قضية من هو إسلامي ومن هو غير إسلامي حسب المفهوم المقلوب الذي يرسخه المنتمون " مجازا" " للمنهج الاسلامي، هذه القضية تحتاج إلي وقفات . فالموضوع ليس فقط المنهج والتطبيق ولكن كيفية فهم هذا المنهج في الأساس فمن الواضح أنه لا يوجد فهم واحد للمنهج بل هي أفهام تتعدد أحيانا" بتعدد المتلقين لهذا المنهج فدعونا نتفق أولا" أنه لا يوجد منهج واحد لمن يسمون أنفسهم بالإسلاميين وإلا لما تشتتوا فرقا" وأحزابا" ، وبالتالي فلا يمكن إتهام فريق بأنه لا يتبع المنهج من هذا المنطلق هذا أولا" . ثانيا": لا يوجد منهجية ولا عقلانية في تجمع أولئك الإسلاميين مع بعضهم البعض ولكنها العصبية المقيتة للجماعة مهما تنكبت عن الحق أو إنحرف بها الهدف فأصبح أفرادها يعملون بمبدأ إنصر أخاك ظالما أو مظلوما بالمعني الحرفي للكلمات وليس بالمفهوم النبوي فلم يعد يوجد تناصح بينهم وبين بعضهم البعض علي المستوي المنهجي فضلا" عن السلوكي فقد يجد البعض منهم البعض الآخر منحرفين عن جادة الصواب منهجيا" - مثلا" كالوقوف إلي جانب الضعيف و المظلوم المغاير في العقيدة بسبب ظلم واقع عليه أو عنت يواجهه - فلا ينصحونهم ولا يأطرونهم علي الحق أطرا" وإنما ينساق الجميع وراء بعضهم البعض كالقطيع . إذا مفهوم تقسيم الناس بين إسلاميين وغير إسلاميين غير منطقي وغير عملي وغير صحيح بالمرة فهو فرية إخترعها الإسلاميون لتشتيت الصف سواءا" برغبة مباشرة منهم أو برغبة ايادي أخري توجه رؤوسهم من بعد لهدف ما . فهوانا جميعا" كمسلمين إذا ما أخلصنا القول وأتبعناه بالعمل تطبيق منهج وشرع الدين في الحياة ولكن كل منا بمفهومه عن هذا المنهج فهناك من يظن أن الأصل في الدين هو الحث علي الفضائل وإجتناب النواهي وتطبيق ظاهر الدين من حدود وخلافه ومنع الموبقات كالخمور والزنا والفواحش ويتناسوا . للأسف الاصل الذي جاء مع المنهج وهو ترسيخ حرية الفرد في التعبير عن نفسه لدرجة تصل إلي حريته في إختيار عقيدته وليس فقط رفضه لتطبيق الشرع علاوة علي مفهوم العدالة ومساواة في الحقوق والتعاون علي البر والتقوي كالتكافل و إغاثة الضعيف ونجدته وأخذ الحق من القوي له وهكذا من القيم والمثل العليا للدين وليس المفهوم البسيط في النهي عن الفواحش وهكذا . إذا" فهناك إختلاف في النظر إلي المثل العليا التي جاء بها الدين في نظر كل طرف وللاسف بسبب جهل الإسلاميين أو لنقل من ينتصرون لمنهج تطبيق ظاهر الدين وليس جوهره إصطنعوا العداوات مع المطالبين بتطبيق جوهر الدين في حقيقته - وإن لم يكونوا يصرحون بذلك صراحة لجهل منهم أو لعدم رغبة في ممارسة الرياء بإسم الدين - فإتهموهم بالعلمانية والليبرالية والإشتراكية وحاولوا أن يسيئوا لتلك المصطلحات وإن كانت نشأت في الأصل لتحقيق العدالة الإجتماعية التي هي أصل من أصول الدين وتغافل عنها الإسلاميون للأسف فتبناها غيرهم من المسلمين . ناهيك عن تدخل أطراف أخري من ذوي المصالح سواء من الداخل أو الخارج لتأجيج تللك الفتنة المصنوعة والمصطنعة بين الطرفين ولنسمهما حسب ما ذكرت سالفا" باسمائهم الحقيقية وهم من يريدون تطبيق ظاهر وشعائر الدين برفع الشعارات الدينية ومن يريدون تطبيق جوهر الدين بدون رفع شعارات دينية ، هذا هو التقسيم الحقيقي بين الفئتين وليس كما يحاول الإسلاميون الترويج له بأنهم هم وحدهم الأوضياء علي الدين وهم وحدهم من ينتصرون له وهكذا وهذا خطأ جوهري في المنهج والأسلوب وليس صحيحا" بالمرة . من هنا أقول أننا يجب علينا بناء الفرد العاقل الفاهم الواعي وننبذ كل ما من شأنه تحويله إلي إنسان مغيب لا يفكر ولا يتأمل ولا يزن الأمور في سبيل سوقه كالقطيع ،وهذه النظرة إلي الإنسان أو الفرد أجد أيضا" أن من يسمون أنفسهم بالإسلاميين أكثر من يتبناه - اي منهج القطيع الغير مفكر والمنساق وراء شيخ أو عالم أوفقيه يسيرون خلفه بلا وعي ولا فكر ولا تأمل . بينما علي الطرف الآخر نجد أن من يشكل الغالبية العظمي منهم هم من المفكرين المتأملين ذوي العقل والبصر والبصيرة في الأساس والذين هداهم تفكيرهم وتأملهم إلي مكانهم في وسط هذا الفصيل وليس شيئا" آخر ويظل دائما" أصحاب العقول المفكرة والعاملة أفضل حالا" من أصحاب العقول المعطلة الغير مفكرة والخاملة حيث يسهل التفاهم معهم بشكل منطقي وإيجاد مساحات مشتركة بيننا وبينهم عمن يسيرون كالقطيع وراء شيخ أو إمام . أيضا" من أحد الأخطاء التي يرتكبها الإسلاميون وأقصد بذلك مشايخهم وقادة الرأي فيهم - والباقي مجرد قطيع كما ذكرنا وإن ظنوا غير ذلك فهم لا يستطيعون مواجهة مشايخهم مهما ألحت عليهم ضمائرهم في بعض المسائل - هو ترسيخهم لمبدأ أنهم سيبعثون كما هو حالهم في دروسهم وتجمعاتهم كجماعات وليس حسب ما جاء بالنص القرآني " وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " حتي لو رددوا تلك الآيات مرارا" وتكرارا" بدون فهم أو تفسير حقيقي. فيظنون أنه من ينضم لهم جسمانيا" فهو في مأمن من عقاب الله مهما كان سلوكه علي المستوي الفردي والشخصي وإصطنعوا لذلك شكلا" موحدا" للإسلامي وهو من له ذقن ويلبس الجلباب القصير وهكذا فاصبح الشكل الظاهري هو ما يعلن الإنتماء القلبي وليس العكس بينما الدين الحقيقي يخاطب القلوب والألباب ويهذب الوجدان وليس شرطا" أن من ظهر متلبسا" بالمظهر الإسلامي أن يكون علي جادة الصواب فهذا الموضوع لا يعلمه إلا الله وهو سر بين العبد وربه فمثلا" يخاطب الشيخ من لديه بالمسجد كلهم علي نفس الشاكلة والمستوي فيفترض إفتراضا" أن من معه هم جماعة المسلمين ومن ليسوا معهم أو بالمسجد هم المارقين الخارجين عن صحيح الدين فيكثر من ذكر "نحن" و "هم ". فيمتدح "نحن "وينتقد "هم "فيظن العامة والسذج المجتمعين حول الشيخ أن نحن هذه هم من داخل أسوار المسجد من اتباع الشبخ والذين يجمع لهم كل الفضل ويعتبرهم هم المخلصين من عباد الله والدليل أنهم جالسون يستمعون له بينما "هم" في مصطلحه يكونون من المارقين عن صحيح الدين والمنحرفين عن جادته كما يصور لهم الشيخ وهم بالطبع الغير متواجدين داخل سور المسجد في تلك اللحظة وبالتالي يشعر الفرد المنضم إلي هكذا تجمعات بأن وجوده في حد ذاته وسطهم سينجيه وليس ما يأتيه من أعمال أو ما يتبعه من سلوكيات وكأن صكوك الغفران قد عادت مرة أخري ليمسك بها مشايخ الإسلاميين بعد أن كانت في أيدي القساوسة والرهبان في أوروبا في القرون الوسطي ....فيدخلون من يشاءون في رحمة الله ويخرجون من يشاءون كذلك من رحمته . هذا بإختصار هو التقسيم الحاصل الآن بين هذا التيار ومن خالفهم فهو ليس تقسيما" حقيقيا" منبنيا" علي منهج صحيح الدين والشرع كما كان الحال علي عهد النبي بين فريق مؤمن وفريق كافر كما يتصورون . بل هو تقسيم مصطنع إصطنعه الإسلاميون ليبرروا عدائهم لمن لا يتبع نهجهم ويخرجوه عن الملة وعن جادة الصواب مهما أتي من أعمال حسنة وخيرة وكان قدوة علي المستوي الشخصي طالما لم يذعن لهم أو ينضم لهم علي المستوي الجسماني والمادي . فلو نظرنا إلي جوهر وحقيقة الدين لوجدنا الأمر وكأنه معكوس ...أي أن من ينتصرون للدين بمثله العليا ومنهجه الحقيقي الذي أراد به الله إعلاء قيمة الفرد والإنسان ليصبح قادرا" علي أن يستخلف في الأرض بشكل حقيقي وفاعل نجد أكثرهم من الفصيل الذي لا يدعي الإسلاماوية بينما من إكتفي بالشعارات دون التطبيق الحقيقي للمنهج وداعب مشاعر البسطاء بإسم الدين ولم يلتفت أساسا" إلي معاناتهم . لم يستهويه منهج بناء الفرد علي المستوي الإنساني ليكون في صالح قضية الإستخلاف هم بالأكثرية ممن يرفعون الشعارات الدينية وينتمون إلي ما يسمي بالإسلاميين أو من ينتمون إلي المنهج الإسلامي شكلا" وليس موضوعا" ، تلك هي القضية الحقيقية في الفصل بين الفريقين وليس كما إعتدنا أن ننظر إليها في المجمل .