خمسة وستون عاما مضت على بطولة أجدادنا من ضباط الشرطة البواسل الذين وقفوا بأسلحتهم غير المتكافئة أمام جبروت الاستعمار الإنجليزى، وظلوا يدافعون بصدورهم ويتساقطون دفاعا عن أرضنا وكرامتنا بكل الرضا والصمود، وغرسوا تلك القيم والمبادئ فى الأجيال المتعاقبة من رجال الشرطة. ولكن بكل أسف يتحملون أخطاء الحكومات، وأخطاء المحكومين!!..يقفون فى الكوارث الإنسانية والطبيعية ويقفون لحماية الساهرون فى الحفلات والإنتصارات الكروية وغيرها..هل يفكر فيهم أحد؟! على العكس حرض المغرضون وأصحاب المصالح عليهم وحملوهم أسباب سخطهم وضيقهم ومشاكلهم الإجتماعية والإقتصادية، ست سنوات ورجال الشرطة الشرفاء يمضغون الصبر ويعملون ليلا ونهارا، لا تعرف أبدانهم الراحة ولا تهدأ أجفانهم فى نوم حقيقى بعيدا عن أجهزة الإرسال والنداءات والإستدعاءات، فهم يعيشون نصف حياة، دائما إحتياجاتهم الإنسانية مؤجلة، ورغم ذلك يستمعون إلى آراء السفهاء الذين يوصمونهم بكل نقيصة. وهم يترفعون حتى عن الدفاع عن أنفسهم، فهم أصحاب رسالة وحاملين أمانة..هم العيون الساهرة التى وعدها الله فى الحديث الشريف بألا تمسهما النار فيقول صلى الله عليه وسلم :"عينان لا تمسهما النار..عين بكت من خشية الله..وعين باتت تحرس فى سبيل الله".. ست سنوات يشيعون كل يوم بعضهم، يصلون عليهم ويبكونهم ويعودون لإستكمال عملهم..لا يشعر بأحزانهم وأوجاعهم أحد إلا ذويهم، تُصنع الأفلام والمسلسلات خصيصا لملأ القلوب بالغل والحقد عليهم، دون مراعاة لنظرة أطفالهم إليهم وهم يشاهدون الضباط والجنود قتلة ومرضى نفسيين يتلذذون بتعذيب البشر، ست سنوات يحاولون طمس عيد الشرطة ليتحول إلى عيد إنتصارهم على الشرطة بحرق الأقسام والمراكز وقتل الضباط والجنود وسرقة الأسلحة والأحراز وتهريب المجرمين!!.. وما زالت الدولة تهنئ وتتلقى التهانى إحتفالا بما يسمونه عيد الثورة!!..والتى قامت لإسقاط الدولة بأجهزتها ورجالها، وسرقت ونهبت، ونشرت الرعب فى قلوب الآمنين!!..ونتج عنها مئات الشهداء والمصابين من خيرة جنودنا وضباطنا. رحم الله شهدائنا الأبرار وجزاهم عنا خير الجزاء وألهم أسرهم وأطفالهم الصبر..أتمنى من كل كاره لتصرف أحد من رجال الشرطة أن يفكر أنه ربما يقف على قدميه أكثر من عشر ساعات، ربما ترك أم فى العناية المركزة ولا يستطيع رؤيتها، ربما يحتاج والده إلى غسيل كلوى ولا يجد من يرافقه. ربما ترك زوجته فى مخاض، أو طفله مريض، ربما تعرض قبل لقائك إلى أحد أصحاب النفوذ متبجحا بتهديده "إنت عارف أنا مين أو إبن مين"، ربما وربما..إنظروا إليهم بعين الحب والعدل فهم منكم ويعملون من أجل راحتكم وحمايتكم. ولا أعرف لماذا تذكرت ما حدث العام الماضى من جريمة أخلاقية قام بها شابين للتهكم والإستهزاء بمن يوفرون لهم الحماية ويسهرون على راحتهم، مستغلين عيد الشرطة لتهنئة الجنود وتقديم هدايا ترمز لإهدار كرامة وشرف رجال الشرطة، لا أعرف هل هناك قضية لمحاسبة الجناة على ما فعلوا أم تغاضت الداخلية عن حقها وحق رجالها فى هذه الإساءة البالغة!!.. تلك الجريمة المهينة هزت مشاعرنا وأبكت عيوننا، وقد كتبت أمى الشاعرة "علا مكاوى" بعد مشاهدة هذه الواقعة قصيدة بالعامية بعنوان"شباب مرعوش وأبطال فى نعوش" إستأذنتها فى نشرها:"شباب مرعوش من شوية برد..من تكييف لدفاية والغطا يتشد..متغطيين بلحاف وكام بطانية..كوبايات الشاي بتعملهم صبية..ساخطين غياب شمسنا يوم عن سمانا..إمتى يا مصراوية صابنا برود دمانا..نسيتوا شبابنا إللى واقف على الحدود. كل لحظة تمر متعرض لإصابة وموت..كوفية صوف على صدره خايف تدفيه..ليغفل غصب عنه ولا تنام عينيه..عشان نعيش الأمان فى الشوارع والبيوت..البرد عنده يتسمع له ألف صوت..برد يخوف مرعوشين وجنودنا أسود..يتسابقوا للشهادة ويصونوا العهود..دول شباب بينسى رغبته فى أى حاجة. بس يا عينى لما الطبيعة بتحوجه يقضى حاجة..تعرف أنت يا مُغيب عن بطلنا أى حاجة؟..ولا كل معرفتك صفاقة وفجاجة؟..دي شربة الميه بيتعملها ألف حساب..وتعيينه بياكله من غير سقف وباب..تعرف زميله اللي سقط وهو بيقول الشهادة. وقف مكانه ببيادته وسلاحه، التار عبادة..حبة حطب جنب منه قادهم وقلبه نار..فوقها براد أسود هباب شايه مرار..يشبه سواد غربان الإرهاب والدمار..إللى بتقتل وتهرب فى الجحور بجبن فار..مع كل شفطة شاى يفتكر عبد العزيز..إمبارح شربوه سوا كان طعمه لذيذ..وهو بيقوله:عارف يا صاحبى فاضل يومين..أنزل بلدنا عايزنى أطمنلك قلب مين!. برد وضلمه وموت خطف منه صاحبه..كان ونيسه سره سره شقوا قلبه..نزلت دموعه سخنة مع صقيع الشتا..يزعق بصوته ينادى يرد الصدا..دول شبابنا مش بضفيرة ولبان..زى إللى نزلوا بالبجاحة عالميدان..مش مننا ولا يشبهونا بعقل غاب..يستهزأوا برجالة ضفرهم تفديه رقاب..جرحَونا وقالوا:لعب عيل وخاب..إبن عشرين ليه السباب ولا الحساب!!.. ملعونة بطن ما تجيب إلا العيال..مهما طال عمرهم أصفار ع الشمال..عيال تجيب العار للى يعرف الحياء..إتصابنا بيهم زى لعنة أى داء..آه يا جندى ياللى واخد عقلى جنبك..بدعى يصونك لكل عين وقلب حبك..شوف يا عيل مين واقف يحمى أرضك؟!..يحمى عرضك وأنت قاعد تبكى بردك!!".