أعطى الدكتور يونس مخيون، رئيس حزب النور للمصريين كافة بدءا من الرئيس محمد مرسى درسا فى الأداء السياسى الرفيع، ففى جلسة الحوار الوطنى الموسع التى انعقدت يوم الثلاثاء الماضى برئاسة الجمهورية وأمام شاشة التليفزيون التى كانت تنقل الجلسة على الهواء مباشرة للشعب كله، لاحظ الرجل بهدوء وحزم أن الكلمة قد أعطيت لأكثر من 20 متحدثا بعضهم ممثلو أحزاب ما زالت تحت التأسيس، فى حين أنه يمثل حزبا كبيرا وتم إغفاله، (والحقيقة أنه يمثل ثانى أكبر حزب فى البلاد بعد الحرية والعدالة) وهدد بأنه لو تم رفع الجلسة وغادر الرئيس الاجتماع قبل أن يتمكن مخيون من إلقاء كلمته فسوف ينسحب، ولأن الرئيس فى الغالب قد فوجئ وخاف من أن الانسحاب سيعطى حجة قوية لمن قاطعوا الحوار أصلا، فآثر أن ينحنى لعاصفة مخيون حتى تمر بسلام، ولكن الواقع أن هذه كانت بداية العاصفة فقط. فبلغة الملاكمة، بادر مخيون مرسى بمجموعة من اللكمات القصيرة المستقيمة القوية المتتابعة، وقبل أن يسترد مرسى وعيه من أثر هذه اللكمات سقط عليه مخيون بالضربة القاضية الفنية التى أطاحت به لعدم التكافؤ. وقال مخيون إنه يتمنى لو أن الرئيس أو الجهات المختصة استوثقت من دستورية قانون الانتخابات المزمع إجراؤها فى أبريل المقبل، حتى لا يفاجأ الناس بعد أن تنتهى مراحلها الأربع بحكم من المحكمة الدستورية يقضى ببطلان القانون، وبالتالى تعود البلاد إلى نقطة الصفر. كذلك قال مخيون إنه يرى أن من حسن السياسة إقالة حكومة هشام قنديل وتشكيل حكومة جديدة محايدة أو حكومة وحدة وطنية تدير البلاد حتى يطمئن الناس إلى نزاهة وسلامة الانتخابات، وأن تكون الإقالة مصحوبة بإصدار سلسلة ضمانات لحرية وسلامة الانتخابات المقبلة وخلوها من التزوير، ولم يقف مخيون عند هذا الحد، بل أضاف أن حالة التوتر السياسى القائمة فى البلاد بين التيارات المختلفة تبرر تأجيل الانتخابات لفترة من الوقت حتى تهدأ النفوس وتتوافق الآراء فتجرى الانتخابات فى ظل أجواء مواتية. وتطرق طبعا بهذه المناسبة إلى مبادرة حزب النور التى ألمحت بشكل قاطع إلى أن جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة التابع لها تعمدوا قتلها، وهى التى كانت تستهدف التأليف بين مختلف التيارات والقوى السياسية وتقليص مستوى الاستقطاب السياسى بعدة إجراءات منها إقالة النائب العام، تعديل الدستور، إقالة الحكومة، الحرص على ضرورة التوافق بين كل التيارات السياسية بخصوص قانون الانتخابات. إلى هنا كان الحديث الذى أدلى به الدكتور مخيون قويا، ولكنه لم يتعد مجرد أن يكون طبق المشهيات وفاتح الشهية قبل الطبق الرئيسى للوجبة، وفى الواقع أن هذا الطبق جاء مفاجأة كاملة أذهلت الجميع، وألقمت الإخوان والدكتور مرسى حجرا، تحدث مخيون بهدوء وعلى وجهه ابتسامة اطمئنان ليخفف من وقع قنبلته المقبلة، فقال إن لديه معلومات موثقة تتحدث بالأسماء والأرقام عن قيام جماعة معينة وحزب معين بتعيين قيادات إدارية عليا فى مستوى مساعدى الوزير ورؤساء قطاعات ومديرى المديريات فى ثمان وزارات على الأقل، منها الوزارات الخدمية، وأن هناك حزمة تعيينات واسعة فى أكثر من 13 محافظة من أنصار ذات الحزب وذات الجماعة فى مستوى مديرى المدن والمراكز والإدارات، وقال إنه سيسلم مرسى بعد انتهاء كلمته هذه، النص الكامل للتقرير الذى أعده حزب النور لهذا الموضوع، وأنه يشمل الأعداد والأسماء والوزارات والمحافظات والمراكز والبنادر والقرى، وأوضح أنه يرى أن الانتخابات المقبلة ستكون "مسخرة" لصالح حزب معين، وأنه يشعر بأسى وحزن عميق لأن الحزب المعين والجماعة المعينة تتصرف بنفس أسلوب الحزب الوطنى المنحل قبل الثورة فى تزييف وتزوير الانتخابات قبل أن تجرى، وذلك بوضع رجال الإدارة الموالين له ومن أنصاره فى أماكن تتيح لهم التلاعب بالنتائج بسهولة. تخيل فقط أن مخيون قال هذا للرئيس مرسى وجها لوجه وعلى الهواء مباشرة فى كل محطات التليفزيون وفى اجتماع عام فى القصر الجمهورى، تخيل أيضا أن مخيون قال هذا كله دون أن يصرخ أو يهتف بسقوط حكم المرشد ودون أن يدعى لمليونية وقف أخونة الدولة فى ميدان التحرير ودون أن يدعو الناس للتظاهر عند قصر الاتحادية وقصفه بالأحجار والمولوتوف، لقد استخدم مخيون فى هجومه المدمر على جماعة الإخوان مجرد كلمات بسيطة مهذبة هادئة ومجموعة أسماء وعدة أرقام فقط لا غير. أعتقد أن مرسى وكل جماعة الإخوان المسلمين وحزبها كانوا يتمنون لو أن مخيون لجأ إلى أسلوب جبهة الإنقاذ فى مقاطعة دعوات الرئاسة للحوار والدعوة إلى المليونيات التى أدمنتها الجماعات الثورية فى مختلف ميادين البلاد، وإلى ترديد الكلام الكبير فى محطات التليفزيون وبرامج التوك شو عن الدستور والقانون.. إلخ، الواقع أن مخيون بلغة تلميذ المدرسة "عمل الواجب" بشكل دقيق، فقد ذاكر الدرس جيدا وأجاب عن كل أسئلة التمرين كتابة لا شفاهة، وقرأ إجاباته بشكل مفهوم ومسموع على مرأى من الجميع، ويستحق وبجدارة أن يأخذ عشرة من عشرة. فقد أعطى مخيون للجميع درسا فى كيف تكون المعارضة السياسية المفهومة للكل، والتى تستطيع أن تعبئ الجماهير من حولها بسهولة، فمن الذى لم يفهم ماقاله مخيون؟ بدءا من المواطن البسيط الذى لا يعرف القراءة والكتابة، وانتهاءً بعالم الجامعة وأستاذ الفلسفة، فمعنى كلام الدكتور مخيون أن جماعة الإخوان المسلمين وخلال فترة زمنية قصيرة قد انتقلت من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، وإن هذا الانتقال السريع سيؤدى إلى تحول عناصرها إلى قطط سمان تتمتع بامتيازات وثروات كبيرة بحكم مواقعها فى مختلف مناصب الدولة وبالتالى يصيبها الفساد وتتحول هى نفسها إلى تنظيم مترهل عاجز عن جذب الأنصار إليه. جعلنى مخيون للحظة من الوقت أشك فى نفسى، هل الذى أراه رئيس حزب مصرى أم رئيس حزب بريطانى أو فرنسى أو ألمانى أو إيطالى، فتلك هى المعارضة فى أفضل صورها، الإمساك بالحزب الحاكم متلبسا بمخالفة كل القواعد والقوانين المعمول بها فى البلاد، وطرح قضيته بكل بساطة على رءوس الأشهاد، وترك المسألة مفتوحة لكل ذى عقل لكى يقرر ما يريد. ولو كان لدينا مجلس شورى محترم وقوى يستحق هذا الاسم ويستحق أن يتمتع بالصفة التمثيلية عن الشعب المصرى لكان بادر على الفور لعقد جلسات استماع حول تقرير الدكتور مخيون عن الأخونة فى الدولة المصرية، ولتم استدعاء قيادات الحرية والعدالة وجماعة الإخوان والمحافظين والوزراء والمعينين الذين وردت أسماؤهم فى التقرير لسؤالهم بالتفصيل عما جرى، وكيف ولماذا فى هذا التوقيت؟ وهل صحيح أنهم تم اختيارهم بسبب كفاءتهم ومهارتهم فى العمل على حد قول مراد على المتحدث باسم الإخوان؟ أم لأن الإخوان ينتظرون منهم القيام بدور فى التلاعب وفى التأثير على الانتخابات المقبلة أو على الأقل التأثير على الناخبين لصالح الإخوان!!. للأسف الشديد لم يعبأ مجلس الشورى بقنبلة مخيون، وحاول طبعا تجاهلها، ومن حقه أن يفعل، فالإخوان يسيطرون عليه، ولكن مالا يمكن تفهمه، هو لماذا تجاهلتها جبهة الإنقاذ والتيارات والقوى السياسية المعارضة؟ فهى لو قامت بإجراء تحقيقات كاملة حولها لكان ذلك فى حد ذاته قد تحول إلى فضيحة حقيقية لجماعة الإخوان على الهواء تهز صورتها بقوة، وتصيبها بزلزال لا تحمد عقباه، ولجرت سلسلة إقالات واستقالات ومحاكمات قضائية وتأديبية للعشرات من أعضاء الجماعة.. لماذا السكوت؟ هل لأن حزب النور هو الذى فجر القنبلة؟ حتى لو كان الأمر كذلك، فمن الممكن للجميع أن يستفيد من إثارة القضية، بدءا من الإخوان أنفسهم، إذ يمكنهم بذلك تعرية وكشف ومطاردة الفساد الكامن فى صفوفهم وعقولهم، وفتح الجماعة وتنظيماتها للهواء النقى بعد سنوات طويلة من العمل فى الظلام تحت الأرض. ثم إن علاقات النسب والمصاهرة والأخوة بين الكثير من أعضاء الجماعة وقياداتها أصبحت تمتد إلى داخل الدولة بدعوى أنها صارت الجماعة الحاكمة، فرئيس مجلس الشورى، دكتور أحمد فهمى زوج شقيقة الرئيس مرسى، وهناك علاقات أخوة بين الكثير من المتحدثين، مثل مراد على وشقيقه، وعصام الحداد وشقيقه، وخيرت الشاطر وحسن مالك وأقاربهما. ويبقى أن نذكر أن حزب النور بإثارة هذه القضية يثبت أنه يتحول من مجرد لجماعة سلفية إلى حزب سياسى حقيقى، يفهم ما هى السياسة وماهى المعارضة وكيف تكون، ولعله يكون من المفيد أن نذكر الناس بأن المهم فى الانتخابات النزاهة، وليس مجرد الفوز ولو بالتزوير، فالتاريخ المصرى يذكر أن يحيى باشا إبراهيم، الذى كان رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية فى يناير 1924، خسر فى الانتخابات فى دائرة منيا القمح بالشرقية أمام المحامى الشاب كامل مرتجى الذى فاز عليه لأنه كان يمثل حزب الوفد المصرى، ورغم ذلك فمازال التاريخ المصرى يذكر يحيى إبراهيم كعنوان على النزاهة والشرف. المزيد من أعمدة حازم عبدالرحمن