أكدت دار الإفتاء في فتواها بشأن شركة "كيو نت"، أنه تبين أن للتسويق الشبكي والهرمي تأثيرات اقتصادية واجتماعية واسعة المدى بعد ازدياد الشكوى منها، ولذلك أحجمت دار الإفتاء عن استمرار الفتوى بحلها حتى تستجمع المعلومات المتاحة حول هذه المعاملات. وقالت الأمانة في فتواها التي قامت بنشر تفاصيلها على موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت لتوضيح أسباب تحريم هذه المعاملات خاصة بعد احتجاج مندوبي شركة "كيو نت" بالأمس أمام دار الإفتاء ومنعهم فضيلة المفتي من الخروج، أنها اجتمعت تحت هذا الصدى بالأطراف ذات الصلة بهذه المعاملات حرصًا على الاطلاع المباشر لكل تفاصيلها. وأوضحت أمانة الفتوى، أنها قابلت مسئولاً عن تسويق إحدى المعاملات التسويق الشبكي بإحدى الشركات الممارسة لها في الشرق الأوسط لبيان الإجراءات التي تتم من خلالها المعاملة وتوضيح بعض مواطن الغموض في ممارستها. كما قابلت بعض الأطراف المعارضة لممارسة هذا النوع من المعاملات للوقوف على أسباب رفضهم لممارستها، إضافة إلى بعض خبراء الاقتصاد والاجتماع لبيان هذه الجوانب التي تتعلق بها سلبًا وإيجابًا. وتبين لأمانة الفتوى بعد هذه الاجتماعات أنه لابد من التقرير والتأكيد لأصول وأسس مهمة تكشف عن أهم ملامح سياق هذا النوع من المعاملات من أهمها، أن الراجح لدى خبراء الاقتصاد عدم التفرقة بين التسويق الشبكي والهرمي، الذي تقوم عليه شركة "كيو نت"، مما يؤدي هذا إلى عدم توفر الحماية الكافية للمشتري المسوق كما يشير إليه واقع هذه المعاملات، بل يذهب بعضهم إلى انعدامها كليًا مما يسهل وقوع التحايل فلا يوجد قوانين مسنونة لتنظيم التعامل بها. وأضافت أمانة الفتوى، أن مؤشرات التحليل الاقتصادي لهذه المعاملة تكشف عن أمور ذات واقع سلبي أهمها غياب الرقابة المالية، والتأثير السلبي على الاقتصاديات المحلية وذلك يتضح في جانبي الإنتاج وحجم الادخار من العملة الأجنبية، بالإضافة إلى الأثر الخطير على منظومة القيم في المجتمعات من خلال التشجيع على الاستهلاك غير الرشيد وعلى الاتجاه نحو الكسب السريع الذي لا ينتج عنه تحسين في الإنتاج. وأكدت أمانة الفتوى أن من أهم المعاني التي تجعلها حرام شرعًا مخالفتها لصحة المعاملات المستحدثة، ومنها اشتراط حفاظ المعاملة على اتزان السوق وهو الشرط الذي من أجله حرم الشرع الاحتكار وتلقي الركبان مما يجعل هذه المعاملة ذات تأثير سلبي على السوق. وكذلك تحقيق مصلحة المتعاقدين، حيث إن مصلحة المشتري المسوق تزيد نسبة المخاطرة فيها بشكل واضح نتيجة صعوبة تحقق شرع العائد المادي للتسويق. هذا إضافة إلى فقدان الحماية لمن يمارس هذه المعاملة من الناحيتين الاقتصادية والقانونية، مما يجعل المشتري المسوق يتعرض لخطر كبير متولد من عدم وجود تشريع ينظم العلاقات ببين الشركة البائعة والمشترى، إضافة إلى أن الطريقة التي تجرى بها هذه المعاملة تعتبر مجرد وسيلة لكسب المال السريع لا أكثر سواء بالنسبة لصاحب الشركة أو للعملاء والسلعة لم تعد هي المقصودة في عملية الشراء، بل أصبحت سلعة صورية وجودها غير مؤثر. واستشهدت الفتوى بما قاله جمع من الفقهاء بإعمال المعاني والأخذ بها في العقود التي يقوى فيها جانب المعنى قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" : وزعم أن الصحيح مراعاة اللفظ في المبيع لا المعنى غير الصحيح، بل تارة يراعون هذا وتارة يراعون هذا بحسب المدرك"، وبناء على ذلك كله أكدت الفتوى أن هذه المعاملة تكون بهذه الحال المسئول عنها حرام شرعًا لاشتمالها على المعاني السابقة خاصة بعد أن ثبت لدى أهل الاختصاص أن شيوع مثل هذا النمط من التسويق يخل بمنظومة العمل التقليدية التي تعتمد على الوسائط المتعددة وهو في ذات الوقت لا ينشئ منظومة أخرى بديلة منضبطة ومستقرة ويضيق فرص العمل. كما وجد أن هذا الضرب من التسويق قد يدفع الأفراد إلى ممارسات غير أخلاقية من كذب الموزع أو استخدامه لألوان من الجذب يمكن أن تمثل عيبا في إرادة المشتري كالتركيز على قضية العمولة وإهدار الكلام عن العقد الأساسي وهو شراء السلعة. ولفتت أمانة الفتوى إلى أنها سبق أن نبهت في الفتوى السابقة بشأن هذه المعاملة إلى أن خلوها من هذه المحاذير شرط في حلها فحصل اللبث بعدم الالتفات إلى هذه القيود. وقد تبين لأمانة الفتوى بعد دراسة واقع هذه المعاملة أنها مشتملة على هذه المحاذير التي تمنع حلها وهذا ما دعاها إلى الجزم بتحريمها صراحة فلا يحل التعامل بها حينئذ لعدم سلامتها من هذه المحاذير، حيث لا توجد الحماية القانوينة والاقتصادية للمشتري المسوق وحيث تحققت فيها الصورية في السلعة محل التسويق التي صارت مجرد وسيلة للاشتراك في النظام وليست مقصودة لذاتها ولا محتاجا إليها بالفعل وأصبح إخلالها بمنظومة العمل التقليدية واقعا صعبا ملموسا يحتاج إلى علاج حقيقي وحاسم.