-هيئة الحقيقة والكرامة تفحص أكثر من 62 ألف واقعة تعذيب -التقارير ترصد الحالات التعذيب على يد الشرطة في فترة تمتد إلى 50 عاما -جلسات علنية تاريخية في واحدة من أهم خطوات العدالة الانتقالية - الكثير من الضحايا يطالبون بتعويضات مادية والقليل يتمسك بالقضاء لأول مرة في جلسات علنية تاريخية ،في واحدة من أهم خطوات العدالة الانتقالية بعد 6 سنوات من ثورة أنهت حكم زين العابدين بن علي، بدأت تونس، "مهد الربيع العربي"، أمس الخميس، الاستماع لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان على مدار خمسة عقود منذ الاستقلال في جلسات علنية تبث على الهواء في التلفزيون الرسمي، وتابع مئات الشخصيات المحلية والدولية جلسات الاستماع العلنية التي تعقد في ضاحية سيدي بوسعيد، وتحديدا في فضاء نادي عليسة الذي كان مملوكا لليلى بن علي زوجة الرئيس المخلوع بن علي. وتهدف الجلسة التي جاءت ضمن جهود هيئة الحقيقة والكرامة التي تأسست عام 2013، إلى تخفيف التوتر الناتج عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد في السابق، وتم إبلاغ اللجنة بأكثر من 62 ألف واقعة، من بينها وقائع تعذيب واغتصاب، منذ عام 2013. وتحقق الهيئة في تقارير تعذيب على يد الشرطة وفساد وقتل في فترة تمتد إلى 50 عاما منذ استقلال البلاد، ومن بين المنتهكين المزعومين السلطات التونسية السابقة وقادة الأجهزة الأمنية، وربع عدد الضحايا المزعومين من النساء الذين تقدمن بشكاوى لتعرضهن لعنف جنسي، وتأمل اللجنة في أن يسامح الضحايا معذبيهم المزعومين، ويطالب الكثير من الضحايا بتعويضات مادية، وقالوا إن المتهمين يجب محاسبتهم قضائيا، فيما قالت الهيئة إن المتهمين قد يسمج لهم بالإدلاء بشهادتهم في المستقبل القريب. وقالت سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة التي تشرف على مسار العدالة الانتقالية إن "الجلسات تشكل حدثا تاريخيا مهما لكل التونسيين وستدرس للأحفاد والأجيال اللاحقة و ستعزز صورة تونس في العالم كنموذج للتسامح." وفي الجزء الأول من جلسات الاعتراف الليلة الماضية قدم بعض الضحايا اعترافات مؤثرة كما تضمنت أيضا شهادات لعائلات شبان قتلوا برصاص الشرطة أثناء الثورة 2011، وقالت والدة شاب قتلته الشرطة في مدينة الرقاب في محافظة سيدي بوزيد خلال الثورة إن "بالها لن يهدأ ما دام قتلة ابنها ينعمون بالحرية، وما دامت قيم الحرية والعدالة والتوزيع العادل للتنمية التي مات ابنها من أجلها لم تتحقق بعد", وحذرت من خطر اندلاع ثورة جديدة لا تبقي ولا تذر، وفي شهادة أخرى قالت والدة كمال المطماطي -الذي قتل عام 1991 تحت التعذيب في مخفر الشرطة بمدينة قابس جنوب البلاد- إنها ما زالت إلى اليوم لا تعرف مكان دفن ابنها, مشيرة إلى أن أسرته لم تتأكد من مقتل ابنها المهندس في مخفر الشرطة إثر اختطافه من مقر عمله إلا بعد الثورة، أي بعد مقتله بعشرين سنة طافت خلالها كل سجون البلاد بحثا عنه دون جدوى. وقال سامي براهم -وهو باحث وأكاديمي اعتقل في بداية فترة حكم بن علي- إنه تعرض للتعذيب الجنسي في مبنى وزارة الداخلية كما تعرض لكل أنواع التعذيب المعنوي, وكان شاهدا على حالات تعذيب وامتهان لكرامة الإنسان طيلة سنوات سجنه الثماني التي طاف خلالها جلّ سجون البلاد، ووجه براهم نداء "للجلادين" ليمثلوا أمام الهيئة ويقدموا تفسيراتهم لما وقع، وهل كان بدافع حقد أيديولوجي ضد السجناء الإسلاميين أم تنفيذا لتعليمات القيادات العليا, وأعرب عن استعداده للمسامحة والتجاوز عن جميع صنوف الأذى التي لحقته إذا اعتذر مرتكبو التعذيب عن أفعالهم. وستعقد جلسات علنية أخرى يومي 17 ديسمبر و14 يناير المقبلين، وهما تاريخان يرمزان لاندلاع شرارة ثورة تونس في 2010 وهروب بن علي عام 2011, ومن المقرر أن تشهد جلسات 17 ديسمبر مصالحة علنية يقدم خلالها مرتكبو الانتهاكات اعتذارهم للضحايا.