"والملاحة، الملاحة، وحبيبتي ملو الطراحة".. كأدائه بختام فيلم "العار"، هكذا ردد محبوه بعد نهاية أيامه على الأرض، تغنت جماهيره بنبره شجنية كتلك التي أبدع بها في المشهد، أعلنوا عن قبولهم لقضاء ربهم ورفضهم بذات الوقت بضحكة هيستيريا كالتي أطلقها فوق القارب الخشبي، وهم يرون الصور التي أغرقت مواقع التواصل الاجتماعي في لحظات نعيا فيه، صحبت ردود أفعالهم حسرة كما تحمل كلمات الشطر الثاني من الأغنية الشهيرة "حسرة علينا، يا حسرة علينا"، وذلك لعظيم حجم الخسارة، وحقها، فامتزج الحزن بإفيهاته، وأخذ كل شخص يتذكر دورا أو مشهدا أو جملة أو حتى إيماءة عبر بها الفنان الراحل عن جزء من حياتنا ويومنا. أما أنا فقد اكتظت أمام عيني شخصياته، مشاهده الخالدة، ضحكته النافذة، شريرة كانت أو "هلاسة"، وحتى تعبيرات وجهه التي تزن 1000 ممثل، فمنذ طفولتي وحتى اللحظة، ويعتبر الراحل صاحب أكبر كم من الإيفيهات والجمل التي تعتبر نهج بالحياة، والتي نستخدمها بيومنا في المناسبات المختلفة، فبخلاف الملاحة، من ينسى في "مزاجنجي" الكيف وجمله الأشهر "اضحك يا ابن الكئيبة" و"إديني في الهايف وأنا أحبك يا فناناس" و"إحنا بالصلاة عالنبى حلوين قوى مع بعض"، و"لكن ساعة الغلط بنطرطش زلط"، والجملة الأعظم "لو الحشيش حلال أدينا بنشربه ولو حرام أدينا بنحرقه". أما الشيخ حسني في "الكيت كات"، فقد رد على أحد المساطيل الذي قال له "عميت؟"، فقال: "راح النور يا حمار مش عميت، خلي عند أهلك نظر"، و"أنا أشوف أحسن منك فى النور وفى الضلمة كمان"، و"إنت بتستعماني يا هرم"، أما في جري الوحوش "صدق العليل ولا تصدق التحاليل"، ومن ينسى أداءه الفذ بإبراهيم الأبيض و"حد له شوق في حاجة" و"الجرأة حلوة مفيش كلام" و"الإنسان دعييف". قد يرحل جسد الساحر محمود عبد العزيز، لكن لن يرحل "المزاجنجي" وبلحة، وأبو كرتونة، ورأفت الهجان، ومنصور بهجت، وشيخون، وعبد الملك زرزور، قد لا نرى أعمالا جديدة له، لكنه ترك إرثا لن ينضب وسيظل متجددا، فمن المؤكد خلود "البريء"، و"الساحر"، و"ليلة البيبي دول"، و"سوق المتعة"، و"الدنيا على جناح يمامة"، و"نهر الخوف"، و"إعدام ميت"، و"الحفيد"، و"ضاع العمر يا ولدي"، و"وكالة البلح". من منا بعد العلم بنبأ رحيله لم يتوجه ل"يوتيوب" ليشاهد له أحد الروائع، من "الكيف"، أو "الكيت كات"، أو "جري الوحوش"، أو "العار"، من منا سيتوقف عن الاستمتاع بهم وبه، من منا حين يسعى لترتيب عظماء الشاشة لن يضعه بأعلى الجدول، أتذكره حين بصق ب"إبراهيم الأبيض" ورأيت ما يبصقه فنا، أتذكر الجنتل الذي بدأ ك"جان" للسينما، أتذكر الساحر الذي يبهرك بأدائه، أتذكر العملاق الذي يجعل الأدرينالين يسري بجسدك خوفا من طلته، ولا أنسى أبدا الأعمى الذي يجعلك ترى الفن والنور. ختاما، إلى العملاق محمود عبد العزيز، مزاجنجي السينما المصرية.. العظيم هو، من يرحل ولكنه يبقى ولا نودعه.