بات أمر إرهاب جماعة الإخوان المسلمين ومليشياتها المؤيدة من جماعات وتيارات وأحزاب الإسلام السياسي، قناعة حقيقية في حوارات المصريين، فهؤلاء من وجهة نظرهم لن يتركوا الحكم إلا ببركة دم تمتد بطول مصر وعرضها، يملكون الأسلحة الخفيفة والثقيلة على السواء، ويملكون المليشيات المدربة والقدرة على تجنيد المزيد باسم الدين، ولولا ذلك يقول مصريون لما رضخ لهم المجلس العسكري وتجاوز عن جرائمهم وخروقاتهم، ومن ثم سلم لهم السلطة. وكذا يفعل وزير الدفاع الحالي ومجلس الدفاع الوطني، وأن هذا الرضوخ للعسكر ليس خوفا من الجماعة وتسليحها ولكن خوفا على المصريين وما يمكن أن يصيب الوطن ويحوله إلى ساحة حرب. يدرك المصريون وضع المؤسسة العسكرية والجيش المصري، ويقدرون له وطنيتها وخوفها على مستقبل البلاد، لكنهم في ذات الوقت يرون أن إعلانه مقاومة هذا الانهيار للدولة فرض وطني، يحتم عليه التدخل للحيلولة دون استمراره، فقد تكشفت الأمور وأصبح واضحا للعيان أن من يدير البلاد مكتب الإرشاد في المقطم وقياداته التي تسيطر على القصر الرئاسي، وأن إدارتهما متخبطة لا تحكمها رؤية كونها لا تضع مصر والمصريين ضم أولويات ولائها، وأن ما يهمها هو القبض على مفاصل الحكم من أجل دعم ومساندة التنظيم الدولي للجماعة وأهدافه. تدرك المؤسسة العسكرية أن استمرار التخبط في إدارة البلاد أصبح أمرا يشكل خطورة حتى على وجودها، فالعنف الذي تمارسه الجماعة وتحرض عليه سواء من خلال قياداتها ودعاتها في المساجد والجوامع أو قياداتها المسئولة في العديد من الوزارات والمحافظات، سوف يدفع المصريين لقتال بعضهم البعض، بل قد يدفعهم للدخول في مواجهة مع جيشهم. إن دعوات الحوار التي أطلقتها رئاسة الجمهورية ظلت دعوات وحوارات عقيمة بعد أن فوجئت الجماعة أنها تدعو وتحاور نفسها وأنصارها وسط رفض من قبل الأحزاب والتيارات الوطنية المعارضة، حيث تأكد بشكل قاطع أن هذه الدعوات والحوارات شكلية "لا تحل ولا تربط"، وتستهدف مجرد تجميل لصورة النظام الإخواني وتأكيد شرعيته المفقودة لدى قطاع لا يستهان به من المصريين. لكن الأمر الأخطر الذي ينبغي أن تدركه المؤسسة العسكرية وسط كل هذا التردي، أن أنصار الجماعة بدأت اللعبة على الإيقاع بين الأخوة الأقباط والمسلمين، وأن هناك تداولا في الشارع المصري لأقاويل تتهم شباب البلاك بلوك، أنهم جماعات مسيحية مسلحة يقودها مسيحي، وأن بعض الشيوخ من مؤيدي الجماعة هددوا تهديدا صريحا الأخوة الأقباط بالقتل سواء كانوا رموزا أو مواطنين عاديين. الأدهى والأمر أن تخرج وزارة الأوقاف التي يترأسها وزير ينتمي للجماعة لتدعو المواطنين حماية المساجد والجوامع، مما يحمل مؤشرا أنها مستهدفة، وهل تستهدف الجوامع والمساجد من مسلمين؟ الإجابة بلا، إذن هي مستهدفة من الأخوة الأقباط. وبناء على حالة التحريض المتواصلة ولدت حركة مسلحة تطلق على نفسها "كتائب مسلمين" التي أصدرت بيانا عجيبا وجه فيه رسالة فظة إلى جميع المعارضين وخصت جبهة الإنقاذ الوطني والأقباط، مطالبة إياهم بالعيش في سلم وهدوء تامين والقبول بأن يحكموا بشرع الله وأن يقوموا بدفع الجزية وإلا سيكون مصيرهم الموت إذا حاولوا أن يثيروا الفتنة في البلاد ويسعوا في الأرض فساداً. لقد جرّت الجماعة كافة الأطراف للمواجهة العنيفة، بعد أن قررت استخدام العنف ضدها وورطت وزارة الداخلية في مواجهتها، مما فجر أعمال عنف لا تزال تتواصل مع سقوط القتلى والجرحي في العديد من المحافظات. إن دلالات كل ذلك خطيرة لن تدفع للفتنة بين المسلمين والمسيحيين فقط، وقتال المصريين بعضهم بعضا، ولكن أيضا ستضع مؤسسة الجيش في مواجهة مع كافة الأطراف باعتبارها حامية الأمن القومي المصري، لذا فإنها أمام خيرين الجماعة أو مصر، لأن استمرارها على الصمت إزاء القمع والعنف والاستبداد والتخبط الذي تمارسه إدارة الجماعة بين المقطم والاتحادية، سوف يفك البلاد ويضعها في مواجهة مع خطر التقسيم والاقتتال مع كافة الأطراف. ليس في الوقت بقية أمام مؤسسة الجيش لكي تتخذ قرارها إما الجماعة وإما مصر، وليس تحريضا القول أن كافة الدلائل والمؤشرات تحمل الجماعة مسئولية الخراب والتردي الجاري في مصر، وأن هذه الدلائل والمؤشرات أصبحت واضحة للعيان وتحت أيدي الجميع موثقة بالصوت والصوت والتصريحات والحوارات الإعلامية والصحفية. الجماعة أو مصر، ليس ثمة خيار ثالث أمام مؤسسة الجيش، بعد أن أثبت الرئيس محمد مرسي أنه رئيس لأهله وعشيرته في مكتب الإرشاد وليس لمصر وشعبها على اختلاف طوائفه، ومراجعة كافة قراراته منذ تولى الحكم تؤكد ذلك، تؤكد أن الأمر لم يعد مصر وشعبها ومستقبلهما، وإنما تمكين الجماعة والتنظيم الدولي لها.