"الجميع يحتشد ضد روسيا، وبعد الجيوش والفن والرياضة والاقتصاد .. الآن الدور على جائزة نوبل" .. هكذا أصبح واضح لجميع مراقبي الشأن العالمي حال دول العالم الغربي وأمريكا، والمجتمع الدولي، وحشدها كافة أطراف المنظومة العالمية ضد روسيا، بعد حربها التي تخوضها داخل أوكرانيا، وجاء الدور على جائزة نوبل، لتكون جائزة السلام لثلاث جهات تجمعها أمر واحد هو مناهضة نظام بوتين والحكم السوفيتي. وكانت قد أقيمت اليوم مراسم حفل تسليم جائزة نوبل للسلام لعام 2022، والتى منحت إلى كل من المدافع عن حقوق الإنسان أليس بيالياتسكي من بيلاروس، ومنظمة ميموريال الروسية لحقوق الإنسان، ومنظمة حقوق الإنسان الأوكرانية، مركز الحريات المدنية من قبل لجنة نوبل النرويجية في أوسلو .. فمن هؤلاء؟؟.
مسجون منذ 3 سنوات.. من هو أليس بيالياتسكي الفائز بجائزة نوبل للسلام؟
"أليس بيالياتسكي" الناشط البارز في مجال حقوق الإنسان في بيلاروسيا، هو الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2022، رغم أنه محتجز حاليًا في السجن دون محاكمة، بيالياتسكي، صحاب ال60 عامًا، هو مؤسس مركز فياسنا أو (الربيع) لحقوق الإنسان في البلاد، والذي تم إنشاؤه في عام 1996 ردًا على حملة قمع وحشية لاحتجاجات الشوارع قام بها الزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
ووفقا لهيئة الإذاعة البريطانية، قدمت منظمة فياسنا الدعم للمتظاهرين المسجونين وعائلاتهم، ووثقت استخدام التعذيب ضد السجناء السياسيين من قبل سلطات بيلاروسيا، وقال رئيس لجنة نوبل النرويجية ، بيريت ريس أندرسن ، في إعلانه عن الفائزين الثلاثة بجائزة نوبل للسلام هذا العام: "لقد كرس حياته لتعزيز الديمقراطية والتنمية السلمية في وطنه".
أمضى بيالياتسكي، الذي حصل على العديد من الجوائز الدولية في مجال حقوق الإنسان، ثلاث سنوات في السجن بعد إدانته بتهم التهرب الضريبي التي كان ينكرها دائمًا في عام 2011، قبل أن يُطلق سراحه في عام 2014.
وقبل اعتقاله في عام 2020 بقليل، اتهم أليس بيالياتسكي السلطات البيلاروسية بالعمل كنظام احتلال، وتم اعتقاله مرة أخرى في عام 2021 بعد احتجاجات في الشوارع، وقالت بيريت ريس أندرسن: "سعت السلطات الحكومية مرارًا وتكرارًا إلى إسكات أليس بيالياتسكي"، وأضافت: "على الرغم من المصاعب الشخصية الهائلة، لم يتنازل بيالياتسكي عن خطوة واحدة في كفاحه من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية في بيلاروسيا".
قبل إلقاء القبض عليه قبل عامين بقليل، كتب بيالياتسكي على صفحته على فيسبوك: "مئات الآلاف من المتظاهرين في جميع أنحاء بيلاروسيا ، ومئات منهم محتجزون".
لكن الحالة الصحية الحالية ل بيالياتسكي غير معروفة، وقالت زوجة الناشط ، ناتاليا بينشوك: "أعبر عن امتناني العميق للجنة نوبل والمجتمع الدولي لتقديرهم عمل أليس وزملائه ومنظمته".
"ميموريال" .. 3 عقود في توثيق جرائم السوفيت العرقية
ويمكن القول أن تلك الجائزة التي حصلت عليها تلك المنظمة تأخرت كثيرا، فتاريخها يمدت لثلاث عقود في دولة لا تعرف غير الحديد والنار في مواجهة مخالفيها، فالمنظمة غير الحكومية الروسية "ميموريال" التي أعلنت لجنة نوبل للسلام منحها جائزتها السنوية مع فائزين آخرين، وثقت لثلاثة عقود حملات التطهير الستالينية ثم عمليات القمع في روسيا المعاصرة في عهد فلاديمير بوتين، قبل أن تصبح هي نفسها ضحية لها.
كان القضاء الروسي أعلن الشتاء الماضي حل "ميموريال" لانتهاكها قانونا مثيراً للجدل حول "العملاء للخارج"، في قرار اعتبرته المنظمة غير الحكومية سياسياً، وبتصفيتها، أرادت سلطات بوتين على ما يبدو توجيه ضربة قاضية إلى المنظمة التي شكلت أحد أعمدة المجتمع المدني ورمزاً لإرساء الديمقراطية في تسعينيات القرن الماضي.
منذ ذلك الحين عزز الكرملين قمع الأصوات التي تدين حملته العسكرية، عبر أحكام بغرامات كبيرة وعقوبات قاسية بالسجن، ومن الجرائم الستالينية إلى الانتهاكات في الشيشان، كانت المنظمة التي أسسها في 1989 منشقون سوفيات بينهم أندريه ساخاروف حائز جائزة نوبل للسلام، موثوقاً بها عبر تحقيقاتها الدقيقة وخصوصاً حول تجاوزات القوات شبه العسكرية الروسية في سوريا.
في الوقت نفسه، وضعت "ميموريال" لائحة بالسجناء السياسيين وقدمت لهم المساعدة كما فعلت مع المهاجرين والأقليات الجنسية، وعرفت المنظمة في الغرب حيث أصبح لها مكانة كبيرة، خصوصاً بسبب عملها في الشيشان، الجمهورية الروسية الواقعة في القوقاز والتي شهدت حربين، ولذلك منحت جائزة ساخاروف من البرلمان الأوروبي في 2009.
وخلال حربي الشيشان في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان طاقم "ميموريال" منتشراً على الأرض لتوثيق انتهاكات الجنود الروس ومساعديهم المحليين، وقالت المؤرخة إيرينا تشيرباكوفا وهي من مؤسسي المنظمة لوكالة فرانس برس في نوفمبر الماضي إن "السلطة كرهت ذلك دائماً".
في 2009 خُطفت رئيسة المنظمة غير الحكومية في الشيشان ناتاليا إستيميروفا في وضح النهار وقتلت برصاصة في رأسها في غروزني، ووصف الزعيم الشيشاني المستبد رمضان قديروف الذي اتهم بهذا الاغتيال، أعضاء "ميموريال" في المقابل بأنهم "أعداء الشعب".
وفي 2018، دفعت قضية جديدة المنظمة غير الحكومية إلى الانسحاب من الشيشان وكانت إدانة مسؤولها المحلي أيوب تيتياف في قضية مخدرات وصفت بعد ذلك بأنها مفبركة.
ويقول مؤسسو المنظمة إنها بدأت أنشطتها قبل وقت طويل من إنشائها رسمياً في 1989، وكان هدفها بعد ذلك تكريم ملايين الضحايا المنسيين للقمع السوفياتي ومعسكرات الأشغال الشاقة (الغولاغ)، وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بدأ الناشطون جمع معلومات سراً عن هذه الجرائم ثم خرجوا إلى العلن بعد "بيريسترويكا" الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف.
وقالت المؤرخة نفسها "ميموريال هي وريثة حركة ثم تنظيم لم يكف عن الصراخ بصوت عال وواضح أن زوال ذكرى الدكتاتورية من الضمير الجماعي أمر خطير جداً".
ومع تولي بوتين السلطة في 2000، أصبحت هذه المهمة تزداد صعوبة لأن الكرملين يدافع عن تفسير تاريخي يمجد القوة الروسية ويقلل من شأن الجرائم السوفياتية، وخلال جلسات المحاكمة لحلها، اتهم المدعي العام أليكسي جافياروف المنظمة ب"رسم صورة خاطئة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية كدولة إرهابية" وبالسعي إلى "إعادة تأهيل مجرمين نازيين".
في أوائل أبريل، وبعد شهر على بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، اعترف أوليغ أورلوف، أحد المسؤولين التاريخيين لمنظمة ميموريال، لوكالة فرانس برس بأنه لم "يعش فترة أكثر قتامة" في حياته، وقال الرجل الذي بدأ الكفاح في ثمانينيات القرن الماضي بتوزيع منشورات ضد الحرب السوفياتية في أفغانستان إن "ما يحدث الآن لا يمكن مقارنته بما كان يمكن أن يحدث من قبل (...) الدولة التي تركت النظام الشمولي تعود إليه".
رائدة العمل الحقوقي بأوكرانيا .. مصدر العالم لانتهاكات روسيا
ولم يكن مستغربا أن يكون ثالث من حصل على الجائزة، هو مركز الحريات المدنية بأوكرانيا، وهي منظمة لحقوق الإنسان بقيادة المحامي الأوكراني أولكساندرا ماتفيتشوك، حيث تأسست المنظمة في كييف عام 2007، وذلك في إطار التوجه العام لتسخير كل مؤسسات العالم ضد روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وكيف لا، وهي مصدر كافة المعلوات المتعلقة بالانتهاكات الروسية داخل الأاراضي الأوكرانية، وبثها حول العالم.
وتعد تلك الجائزة، هي أول جائزة نوبل على الإطلاق تُمنح لمواطن أو منظمة أوكرانية، وأعربت مسؤولة من المنظمة الأوكرانية التي فازت ضمن آخرين بجائزة نوبل للسلام هذا العام عن سرورها بتقاسم الجائزة مع نشطاء حقوق الإنسان من روسيا وبيلاروس على الرغم من انتقادات من كييف وسط الحرب.
وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة الحقوق المدنية الأوكرانية "مركز الحريات المدنية"، أوليكساندرا رومانسوفا، خلال حفل لجنة نوبل اليوم السبت حضرته عبر رابط فيديو: "يشرفنا حقا أن نتلقى هذه الجائزة معها".
ووثق المركز الأوكراني للحريات المدنية، الذي تأسس عام 2007، انتهاكات حقوق الإنسان ليس خلال العام الأخير فقط، بل ومنذ أن بدأت روسيا الأعمال العدائية ضد أوكرانيا في عام 2014، حيث
ويعود الفضل لهذه المنظمة في صياغة مفاهيم الجرائم ضد الإنسانية داخل أوكرانيا، حيث كانت تفتقر إلى تعريفات جرائم الحرب، وعملت على اتخاذ تعديلات على القانون الجنائي داخل أوكرنيا مي يتوافق مع حقوق الإنسان،
وأعلنت المنظمة منذ تأسيسها أن أهم أهدافها هي تعزيز قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والتضامن في أوكرانيا وأوراسيا لتعزيز مبدأ كرامة الإنسان، وفقا لرؤية تتوافق تماما مع حماية الحقوق والحريات الأساسية، والعمل على مراقبة احترام حقوق الإنسان في أنشطة الحكومات الوطنية والمحلية قبل انتهاكات الحرب الروسية.