الأمم المتحدة تحيي اليوم الدولي للغات الإشارة    سعر الريال السعودي اليوم الاثنين 23-9-2024 في البنوك المصرية    خبير طاقة: الدولة حريصة على إقامة مشروعات تخدم الطاقة المتجددة    «تطوير التعليم بالوزراء» يبحث مع «جايكا اليابانية» التعاون لتطبيق نظام «الكوزن»    وزيرا الإسكان والتنمية المحلية ومحافظ القاهرة يتابعون التحضيرات لاستضافة مصر للمنتدى الحضري العالمي    وزير الاتصالات يناقش التعاون مع «UNDP» لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعى ودعم الشركات الناشئة    وزير الدفاع الإسرائيلي: أطلعت الجانب الأمريكي على تقييمنا بشأن تهديدات حزب الله    أبو الغيط يحذر من احتمالية خسارة 630 ألف طفل فلسطيني عاما دراسيا آخر    فضيحة النازي الأسود تقود كبار موظفي حملة المرشح لحاكم نورث كارولاينا إلى الاستقالة    تشييع جنازة اللواء رؤوف السيد بمسجد الثورة بعد صلاة العصر    نتنياهو يأمر فعليا ببناء حاجز على الحدود مع الأردن    السوبر الأفريقي بين الأهلي والزمالك يؤجل حفل افتتاح كأس العالم للأندية لكرة اليد 24 ساعة    أول تعليق من محمد صلاح على اعتزال أحمد فتحي.. ماذا قال؟    قرار مهم من «التعليم» بشأن تسجيل غياب الطلاب مع بداية العام الدراسي الجديد    تخصص في النصب والاحتيال على المواطنين.. «الداخلية» تضبط تشكيلًا عصابيًا في القاهرة    ضبط أشخاص بحوزتهم قطع أثرية مقلدة للنصب على المواطنين بقصر النيل    «الداخلية»: ضبط 5 متهمين في حملات أمنية لمكافحة جرائم السرقات بالقاهرة    الليلة.. ختام الدورة الثانية لمهرجان الغردقة السينمائي    «الصحة» تعلن حصول مستشفى القناطر الخيرية على شهادة اعتماد الجودة    جامعة القاهرة تعلن برنامج القوافل التنموية ضمن «بدابة جديدة»    وزير الاستثمار يبحث زيادة معدلات التجارة بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي    هل يتعاقد برشلونة مع حارس مرمي جديد بعد انتهاء موسم تير شتيجن؟    انطلاق دورة إنقاذ الغرقى والإسعافات الأولية بكفر الشيخ ضمن مبادرة «بداية جديدة»    دغموم يكشف صعوبة مواجهة الهلال الليبي في الكونفدرالية    جمال عبد الحميد يحذر الأهلي قبل قمة السوبر الإفريقي    محامي التؤام: مستحقات حسام وإبراهيم في المصري وصلت ل6 ملايين جنيه    وزيرة البيئة تلتقي بسفراء مصر الجدد قبيل سفرهم لتولي مهام عملهم في الخارج    طب القناة تحتفل باليوم العالمي لسلامة المريض (صور)    محافظ شمال سيناء يتفقد المدرسة اليابانية بالعريش    اليوم.. فتح باب تعديل الترشيح بجامعة الأزهر إلكترونيًا وحتى الأربعاء    28 سبتمبر، محاكمة عاطل بتهمة التحرش بفتاة في حدائق القبة    خلال 24 ساعة.. ضبط 30129 مخالفة مرورية متنوعة    خبير تربوي يكشف عيوب ومميزات الواجب المنزلي الموحد للطلاب    دفتر أحوال النجوم.. سامو زين وإيمي سمير غانم يتعرضان لوعكة صحية    إسرائيل: عشرات الطائرات الحربية هاجمت أكثر من 150 هدفا في الجنوب اللبناني    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    حالات تمنع صرف تعويض عن الحبس الاحتياطي بمشروع قانون الإجراءات الجنائية    بالأسماء، وزير الداخلية يسمح ل 21 شخصًا بالحصول على جنسيات أجنبية    المستشار الألماني يلتقي زيلينسكي وأردوغان ولولا في نيويورك    اليوم.. أولى جلسات محاكمه الفنان عباس أبو الحسن    متحور XEC.. هل المضادات الحيوية فعَّالة في الوقاية من متحورات كورونا؟‬    شعبة الأدوية توضح كيفية تحصل الأدوية الناقصة في السوق    هانى فرحات يختتم حفلات صيف الرياض بليلة رابح صقر    ماذا قال محمد صلاح لأحمد فتحي بعد اعتزاله كرة القدم ؟    استشهاد 4 أطفال فلسطينيين ووالدتهم جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي    حزب الله استهدف به قاعدة "رامات ديفيد" الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن صاروخ "فادي"؟    أحداث الحلقة 2 من مسلسل «تيتا زوزو».. زيارة صادمة تفاجئ إسعاد يونس    أحمد سعد يعلق على سرقة مقتنياته الثمينة في حفل زفاف نجل بسمة وهبة: "المكاسب من عند الله"    تفاصيل عزاء نجل إسماعيل الليثي.. نجوم الفن الشعبي في مقدمة الحضور (صور)    إصابة فى مقتل    مصدر حكومي ل«إكسترا نيوز»: مؤتمر صحفي لوزير الصحة في أسوان اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-9-2024    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    «قوم اطمن على رصيدك».. عطل فودافون يجتاح السوشيال ميديا    وفاة اللواء رؤوف السيد رئيس حزب الحركة الوطنية    وفاة والد الإعلامي أحمد عبدون    بالفيديو.. خالد الجندي يرد على منكرى "حياة النبي فى قبره" بمفأجاة من دار الإفتاء    اللهم آمين | دعاء فك الكرب وسعة الرزق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم «زهران» المليء بالخير والحب والجمال
نشر في صدى البلد يوم 21 - 04 - 2022

يكمن إبداع القاص والروائي والشاعر الراحل محمد عبد المنعم زهران في منطقة مغايرة، ربما تتماس في رأي البعض مع الأدب الروسي في انتصارها للإنسان كونه إنسانا دون إعمال مربك لمبدأ الخطيئة والثواب والعقاب، إلا أن قلم زهران في حقيقته ينفرد بمهارته في المزج الغريب بين الإنسانيات وروح الميتافيزقيا، حيث قدرته على توظيف تلك الأخيرة لصالح الذات الإنسانية أيضا.
وهو ما يبدو جليا في أدبه عامة، حيث تغلب عليه مشاعر التضحية والبحث الدؤوب عن دواء الروح، والذي قد يجده تارة في حضن، مجرد حضن صادق، وأخرى في رفيق لا يمل انتظاره، أو ربما في محاولة النبش عن الذات الضائعة في إنكار وتنمر المحيطين، أو الركض خلف حلم حائر في أحلام الآخر.
يصف كتاباته الكثيرون بأنها ذات طابع عالمي، إلا أنه كمبدع كان يفضل أن توصف بالطابع الإنساني، حتى لو وصمت بالمحلية.
ترك محمد عبد المنعم زهران، إرثا إبداعيا، تمثل في أربع مجموعات قصصية وثلاث مسرحيات، وديوان نثري، ومجموعة قصصية مترجمة، وسلسلة في أدب الأطفال.
حصل على العديد من الجوائز الأدبية، منها جائزة الشارقة للقصة القصيرة، وجائزة يوسف إدريس، وجائزة قصور الثقافة، وغيرها.
وفي مجموعته القصصية المترجمة، والتي ضمت 6 قصص قصيرة مختارة من مجموعاته السابقة، وصدرت في ترجمتها إلى الإنجليزية، حيث ترجمها محمد الحديني، عن دار أكوان للنشر، برع زهران في التقاط التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية لينسج منها فكرة قصصية تزخر بالمشاعر الإنسانية، وهو ما يبدو جليا في قصة "ولد طيب بجواري"، حيث ذلك المشهد المعتاد لامرأة طاعنة تتوسد إحدى الحدائق مستقرا وبيتا لها، لكنه بالنسبة للكاتب لم يكن أبدا معتادا، فقد نفذ بقلمه إلى تلك المرأة البائسة واصفا معاناتها اليومية في جمل موحية جاءت على لسانها، ولمس حلمها البسيط في أن تلقى الله ولا شيء لها سوى ولد طيب بجوارها ومذاق البطاطا الساخنة التي أحبت يملأ فمها، ليثير بداخلنا مزيجا عجيبا من الشفقة والاجلال لعجوز حكيمة تحملت قسوة العالم وحيدة.
وهو الاهتمام بالمشاعر الإنسانية ذاته الذي يتجلى أيضا ولكن من زاوية مختلفة في قصته الأكثر شجنا " فردوس"، والتي يسرد عبرها معاناة فتاة لم يصبها حظ من الجمال، لتقع فريسة مجتمع متنمر لا يرحم ضعفها ولا يرى فيها سوى شكلها المختلف والمنفر، فيأتي مشهد النهاية أكثر درامية وشجنا، ليتحقق لتلك الفتاة ما كانت تصبو إليه ويدرك الجميع ما تحمله من روح ملائكية لا يملكها أحدهم، لكن بعد فوات الأوان وبعد موتها مقهورة كسيرة.
قليلا ما تقرأ قصة أو رواية تصيبك بالدهشة، أو تقذف بداخلك ضوءًا يغلف عتمة روحك، هكذا فجأة ودون شعور منك.
وهو ما فعلته قصة "أصابعي منك في أطرافها قبل"، فهي تحمل بدءا من الفكرة مرورا بالأحداث وحتى نهايتها، كثيرا من المشاعر الإنسانية التي تدور في فلك المثالية المفتقدة، وهو ما يجعلها ذات تأثير مباشر في القارئ، فهي تمس لديه ربما أمنية تكمن في الأعماق، أو حلما يراوده، أو حتى خيبة عاشها ذات يوم.
الإخلاص لحبيب غائب، الإخلاص بتركيبته الأفلاطونية التي تضرب في الخيال، الأمل الذي من أجله يهون العمر، ويصبح الانتظار جزءا مقدسا من حياتنا، تلك القيم المثلى التي يراها البعض نوعا من المبالغة المثيرة للسخرية، إلا أنها في حقيقتها واقع قد يحدث كثيرا لكننا لا ندري عنه شيئا، ذلك هو جل ما ترتكز عليه فكرة القصة.
وكعادة زهران، فهو يجنح للإنسانية ويراها الهدف الأسمى لوجود الإنسان على هذه الأرض، وهي السمة التي تجمع أدبه عامة ، فهو هنا ينتصر للوفاء ويجعل مكافأته الكبرى هي الفوز بالحلم، فالبطلة امرأة محبة، لا تمل من انتظار حبيبها في المكان الذي اعتادا اللقاء به، وطال انتظارها لسنوات سبع، كانت خلالها حديث من مروا بها، ومثلا يضرب في الإخلاص والرومانسية، بل إن الكاتب كاد أن يجعل الجماد ينطق بوفائها ويصرخ مثنيا على صنيعها.
امرأة بتلك الصفات هي أمل الإنسانية، وربما أراد الكاتب هنا ألا يجعل للوفاء نهاية، فكانت خاتمة القصة بداية لحكاية وفاء جديدة كان بطلها رجلا ظل ينتظر من أحب حتى بلغ من العمر عتيا، في رسالة واضحة مفادها أن المُثل والمشاعر الإنسانية الحقة ليست حكرا على جنس بعينه، رجلا كان أم امرأة، وأن قيمًا كتلك ستظل بيننا مادامت الحياة.
التناول الفلسفي واستخدام الرمز دون تعقيد، يتمثل جليا في قصتيه "المتجول في الأحلام"، و"المرأة في السحابة"، حيث الولوج إلى أفكار الآخرين والوصول السهل إلى ما يريدون، دون كثير عناء، من روح تحمل من الشفافية ما تحمل، وقلب لا يصبو طوال رحلته سوى لحضن دافئ وحقيقي، بل يصل التناول الفلسفي ذروته في "حيرة الكائن"، وهي قصة تنطلق فكرتها من زاوية مختلفة وجديدة، تبدو عبرها حيرة الروح التي تفارق الجسد، حين يحين الأجل، إلا أن ارتباطها الأزلي به، يجعلها لا ترغب في مفارقته إلا في المكان والزمان المناسبين لهذا الجسد، أو بمعنى أدق الأكثر راحة لها هي، وكأنها صارت والجسد وحدة واحدة، وهو ما يتجلى في قوله: "أتراه ذلك الخيط الرفيع، الذى يشدنى فى أوقات خاصة جدا، يشى بالوحدة مع ذلك الجسد ، وأنه – أنا – بصورة أو بأخرى".
لتنتهي حيرة الروح حين تصل إلى مرفأ أمانها، فتغادر الجسد وهو يسكن بين يدي من أحبها وأحبته، في إصرار مبهج من الكاتب، وربما ليكسر حدة التناول الفلسفي، على أن يضمن فكرته خطًّا رومانسيا وإنسانيا لا مفر منه.
كما يفاجئنا الكاتب عبر مجموعته بأسلوب سردي مختلف، فغالبا ما يكون المتبع أن يصبح الراوي شخصا واحدا يعتمد عليه السرد طوال أحداث أي قصة، خاصة إذا كانت القصة قصيرة وليست رواية ذات فصول متعددة، تسمح بتعدد أنماط السرد، إلا أن الكاتب هنا قد ابتدع طريقة مختلفة في سرد قصته القصيرة، وهو ما يبدو في قصة " أصابعي منك في أطرافها قبل"، فقد استطاع بمهارة يحسد عليها أن يجعل للقصة أكثر من راو، مستخدما هنا مزجا فريدا بين الراوي المتعدد والراوي المشارك، فقد جعل من كل شخوص القصة رواة، يحكي كل منهم جانبه الخاص من الأحداث التي شارك بها، لتتحول القصة إلى أحجية سردية تكتمل مع تصاعد الحدث.
وربما رأى الكاتب هنا أن قصة محملة بكل هذه المشاعر والشجون، لا يمكن أن تعتمد على الكاتب أو الراوي العليم فحسب، فإن كل شخص من شخوص الرواية هو الأقدر وحده دون غيره على سرد مشاعره ووصف ما يحاك بنفسه تجاه المشهد، وهو هنا جعل من كل شخصيات القصة أبطالا ورواة.
ففي البدء تظن أن البطل يحادث كاتب القصة، والبطل هنا كان للكاتب رأي مختلف في اختياره، والذي ربما عارضه القارئ فيه، إلا أنه صرح برأيه علانية عبر قصته، لكنك وبالتمعن في الأحداث تجد تنوعا فريدا في السرد، فتدور الحكايا على لسان الشخوص بسهولة، فلا تشعر كقارئ بارتباك أو حيرة مما قد يتوقع حدوثهما في مثل هكذا سرد، بل ربما تنتابك الدهشة من تلك القدرة الهائلة للكاتب على الاحتفاظ بالدقة المشهدية رغم الانتقال السريع في السرد وتغيير الضمائر وكثرة أسلوب الالتفات.
والأمر نفسه ظهر في قصة "حيرة الكائن"، حيث الراوي المشارك، فاستخدم أسلوب الالتفات بين الراوي العليم، والروح كراوٍ أكثر علما.
أما لغته، فيمتلك زهران لغة يدق بها أجراس المعنى قبل اللغة، فهي على بساطة مفرداتها إلا أنها تلج بانسيابية إلى داخلك وتسحبك سحبا إلى عمق أبعد من المراد.
ولأنه يمتلك روح شاعر، فقد غلبت الشاعرية على مفرداته وتراكيبه، فجاءت العبارات وكأنها سطور من قصيدة طويلة مكتوبة بعناية.
رغم رحيله عن دنيانا، إلا أن محمد عبد المنعم زهران سيظل بإبداعه الباقي منقبًا عن القيم والجمال، وكأنه فيلسوف أو رسام خلق ليبحث عن الخير في النفوس ويؤصل له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.