بالصدفة تقابلت مع شخص عرف نفسه بأنه الطرف الثالث الذى يبحث عنه كل الناس، وجدته اشعث الرأس اجدع الانف زائغ العينين، متسخ الملابس، جالسا تحت كوبرى أكتوبر، وكان يتمتم بهذه الكلمات: ما هذه الثورة اللعينة التى لا تريد ان تنتهي، كلما اوقدنا نارا للفتنة لتبتلعها وتقضى عليها اطفأها الله وزادت قوتها وازداد بأسها، وقويت شوكتها.
ما هذه الثورة اللعينة التى اوقفت انهر الخير التى كانت تدخل جيوب أسياد البلد وعظمائه، وجففت ينابيع الجنيهات الذهبية التى كانت ترمم الذمم الخربة، وتربى ابناء الحرام.
ماهذه الثورة اللعينة التى كلما حفرنا لها ألف حفرة اوقعتنا فيها وتمرمغت جباهنا فى الوحل والعار، وكلما خلقنا لها ندًا ومنافسًا إذا بالوحش ينقلب قردا.
فى فبراير هجمنا برجال ملثمين مدربين على الغدر والطعن من الخلف، على الثوار بليل وقت أن كانوا نائمين، حتى يصمتوا ويسكتوا ويكفوا عن المطالبة بمحاكمة مبارك، لكنهم عادوا.
فى مارس فكرت قلة من الأقباط أن تؤمن بهذه الثورة اللعينة فخرجت فى مظاهرة سلمية تطالب بحقها فى الصلاة بسلام، والعبادة بمحبة، لكن البسالة اوقعت منهم 13 وأصيب 140 بجروح خطيرة، لكنهم عادوا فى ابريل انضمت قلة خارجة عن النظام العام لهؤلاء الثوار وحاولت أن توحى بأن المؤسسة القوية الشامخة بها شرخ أو اهتزاز، فاوضحنا لهم قوة بنياننا وصلابة الارض التى نقف عليها، فارسلنا عليهم جنودا «أبابيل» ترميهم برصاص وخرطوش فاسرنا من القلة ما اسرنا وقتلنا منهم ما قتلنا، لكنهم عادوا.
فى مايو صدق هؤلاء أنهم قد انتصروا لحريتهم، وقرروا ان يمارسوا اعمال السيادة التى نحتكرها، فحاصروا السفارة الاسرائيلية وهددوا بانزال علم الدولة العبرية الصديقة المحبة للسلام، فهجمنا عليهم هجمة رجل واحد فسقط 353 مصابا واسرنا 186 ثائرا، لكنهم عادوا.
فى يونيو حاولوا ان يوهموا الناس ان هناك شهداء للثورة وان لهؤلاء امهات واخوات وزوجات وابناء يريدون حقوقًا، فجعلنا الاحذية هى التى تتكلم، فداست على بطون امهات الشهداء وسحلت اخواتهم ولم نتوقف حتى بلغ منهم 120 مصابا، لكنهم عادوا.
فى يوليو تجرأ الثوار على اسيادهم واقتربوا منهم لكننا وقفنا لهم بالمرصاد واوقعناهم فى كمين شديد الاحكام، السلك الشائك من امامهم والبلطجية من خلفهم، لا مفر من سقوط 308 مصابين، لكنهم عادوا.
فى اغسطس فى اليوم الاول من شهر رمضان الكريم استطعنا القيام بعبور رائع وقوى على اجساد هؤلاء المعتصمين الذين طاردناهم حتى مسجد عمر مكرم، وتم تنظيف الميدان منهم، لكنهم عادوا.
فى سبتمبر تجرأوا مرة اخرى وهدموا ما بنيناه من سور للسلام يحمى الاصدقاء والحلفاء، ثم زادت جرأتهم وانزلوا العلم الشريف، فكان جزاؤهم ثلاثة قتلى و1050 مصابا فى ليلة واحدة، لكنهم عادوا.
فى اكتوبر عاد الاقباط لشكواهم المزعجة فأمرنا البواسل ان يضربوا، لكن هذه المرة بيد من حديد حتى لا نسمع لهم صوتا، واوعزنا الى البواسل ان يهرسوا ادمغتهم ويطحنوا جماجمهم لعلهم يرجعون، فراح 24 منهم لبارئهم وخلفنا مئات من الجرحي، لكنهم عادوا.
فى نوفمبر تفتق ذهننا الى لعبة لا تبقى ولا تذر، لواحة للمتظاهرين، ترهب من يفكر مرة ان يعاند النظام أو يطالب باسقاط نظام نحميه بارواحنا، فهجمنا نهارا جهارا على ثلة من المصابين وقليل من كبار السن وانتصرنا عليهم كالعادة ثم اذهقنا ارواح اربعين من شباب الثورة وتركنا فى المستشفيات جرحى لا حصر لهم، لكنهم للأسف عادوا.
فى ديسمبر كانت فرصتنا الاخيرة، فاقتنصناها، وحطمنا كل مبدأ، ودهسنا كل فضيلة، ولوثنا كل قلب ابيض، فرفعنا راية السواد خفاقة عالية، قررنا ان نريهم العين السوداء والحمراء، ما عدنا نخشى لومة لائم، ولا تأنيب ضمير، فكان ما كان وانتم تعلمون ما حدث، فهل سيعودون؟