* حيثيات حكم القضاء الإدارى بالإسكندرية * فى أول قضية إهمال: إلزام شركة نقل الكهرباء بتعويض ورثة لإهمال الشركة وصعقه بالكهرباء * الشركة أساءت اختيار المهندس الذى تسبب فى وفاة العامل البسيط وقصرت فى مراقبته * ومسئوليتها مفترضة عن أعمال تابعيها والمحكمة ترفض رجوع الشركة على المهندس بعد الحكم عليه بالسجن * التعويض الموروث حق لمن وقع عليه الفعل الضار من الغير بشرط أن يسبق الفعل الضار الموت ولو بلحظة أكدت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بعد ثلاث جلسات فقط من عمر تداول القضية التى ظلت أمام المحكمة المدنية 23 عاما قبل إحالتها للقضاء الإدارى، وفى أول قضية إهمال، ألزمت المحكمة شركة نقل الكهرباء بتعويض ورثة عامل بسيط مائة ألف جنيه لإهمال الشركة وصعقه بالكهرباء نتيجة قيام مهندس خطوط شبكة الكهرباء بتوصيل التيار الكهربائى أثناء وجود العامل معلقا فى الهواء على عربة الشركة للقيام بأعمال الصيانة، فصعقه التيار الكهربائى فى الحال، وأكدت أن التعويض الموروث هو حق لمن وقع عليه الفعل الضار من الغير باعتبار أن هذا الفعل لابد وأن يسبق الموت ولو بلحظة. كما أكدت أيضا أن الشركة أساءت اختيار المهندس الذى تسبب فى وفاة العامل البسيط، وقصرت فى مراقبته ومسئوليتها مفترضة أعمال تابعيها، ورفضت دعوى الضمان الفرعية بالرجوع بمبلغ التعويض على المهندس بعد أن حكم عليه بالسجن وتأسيسا على مسئولية الشركة وإهمالها وتقصيرها فى اختيارها ومتابعة مهندسيها، وهي تضمن أخطاء تابعيها، خاصة أنه لم يكن قاصدا صعقه، وقد أقام الورثة الدعوى، وهم أطفال ومعهم جدتهم، وظل الأمل يراودهم فى الحصول على حقهم أمام المحاكم المدنية، وبعد 23 عاما كبر فيها الأطفال وأصبحوا شبابا وفتيات، حكمت المحكمة المدنية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى القضاء الإدارى الذى أعاد لهم الحق خلال ثلاث جلسات ورسم البسمة بعد طول عناء السنين. وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاورى، نائبى رئيس مجلس الدولة، فى الدعوى المحالة إليها من المحكمة المدنية، بإلزام رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لنقل الكهرباء ورئيس قطاع خطوط كهرباء غرب الدلتا، متضامنين بتعويض المدعين ورثة المرحوم نور عبد الستار رمضان بمبلغ مائة ألف جنيه عوضا عما أصابهم من أضرار كل بحسب نصيبه الشرعي، نتيجة الخطأ المفترض للمدعى عليهما على أساس مسئولية المتبوع عن أعمال التابع، المتمثلة فى سوء اختيارهما لتابعيهما أحد المهندسين وتقصيرهما فى رقابته على نحو تسبب فى صعق مورث المدعين بالكهرباء، ما أدى إلى وفاته فى الحال، وألزمتهما المصروفات، ورفضت المحكمة دعوى الضمان الفرعية المقامة من الشركة بالرجوع بمبلغ التعويض على المهندس اكتفاءً بسجنه على أساس أن الشركة تضمن أخطاء تابعيها، وأنه لم يكن قاصدا صعقه. وذكر ورثة العامل البسيط منذ 23 عاما أنهم لجأوا إلى محكمة دمنهور الابتدائية طالبين تعويضهم مائة ألف جنيه تعويضا عن إهمال الشركة مع مورثهم الذى كان يعمل بإدارة شبكات كهرباء غرب الدلتا التابعة لمنطقة كهرباء زاوية غزال، وفى نوفمبر 1993 كلفا بأعمال صيانة للأبراج الكهربائية بخط خيرى إيتاى البارود بالبحيرة، وأثناء قيامه بعمله قام مهندس خطوط شبكة الكهرباء بزاوية غزال بتوصيل التيار الكهربائى، ما تسبب عنه وفاة مورثهم نتيجة صعقه بالكهرباء، وتحرر عنه المحضر رقم 8668 لسنة 1993 جنح مركز دمنهور، وقضى بحبس المهندس سنة وكفالة 2000 جنيه، فقام باستئناف الحكم أمام محكمة جنح مستأنف مركز دمنهور. فحكمت فيها المحكمة عام 1998 بانقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة، ثم تم الطعن فيه أمام محكمة النقض، والتى قضت بعدم جواز النقض، وذكروا أنهم فقراء وأن والدهم كان العائل الوحيد لهم، إلا أن المحكمة المدنية قضت بعدم اختصاصها، وأحالت القضية إلى القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة التى حدد لها رئيس المحكمة جلسة عاجلة لنظرها بعد إيداع هيئة المفوضين لتقريرها، وأصدرت الحكم بعد ثلاث جلسات من نظرها. وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها إن التعويض الموروث هو حق لمن وقع عليه الفعل الضار من الغير، بحسبان أن هذا الفعل لابد وأن يسبق الموت ولو بلحظة مهما قصرت كما يسبق كل سبب نتيجته، إذ فى هذه اللحظة يكون المجنى عليه مازال أهلا لكسب الحقوق، ومن بينها حقه فى التعويض عن الضرر المادى الذى لحقه، وحسبما يتطور إليه هذا الضرر ويتفاقم، ومتى ثبت له هذا الحق قبل وفاته فإن ورثته يتلقونه عنه فى تركته كل بحسب نصيبه الشرعى فى الميراث، ويحق لهم بالتالى مطالبة المسئول بجبر الضرر المادى الذى أصاب مورثهم لا من هذه الجروح التى أحدثها فحسب، إنما أيضا من الموت الذى أدت إليه هذه الجروح باعتباره من مضاعفاتها. وأضافت أن القانون المدنى إذ نص فى المادة 174 على أن "يكون المتبوع مسئولا عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه فى حال تأدية وظيفته أو بسببها"، فانه أقام هذه المسئولية على خطأ مفترض فى جانب المتبوع فرضا لا يقبل إثبات العكس، مرجعه إلى سوء اختياره لتابعه وتقصيره فى رقابته، والقانون إذ حدد نطاق هذه المسئولية بأن يكون العمل الضار غير المشروع واقعا من التابع "حال تأدية الوظيفة أو بسببها"، ولم يقصد أن تكون المسئولية مقصورة على خطأ التابع، وهو يؤدى عملا داخلا فى طبيعة وظيفته ويمارس شأنا من شئونها، أو أن تكون الوظيفة هي السبب المباشر لهذا الخطأ وأن تكون ضرورية لإمكان وقوعه، بل تتحقق المسئولية أيضا كلما كان فعل التابع وقع منه أثناء تأدية الوظيفة، أو كلما استغل وظيفته أو ساعدته هذه الوظيفة على إتيان فعله الضار غير المشروع، أو هيأت له بأي طريقة كانت فرصة ارتكابه، سواء ارتكب التابع فعله لمصلحة المتبوع أو عن باعث شخصى، وسواء كان الباعث الذى دفعه إليه متصلا بالوظيفة أو لا علاقة له بها. وأشارت إلى أن مسئولية المتبوع فى هذه الأحوال تقوم على أساس استغلال التابع لوظيفته وإساءته استعمال الشئون التى عهد المتبوع إليه بها متكفلا بما افترضه القانون فى حقه من ضمان سوء اختياره لتابعه وتقصيره فى مراقبته، وأن هذا النظر الذى استقر عليه قضاء محكمة النقض فى ظل القانون المدنى القديم قد اعتنقه المشرع ولم ير أن يحيد عنه كما دلت عليه الأعمال التحضيرية لتقنين المادة 174 من القانون المدنى. واختتمت المحكمة حكمها العادل بأن الشركة أساءت اختيار المهندس الذى تسبب فى وفاة العامل البسيط، وقصرت فى مراقبته ومسئوليتها مفترضة أعمال تابعيها المتمثل فى عمل مهندس خطوط شبكة الكهرباء الذى قام بتوصيل النتيار الكهربائى إلى هذه الأبراج أثناء وجود العامل معلقا فى الهواء على عربة الشركة للقيام بأعمال الصيانة فصعقه التيار الكهربائى فى الحال، مما تسبب عنه وفاة مورث المدعين، وقد ترتب على هذا الخطأ أضرارا عديدة دامت 23 عاما أثناء تداول نظر القضية بمحكمة دمنهور الابتدائية تمثلت في حرمان والدة المتوفى وأشقائه من العائل الوحيد لهم فى هذه الفترة، حيث إن مورثهم كان ينفق عليهم من مرتبه، فضلا عن تكبدهم العديد من النفقات في سبيل سلوك طريق الدعوى القضائية لاقتضاء حقهم، بالإضافة إلى إصابتهم بالعديد من الأضرار المعنوية والأدبية جراء وفاة مورثهم وهو فى ريعان شبابه منذ 23 عاما، وهو ما يسبب حالة من الحزن والضيق والألم النفسى للمدعين، كما ترتب على على ذلك أيضا ضرر موروث يجب تعويضهم عنه. وبذلك الحكم الذى استغرق ثلاث جلسات أمام القضاء الإدارى، أسدلت المحكمة الستار عن قضية دام نظرها 23 عاما أمام المحاكم المدنية، بعد أن كبر الأطفال وأصبحوا شبابا وفتيات من أولاد المتوفى الستة، لكنهم عاشوا على أمل الإنصاف من القضاء يوما ما.