن أستاذ الجامعة رجل أكاديمى يمتلك الورقة والقلم، ولكنه لا يمتلك آليات التطبيق ولا الخبرة المناسبة للتعامل على أرض الواقع.. محمد مُرسى نفسه رجلا جامعيا، أنظروا كيف قرر التعامل مع مشكلة القمامة، لقد طلب الرجل من المواطنين أن يجمعوا القمامة بأنفسهم يومى الجمعة والسبت من أجل إنجاح حملة وطن نظيف (طب والاحد والاتنين حنلم برضه ولا أجازة؟!) ( طب وبعد ما نلم حنودى الزبالة فين؟ ومين حيرفعها؟ وحيتعمل بيها إيه!)..هذا بكل بساطة هو الفارق بين رجل يفكر مثل أردوغان ورجل ينفذ مثل مُرسى.. أتذكر ونحن على أعتاب تشكيل حكومة (يعلم الله إلى أين ستأخذنا) حكومة سعد باشا زغلول التى تم تشكيلها بعد ثورة 1919 ، وأتذكر موقف سعد زغلول كرجل سياسى مُخضرم له رؤية فى التعامل مع المشكلات..وقدرته على الإنصهار مع الغلابة... فى صبيحة أحد الأيام إستيقظ كل العربجية أصحاب الحناطير واتجهوا فى مظاهرة إلى بيت الأمة لمقابلة رئيس الوزراء سعد باشا زغلول. وعندما قال لهم البواب أن الباشا يتناول إفطاره، قالوا له غاضبين: " إننا جئنا دون أن نذوق لقمة، كيف يأكل سعد إفطاره ونحن نموت جوعا ". ولما علم سعد بما حدث ترك إفطاره وخرج إلى شرفة السلاملك ليستقبل العربجية الثائرين...حينذاك فوجئ سعد بأغرب مشكلة قد تواجه رئيس حكومة، فقد طلب منه سائقى الحناطير بأن يصدر قانونا يمنع السيارات من السير فى شوارع العاصمة، السيارات التى بدأت تنتشر فى القاهرة مما جعل الناس يفضلون ركوب السيارات على ركوب عربات الحنطور، والحنطور صناعة مصرية أما السيارات فهى صناعة أجنبية، والشعير يزرعه الفلاح المصرى أما البنزين فيستورد من العدو الإنجليزى.. وختم العربجية كلامهم قائلين: " إن واجب وزارة الشعب أن تصدر قانونا لحماية الصناعة المصرية والفلاح المصرى، وتحمى حياة المصريين من حوادث إصطدام السيارات". أخذ سعد زغلول يستمع بإهتمام شديد، ثم أخيرا تكلم فى هدوء: " إن السيارات دخلت إلى القاهرة قبل تولى وزارتى بعدة سنوات، فلماذا لم تتقدموا بهذا الطلب إلى الحكومات الأخرى؟!". فوجئ سعد بالرد: " لأن الحكومات الأخرى عينها الإنجليز لتعمل لحساب الإنجليز، أما حكومتك فنحن الذى إنتخبناها لتعمل لمصلحتنا "... رد سعد بإبتسامة عريضة: " إننى عربجى مثلكم، مهمتى أن أقود عربة الوطن كما تقودونها، إن حكومة الشعب هى العربة الحنطور، ومصر هى الزبون الوحيد الذى يركب هذه العربة وواجبى أن أوصل هذا الزبون إلى الجهة التى يريد الذهاب إليها وهى الإستقلال التام لمصر والسودان، والفرق الوحيد بينى وبينكم إنكم تحملون الكرباج وأنا لا أحمله..والآن سأتحدث إليكم كعربجى يتحدث مع زملائه، إننى أريد أن أحقق لمصر الإستقلال بسرعة، ونحن الآن فى عصر السرعة، السيارة هى علامة التقدم، وهى تحل فى العالم كله محل الحنطور، وأنا كزعيم لا أستطيع أن أسمح لها بأن تتخلف، غير معقول أن أرى الطيارة تحل محل السيارة فى بلاد العالم وألزم بلدى بأن تركب الحنطور، ستكون النتيجة هى أن تسبقنا الأمم الأخرى..فى النهاية أنا سوف أخضع لرأيكم إذا كنتم تريدون أن تتقدم مصر بسرعة السيارة أو سرعة الطيارة..أأمرونى". ضحك العربجية من التشبيه وشعروا بأن الزعيم واحد منهم..فصاحوا: " الطيارة".. نعم... سعد سعد يحيا سعد.. [email protected]