مكر التاريخ.. عبارة سمعتها من صديقي المحترم الصحفي والمثقف الرزين مهدي مصطفى (مدير تحرير مجلة الأهرام العربي) وهزتني جدًا لما تحويه العبارة من عمق كشف لي ما نتعرض له من زيف تاريخي بسبب ما يتم عرضه أو تدريسه على طلاب المدارس من وقائع تاريخية مزيفة وشخصيات مرت في التاريخ الحديث أو القديم.. وكلها زيف تلبس شخصيات بعينها صفات ليست فيهم أو بطولة لم يقوموا بها ويفعل التاريخ العكس عندما يبخس الأبطال الحقيقين حقهم وينكر بطولاتهم وصدقهم وإخلاصهم لأوطانهم وينكر فضلهم.. وهذا شرحه يطول.. تذكرت عبارة (مكر التاريخ) عندما طالعت بعض من وقائع سردها أو تنبأ بها الرئيس الراحل محمد أنور السادات (1918-1981). والذي يرتبط اسمه بحدثين فاصلين في تاريخ مصر والأمة العربية عامة فهو الذي قاد الجيش المصري إلى أول انتصار عسكري على الجيش الإسرائيلي في أكتوبر 1973، وهو الذي رسم أيضا للقادة العرب بداية الطريق نحو وضع السلاح وامتطاء نهج التفاوض والسلام مع إسرائيل. بعد حرب أكتوبر اعتبر المصريون والعرب السادات "قائد الانتصار العظيم"، لكنه فقد هذا اللقب بعد وضعه السلاح ولاحقته منهم تهمة الخيانة في حين رأى قادة إسرائيل وكثير من القادة والسياسيين الغربيين في ثالث رجل حكم مصر ووصفوه برجل السلام .. والرئيس الراحل السادات والذي اغتالته أفكار سيد قطب والإخوان وما تفرع عنهم من جماعات أساءت للإسلام والمسلمين ومازالت.. ما علينا المهم أن السادات تنبأ بالكثير من نوائب العرب التي نشهدها الآن ولو استمع إليه العرب وقتها لكان حالنا أفضل بكثير بمئات المرات. ومما تنبأ به السادات وناشد العرب والقادة العرب وقتها ولم يستمعوا إليه ويا ليتهم فعلوا والدليل ما يتعرض له العراق منذ أكثر من 15 عاماً وكذلك سوريا والقضية الفلسطينية تراوح مكانها وربما أبعد مما كان يستطيع السادات تحقيقه لهم بمئات الأميال وللأسف يبدو لي أن التاريخ يعيد مكره مرة أخرى هذه الأيام وتتكرر مأساة المنطقة العربية الممثلة في حكامها: قال السادات في إحدى خطبه بعد مبادرته للسلام: (صدام حسين يقف ضدي وضد مصر لأنها عملت سلام مع إسرائيل اعلم انه قوى وعلى يقين أنه متهور لا يجيد الحساب واستخدام القوة وتهوره سيحرق الخليج يوما ويدمر أهم دولة في الشرق العربي صدام يجبر ضعفاء الخليج ضدى في جامعة الدول العربية، مع أن حلمه هو أن يحتل الكويت ويضمها إلى بلده !! قالها الرئيس السادات عام 1980 ؛ وتحققت عام 1990 بعدها بعشر سنوات !!! وعن سوريا قال السادات (حافظ الأسد وأخوه رفعت الأسد بلطجية بحماية الروس وهم لا يعملون لصالح العرب بل لصالح الطائفة العلوية التي ينتميان إليها ولم أجد أجبن منهم في الأرض وهما على استعداد لحرق الجميع لأجل ذلك عاملين نفسهم زعماء للعرب مع أن سوريا انكسرت في حرب أكتوبر من تالت يوم من خيانتهم لوطنهم قالها الرئيس السادات عام 1977 بعد زيارة القدس وعداء النظام السوري له بسبب ذلك.. وتحققت عام 1982 في حماه.. وتكررت مرة أخرى هذه الأيام في حلب التي كانت شهباء.. وعن القضية الفلسطينية قال السادات: (طلبت من ياسر عرفات أن يستلم حدود 67 بالقدسالشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الوليدة وبحماية مجموعة من الدول سيختارها.. هو رفض وقال الكل: عنده حق لكن لا أظن إن بإمكانه الوصول للأفضل.. وحدث بالفعل.. وعن الثورة الإسلامية في إيران قال السادات: (أنا أكثر من غضب ورفض الثورة الإيرانية أنها ثورة طائفية تشوه الإسلام؛ وستعمل على تصدير الطائفية والكراهية للجميع) !! واستقبل الشاه قالها السادات أثناء ثورة الخميني.. وأغضبت تصريحاته كل أبناء التيار الإسلامي.. ثم تبين صحتها بعدها بسنوات؛ واكتوينا بنار الروافض والفكر العلوي وانتشرت الطائفية المذهبية في الدول العربية لبنان واليمن وها هي سوريا والمحاولات مستمرة في البحرين وباقي دول الخليج !! أيضا قال السادات عن اليمن: (الشاويش علي عبدالله صالح الذي أصبح رئيسًا لليمن ؛ وما بيعرفش يفك الخط ويخاف يخرج متر من صعدة.. مش عاجبه سياسة السادات وموقف مصر؛ وسوف يعرف العرب يومًا من هو علي عبدالله صالح الذى لم يفهم حجم اليمن أبدا !! وتحقق كلام السادات.. انظر إلى ما فعله فى اليمن قال: (اللذين يتمسحون بالناصرية في الحقيقة لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية وهم متلونون كالحرباء وعلى استعداد ليغيروا انتماءاتهم بين عشية وضحاها من أجل الوصول للكراسي؛ ما فيش حاجة اسمها الناصرية والساداتية؛ كل إنسان عليه أن يجتهد ويظهر شخصيته.. قالها السادات عام 1975 ؛ بعد فك الاشتباك الثاني مع إسرائيل وهجوم هيكل والناصريين عليه.. وعن مبادرته للسلام قال السادات : (إذا كان فى جرة قلم منى أن أوقف نزيف دم أطهر الشباب كان ده فى إمكانى ولو أفعله خشية حديث الهمج ولم أوقف الحرب يبقى أنا خنت الأمانة العرب ما يفهموش غير طبول الحرب وانا مهمتى يعيش شباب مصر بدون نزيف ودمع العيون.. وعلشان أحارب للعرب لازم امتلك مصانع سلاح تضمن التوازن غير ده يكون أخر الحروب 73 وارجع للتنميه مصر تتخذ القرار ويفهمها عدوها أما العرب يهاجموننا وسيفهمون بعد فوات الأوان.. واستشهد السادات .. وتحققت نبوءاته والملهاة مستمرة وكذلك مكر التاريخ.. والله المستعان.