ثورة السيس .. هكذا وصفها الرجلان خلال حديثهما عن الثورة ولم يخجلا من كونهما عاشا وتربيا في حجر نظام فاسد حتى نخرت السلبية في عظامهما ، وأيدهم الثالث الذي ترامت الى أذنيه كلمة سيس فأخذ يضحك بثمالة قائلا " سيس الحبايب ياضناية إنت " . لقد ترسخ في أذهان هؤلاء أن " السيس " هم السبب في ما آلت اليه مصر بعد الثورة وأيضا السبب فيما كانت عليه مصر قبل الثورة فكل خطأ ارتكبته الاجيال لابد ان يصلحه السيس مع ان كل جريمة ارتكبتها تلك الاجيال لازال السيس يُعاقب عليها حتى الان. لقد عميت أعينهم عن كل شيئ فلم يرو سوى البوكسرات القطونيل والبنطلونات المتدلية أسفل الخصر ، ولم يقف احدهم يوما ليسال نفسه سؤالا صغيرا - ماذا قدمت الثقافة المصرية للشباب فى مقابل الغزو الثقافى الغربي ؟ - لعل ما جعل هؤلاء الشباب على هذه الشاكلة هو قدرتهم على التمييز والاستخلاص ، فالثقافة المصرية من نوعية افلام الكوميديا والاكشن المصطنع وبرامج التوك شو والكلمات الضحلة بالاغانى لا يمكن التشبه بها شكلا او موضوعا اما الثقافة الغربية فقد اتخذ منها الشباب ما يمكنهم ان يتخذو ، لقد تشبهو بالشكل وعندما ارادو التشبه بالموضوع من خلال البحث العلمى والاختراعات الصغيرة ومحاولات اختراق عالم التكنولوجيا كانت تقف لهم الحكومة بالمرصاد وترفع لهم شعارا واحد ( تنزل بنطلونك اه .. تنزل الغشاوة من على عنيك لا ) لقد كنت لا ألوم على الاجيال فى شيئ - فكل ٌ ادرى بحاله - لكنني الوم على من يلوم جيلي ، لقد كنت ديمقراطيا فى اغلب حالاتي ، الا اننى لا اسمح لاحد بان يتهمنى انا وبني جيلي بتلك السلبية التى اورثونا اياها ، فكيف تعلم احد شيئا ثم تلومه على انه تعلمه منك ، كت دائما اؤكد لنفسي ان هذا الشباب لو ثار على شيء او غير شيئا فى مجتمعه فهو تغيير ذاتي نابع من عقيدة اكتسبوها من فرط المرارة اللتى عانوها والظروف القاسية التى عاشو بها وليس تغييرا نابعا من فورة موروثة من اب او ام ، فكل اب فى مصر فى ظل هذا النظام يتمنى لو راى ابنه فى احسن حال ورتبة - ظابط مثلا او وكيل نيابة – ولا يعنيه انه يستند على نظام صالح او طالح وكأن مصر كعكة والشاطر هو من يحصل منها على اي شيئ. لقد علمونا ان الانتماء للوطن واجب دينى وضرورة قومية وان مصر هى ام الدنيا وهبة النيل وان اى تغيير يطرأ عليها هو بمثابة دنس يلحق بها وان امن الدولة هو مقبرة اعداء الوطن والخارجين عن القانون وان الحزب الوطني جنة المطيعين وان النظام خلق حاكما وان الشعب خلق محكوما وان افضل نعمة انعمها الله عليك انك مصري وان افضل رتبة منحتها لك البشرية هي رتبة مواطن مصرى وان الجميع يحسدوننا على ذلك وان الزعيم مصطفى كامل لولم يكن مصريا لودَ ان يكون مصريا وكذلك كل المصريين من بعده حتى اصبح 80 مليون مصري يردد مقولة اما لانه لا يعرف معناها او من باب السخرية خاصة وان الحاصلين على الجنسية المصرية اقل بكثير من المتقدمين لطلبات الهجرة والمهاجرين غير الشرعيين لقد علمونا ان كلمة ثورة لا يلتصق بها الا تاريخين فقط – ثورة 1919وثورة 1952- وان اي تاريخ قادم يضاف الى كلمة ثورة هو من قبيل الكفر بالوطن المنطوى تحت صفة ( قلب نظام الحكم ) وعقوبته الاعدام باي وسيلة كان ، علمونا ان نحب مصر دون ان نسأل لماذا ( زي ماهي حبها بحلوها بمرها ) وفهمونا ان الحب الفطري الذي لا يعرف له سبب هو اسمى معانى الحب كحب الام مثلا وبناءا عليه اصبحت مصر امنا لقد علمونا كل شيئ ولكنهم لم يعلمونا كيف نثور .