* عون يخير الحريري: تشكيل الحكومة فورًا أو الرحيل * المحتجون يحاولون اقتحام وزارة الاقتصاد * الدولار يتجاوز 15 ألف ليرة لا يزال يخرج من مجهول إلى مجهول ومن تدهور إلى تدهور، وسط الفشل المتكرر الذي تصر عليه الطبقة السياسية في البلاد، والتي لا تزال تتناحر حول مصالحها القبلية وتعجز عن الخروج بشعبها من الأنفاق المظلمة لإدارتهم الفقيرة. خير الرئيس اللبناني ميشال عون مساء الأربعاء رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بين تشكيل الحكومة بشكل "فوري" أو التنحي عن المهمة التي كُلف بها في أكتوبر. ويأتي ذلك في وقت يزداد فيه تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. بينما أجبر انهيار العملة اللبنانية العديد من متاجر البقالة على الإغلاق مؤقتا خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، لتتفاقم المخاوف من أن يكون البلد شديد الاعتماد على الواردات بصدد عجز وشيك فى المواد الغذائية، وأغلقت بعض متاجر بيع المواد الغذائية أبوابها فى شتى أنحاء البلاد، وأوقفت خدمات التوصيل عبر الإنترنت ووضعت حدودا لطلبات العملاء. وعادت منذ مطلع الشهر الحالي الاحتجاجات إلى شوارع لبنان. وقطع متظاهرون لأيام طرقًا رئيسية في أنحاء البلاد. وتستمر التحركات بشكل شبه يومي، لكن بصخب أقل. قطع محتجون اليوم الأربعاء طرقًا عدة في بيروت ومناطق لبنانية أخرى في ظاهرة تكررت خلال الأسبوعين الماضيين، في وقت حاولت مجموعة منهم اقتحام وزارة الاقتصاد احتجاجًا على ارتفاع الأسعار الجنوني مع تسجيل الليرة تدهورًا قياسيًا. وهوى سعر الليرة إلى 15 ألفا للدولار أمس الثلاثاء، لتفقد ثلث قيمتها في آخر أسبوعين، وهي الآن متراجعة 90% منذ أواخر 2019. أشارت صحيفة "النهار" اللبنانية الى أن الصعود الحارق في سعر الدولار الى ما يتجاوز سقف ال15 الف ليرة، واكبه تطوران سلبيان من خارج الاطار المالي. الأول تمثل في التغطية النيابية التلقائية المستغربة والمستهجنة للسلفة التي طلبتها وزارة الطاقة لمؤسسة الكهرباء بما يشكل واقعيا استسلاما نيابيا معيبا لسياسات الابتزاز، والثاني صورة عشرة صهاريج تنقل نفطا إيرانيا كهبة متجهة الى لبنان عبر الحدود البرية مع العراق وسوريا الامر الذي يثير ما يتجاوز الاستياء الى تساؤلات حقيقية عن معنى افتعال هذا التطور وتداعياته على لبنان. وصباح الأربعاء، تجمّع عدد من المحتجين أمام مقر وزارة الاقتصاد في وسط بيروت، وفق وكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس". وحاول بعضهم اقتحام المبنى، ما أدى إلى وقوع إشكال بينهم وبين القوى الأمنية، بحسب ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام. وقال أحد المحتجين لقناة محلية "نتشاجر مع بعضنا البعض من أجل كيس حفاضات للأطفال أو عبوة حليب" داخل المتاجر، مضيفًا بانفعال "لقد أذلّونا". وتوجه المحتجون لاحقًا إلى الطريق المؤدية إلى القصر الجمهوري في بعبدا قرب بيروت، إلا أن القوات الأمنية والعسكرية منعتهم من إكمال طريقهم. وأقدم محتجون آخرون على قطع طرق رئيسية بالإطارات المشتعلة في بيروت ومناطق أخرى، في البقاع شرقًا وطرابلس شمالًا وعلى الطريق السريع جنوببيروت. وينعكس انهيار العملة المحلية على أسعار السلع والمواد الغذائية وكل ما يتم استيراده من الخارج. وارتفعت أسعار السلع بنسبة 144 في المئة، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي. وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر. وأعلن ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا الأربعاء زيادة جديدة في سعر الوقود تجاوزت الأربعة آلاف ليرة لليتر الواحد خلال أسبوع، وبذلك، يكون سعر البنزين قد ارتفع حوالي 49 في المئة بين 24 يوليو و17 مارس. وعلى وقع شح السيولة ونضوب احتياطي المصرف المركزي المخصص لدعم السلع الاستهلاكية الرئيسية، يحذر خبراء بأنّ "الأسوأ لم يأت بعد"، فيما تعجز القوى السياسية عن تشكيل حكومة تمضي قدمًا بإصلاحات عاجلة لضمان الحصول على دعم المجتمع الدولي. ومن شأن نفاد احتياطي المصرف المركزي بالدولار الذي يُستخدم بشكل رئيسي لدعم استيراد القمح والمحروقات والأدوية، أن يجعل الدولة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات. وبالعودة إلى أزمة عون - الحريري، وذكر عون في كلمة متلفزة "إني أدعوه إلى قصر بعبدا من أجل التأليف الفوري للحكومة بالاتفاق معي"، وأضاف "أما في حال وجد نفسه في عجز عن التأليف وترؤس حكومة إنقاذ وطني تتصدى للأوضاع الخطيرة التي تعاني منها البلاد والعباد، فعليه أن يفسح في المجال أمام كل قادر على التأليف". وأضاف الرئيس اللبناني "دعوتي مصمّمة وصادقة للرئيس المكلّف الى أن يبادر فورًا إلى أحد الخيارين المتاحين". ورغم ثقل الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ عام ونصف، لم تثمر الضغوط الدولية، التي قادتها فرنسا خصوصًا، عن تشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحات ملحة تفسح المجال أمام حصول لبنان على دعم مالي دولي ضروري. واستقالت حكومة حسان دياب إثر انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من أغسطس. وبعد طول انتظار، كلف عون في أكتوبر رئيس الحكومة السابق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري تشكيل حكومة جديدة، ومنذ ذلك الحين، يتبادل الحريري وعون الاتهامات بالعرقلة وبوضع شروط مضادة. وتشير تقارير صحفية إلى أن تشبّث عون وتياره السياسي بالحصول على حصّة حكومية مرجحة هو ما يعيق ولادة الحكومة، رغم أنه ينفي ذلك. كما تتحدث التقارير عن إصرار الحريري على تشكيل حكومة اختصاصيين من 18 وزيرًا، فيما يُطالب عون بزيادة عدد الوزراء، وولم تنجح مبادرات محلية وخارجية حتى الآن في تقريب وجهات النظر. وخلال كلمته الأربعاء، قال عون إن الحريري تقدم إليه "بعناوين مسودة حكومية لا تلبي الحد الأدنى من التوازن الوطني والميثاقية ما أدخل البلاد في نفق التعطيل". وأفاد مصدر دبلوماسي فرنسي الأربعاء لصحافيين "يجب زيادة الضغط إلى حد كبير على القادة السياسيين. سيكون هذا عمل الأسابيع المقبلة"، مضيفًا "لن نتحرك بمفردنا لكن مع شركائنا الأوروبيين ومع الأمريكيين". وأوضح "لم تكن مسألة العقوبات الأولوية في أغسطس وسبتمبر لكن بعد ستة أو سبعة أشهر باتت مشروعة". وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان مرتين منذ انفجار المرفأ وكرر مطالبة القوى السياسية بتشكيل حكومة تتولى الإصلاح، حتى أنه أعلن في سبتمبر عن مبادرة قال إن كل القوى السياسية وافقت عليها ونصت على تشكيل حكومة خلال أسبوعين. وينعكس انهيار الليرة على أسعار السلع التي ارتفعت بنسبة 144 في المئة، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي. وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.