سحر الرسول صلى الله عليه وسلم.. جاءت آراء المفسرين مؤكدة على أن السحر ضرب من ضروب الوهم والتخييل وليس له محل من الإعراب على أرض الواقع، ولعل هذه النتيجة تفتح لنا الباب للإشارة إلى قضية سحر الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهذه القضية ظلت تتأرجح ما بين قبول ورفض قبل علمائنا الذين أدلوا بدلوهم فيها. وسوف نقتصر في مقالنا اليوم على الإشارة إلى جهد علماء القرن العشرين حول هذا الخبر، فالإمام محمد عبده أنكر سحر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأنكر الحديث الذي دل علي ذلك وهو سحر لبيد بن الأعصم للرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأثر سحره فيه، ولعل حجة الإمام في ذلك الرأي منبعثة من اعتماده على النص القرآني ذاته دون غيره من مصادر التفسير الأخرى التي اعتمد عليها غيره من المفسرين ، فضلا عن كون الخبر الوارد إلينا بسحر الرسول من الأحاديث الآحاد... لتكون هاتان الإشارتان مبعثا للإمام في رفضه لخبر وقوع السحر على الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – مستخلصا نتيجة عقلية تنفي وقوع السحر على الأنبياء والرسول. أما السيد رشيد رضا: فلم يستطع أن يرد حديث البخاري في سحر الرسول (صلى الله عليه وسلم) كما فعل أستاذه، وربما هذا راجع إلي توسع السيد رشيد رضا في الأخذ من الأحاديث الشريفة، و قد اعتمد في نتيجته حيال الخبر سالف الذكر تأويله للحديث علي أنه واقع علي بدنه- صلى الله عليه وسلم - دون عقله. وجاء الشيخ محمد متولي الشعراوي مقرا بخبر سحر الرسول ، بيد أنه لفت إلى أن هذا السحر لم يؤثر علي عقله؛ ولأن مهمة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - من طبيعة العقل ، فإن هذا التخييل الذي أصاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يؤثر على مهمة الإبلاغ والإرشاد مستندا علي حديث السيدة عائشة:( حتى يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله... ) مبررا ما توصل إليه أنه مادام الحدث هو " التخييل " فلا يدخل التخييل في باب الحقيقة... وتباعا لا يؤثر علي المهمة المكلف بها وهي التبليغ والإرشاد. ولعل خبر سحر الرسول يدخل في حيز الأفكار التي تثير الذهن وتعمل الفكر لكل عاشق ومحب لرسولنا الكريم ، ومن خلال الاستقراء والتتبع الذي نأمل من الحق – سبحانه و تعالى – أن يكون قد حالفنا التوفيق فيه نجد أنه على الرغم من أن الخبر الوارد بسحر الرسول – صلى الله عليه وسلم – من الأخبار الآحاد إلا أنه محتف بالقرائن ، وورد في الصحيحين ، ومسلسل بالأئمة الحفاظ وهذا ما أشار إليه ابن الحجر في "النزهة" ، فإذا كان يخيل للرسول – صلى اله عليه وسلم- أنه كان يفعل شيئا وهو لم يفعله في الأمور الحياتية ، غير أن هذا التخييل لم يؤثر على المهمة المكلف بها من الوحي إلى العالمين تأكيدا لقوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ) ولهذا فإن الرأي يستقر على أن ما تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم من سحر، هو مرض من الأمراض ، وعارض من العلل ، وهذه تجوز على الأنبياء كغيرهم من البشر ، وهي مما لا يُنكر ولا يَقدحُ في النبوة ، ولا يُخِلُّ بالرسالة أو الوحي ، والله سبحانه قد عصم نبيه صلى الله عليه وسلم مما يحول بينه وبين الرسالة وتبليغها، وعصمه من القتل ، دون العوارض التي تعرض للبدن. وأما ما استند عليه العلماء من قوله تعالى : ( والله يعصمك من الناس) أن السحر إنما تسلط على ظاهره وجوارحه ، لا على قلبه واعتقاده وعقله، ومعنى الآية عصمة القلب والإيمان ، دون عصمة الجسد عما يرد عليه من الحوادث الدنيوية.