وقعت عدة أحداث تاريخية في مثل هذا اليوم 15 رمضان، وكان من أهمها تولي محمد بن أبي بكر على مصر عام 37 هجرية. محمد بن أبي بكر الصديق ولد في زمن حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع تحت الشجرة عند حرم الكعبة الشريف، وأمه السيدة أسماء بنت عميس زوجة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه التي تزوجها بعد مقتل زوجها الأول "جعفر بن أبي طالب". كانت مصر في عهد عثمان محكومة بخلافة الصحابي عبد الله بن سعد بن أبي السرح "رضي الله عنه"، لكنه أُخرج منها أثناء حصار عثمان في الدار وقتله، ثم دخل عهد علي بن أبي طالب بن أبي طالب فولى على مصر بعد مقتل عثمان، الصحابي قيس بن سعد بن عبادة، فخطب في الناس خطبة أنه الوالي الجديد عليهم ودعاهم لبيعة علي بن أبي طالب، فاستقامت له طاعة كل بلاد مصر، إلا قرية تسمى "خربتا" كان أهلها من أنصار معاوية وعمرو وعثمان، وظل أهل خربتا على ثباتهم بنصرة معاوية وجيشه إلى زمن ابن أبي بكر ورفضوا الاستسلام لبيعة علي إلى أن نصر الله عمرو وجنده لما دخل مصر. وكتب الإمام علي حينما علم بذلك إلى قيس بن سعد بن عبادة أن يغزو أهل خربتا الذين تخلفوا عن بيعة علي، فبعث قيس إلى على يعتذر له بأنهم أعداد كثيرة وهم وجوه الناس، فكتب إلى علي: "إن كنت إنما أمرتني بهذا لتختبرني لأنك أئتمتني، فأبعث على عملك بمصر غيري، ثم توجه قيس إلى المدينةالمنورة وسار منها هو وسهل بن حنيف إلى الإمام علي في العراق فاعتذر قيس لعلي فعذره علي، وشهدا مع الإمام علي معركة صفين بعد ذلك". وبعث الإمام علي على إمرة مصر بدلا من قيس بن يعد بن عبادة، مالك بن الحارث الاشتر النخعي، فسار إلى مصر الأشتر، فلما وصل للقلزم استقبله الخانسار وهو مقدم على الخراج فقدم إليه طعاما وسقاه شربة من عسل مسموم فكان موته بسببها، فلما علم معاوية وعمرو ذلك قالا إن لله جنودا من عسل! ودفن الأشتر في حي المرج "حاليا" جنوب غرب القاهرة ويُعرف مرقده بمرقد "سيدي العجمي". وبعث الإمام علي محمد بن أبي بكر الصديق على إمرة مصر، وبعث له برسالة يوصيه بأهل مصر قائلًا له: "أخفض لهم جناحك وألن لهم جانبك وابسط لهم وجهك وانس بينهم في اللحظة والنظرة"، إلى أن قال: "واعلم يا محمد بن أبي بكر أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي، أهل مصر فأنت محقوق أن تخالف على نفسك "أي مطالب بحق بمخالفتك شهوة نفسك"، وأن تنافح عن دينك "أي تدافع عن دينك" ولو لم يكن لك إلا ساعة من الدهر، ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه فإن في الله خلفا من غيره وليس من الله خَلَفٌ في غيره "أي إذا فقدت مخلوقا ففي فضل الله عوض عنه ، وليس في خلق الله عوض عن الله". وظل محمد بن أبي بكر بمصر قائم الأمر مهيبا بالديار المصرية حتى كانت وقعة صفين ، وبلغ أهل مصر خبر معاوية ومن معه من أهل الشام على قتل أهل العراق وصاروا إلى التحكيم، فطمع أهل خربتا بمصر في محمد بن أبي بكر واجترؤوا وبارزوه بالعداوة واستفحل أمرهم حين انصرف علي من صفين فجمع معاوية أمراءه فقال لهم إنه يريد أن يسير للديار المصرية فاستجابوا له وقالوا: "سر حيث شئت فنحن معك"، فعين نيابة مصر لعمرو بن العاص مرة أخرى بعدما خرج منها سابقا ففرح عمرو بذلك. فجهز معاوية عمرو في 6000 رجل وأوصاه بدعوة الناس إلى الصلح والجماعة وتقوى الله والرفق والمهل والتؤدة وأن يقاتل من قاتله ويعفو عمن أدبر. فدخل عمرو مصر بجيشه وأبلغوا أهل خربتا بقدومهم ثم كتب عمرو بن العاص إلى محمد بن أبي بكر، والي مصر، بأن تنحى فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر وأذى، فإن الناس قد اجتمعوا بمصر على خلافك ورفض أمرك، وندموا على اتباعك فاخرج منها فإني لك لمن الناصحين. وبعث محمد بن أبي بكر إلى علي وأعلمه بقدوم عمرو لمصر في جيش من قبل معاوية بن أبي سفيان "فإن كانت لك بأرض مصر حاجة فابعث إلى بأموال ورجال"، فلما قرأ علي كلام ابن أبي بكر كتب إليه يأمره بالصبر وبالمجاهدة وأنه سيبعث إليه الرجال والأموال ويمده بما أمكنه من الجيوش، ثم كتب ابن أبي بكر لمعاوية وعمرو كتابين فيهما غلظة في القول ورفض التسليم. ثم خطب ابن أبي بكر في الناس فحثهم على الجهاد ومناجزة من قصدهم من أهل الشام. وفي النهاية، هُزم جيش ابن أبي بكر الصديق ومن معه من جيش أشد القتال إلى أن قُتلوا ودفنوا بمصر وكان ذلك سنة 38ه و كان محمد بن أبي بكر الصديق حين قُتل شاب فكان عمره أقل من ثلاثين سنة. وقطعت رأس محمد بن أبي بكر الصديق ودفنت قرب مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط بمصر القديمة في القاهرة، وأما جسده فيُختلف في موضعه فقيل بالدقهلية وقيل بالقاهرة قرب مسجد الحسين والجامع الأزهر.