يبدو أن هذه الرواية هدفها اجتثاث الدين من جذوره، فلم يسلم حتى الأنبياء من الإساءة التي حوتها رواية "مولانا". ويبدو أن الأمر ممنهج بالفعل، فالرواية ذكرت ما يلي: "هل صحيح أن النبي نظر إلى زوجة جاره؟ رقص قلب أنور – المذيع - فهو سؤال سوف يُشعل الحلقة سخونة، ورأى حاتم – بطل الرواية الشيخ الأزهري - في عيونه ألف متفرجٍ، رأى الثور يدخل الحلبة نحو المصارع، قاطع أنور متصله، هذه جملة خطيرة وتستحق أن نستفهم عن قصدك بالضبط يا أخ رؤوف؟ قال "رؤوف": "واحد من إخوتنا المسيحيين في الشغل، سمع مني كلمة حق فغضب وصرخ في وجهي: ابقى اعرف الأول نبيك عمل إيه، محمد (صلى الله عليه وسلم)، أستغفر الله العظيم نظر إلى زوجة جاره وابنه زيد بن حارثة، ثم قال حاتم متهكمًا على السيدة مارية القبطية "رضي الله عنها": "هو لنا بركة إلا الست مارية القبطية، قمر مصر من الأنفوشي وقَّف يثرب على رِجْل.. وبدأ رد بطل الرواية – حاتم المنشاوي المعمم الأزهري - قائلًا: "اسمحوا لي أخرس خالص وأنقل لكم كلام المفسرين، وأصل القصة ترويها لنا الآية القرآنية: "وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا"(الأحزاب:37)، هنا نجد البخاري عن أنس بن مالك أن هذه الآية نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة، وقيل: "ما أنزل الله على رسوله آية أشد عليه من هذه الآية"، وخذوا بالكم هذه مشاعر إنسانية بشرية لا نبوية رسولية. أولًا: أنه أراد زينب لنفسه. ثانيا: أنه أخفى هذه المشاعر خصوصًا. ثالثًا: أنه خشي الناس "والله أحق أن تخشاه". يعني يا جماعة لما نلاقي أنفسنا في حالة ضعف وخجل أن نعلن رأيًا أو مشاعر لأننا لا نقدر على مواجهة الناس ونخاف من كلام الناس، فهذا طبيعي جدًا، حتى النبي محمد أحس به، ورُوي في الخبر أنه "أمسى زيد فآوى إلى فراشه، قالت زينب ولم يستطعني زيد، وما امتنع منه غير ما منعه الله مني، فلا يقدر عليّ" لننتبه هنا جدًا، لا أحد يمشي بعيدًا عن التليفزيون يا جماعة، ولا ترد على التليفون الذي يرن جنبك أرجوك، لأن الاستماع إلى نصف الكلام هنا خطر، زينب نفسها وهي أم المؤمنين بعد ذلك هي التي تحكي أدق خصوصياتها، تتكلم في كتب يقرأها ملايين البشر حتى يوم الدين عن أشياء تحدث على فراش الزوجية، بل تقول إن زوجها لم يقدر، طبعًا نفهم هنا لم يقدر وما الذي تعنيه، لم يستطعني، واضح أنه فشل في الجماع تمامًا لدرجة استغربتها هي، ثم أدركها زيد، فلو كان حادثًا عاديًا من دون أن تلتفت، ولو لم يكن يستطيعها كل ليلة أو من قبل لكان أمرًا غير مهم، لكن ما جرى هذه الليلة كان على درجة من الضعف البين بدفع من الإرادة الإلهية، قال "مقاتل": إن النبي (صلى الله عليه وسلم) أتى زيدًا يومًا يطلبه، فأبصر زينب قائمة، كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش، فهو بها، وقال "سُبحان الله مقلب القلوب، فسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد، ففطن زيد، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها، فإن طلاقها كبر، تعظم عليّ وتؤذيني بلسانها فقال (صلى الله عليه وسلم): أمسك عليك زوجك" ص 25 31 وما بعدها بتصرف. الرد على الشبهة هذه رواية "مولانا" التي أصبحت فيلمًا سيُعرضُ في خلال أيام، لن أتحدث عن لغتها الركيكة، هذا هو الفكر الحر، هذا الفكر الذي ينادي بتجديد الخطاب الديني والتراثي، إنه فكر جمع فأوعى من الشبهات وتقيء من حيض الشيعة وغيرهم، هذه هي النخبة المثقفة. سأركز على الرد على التهم المنسوبة لأشرف الخلق سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، قال "القرطبي": "وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ أَوْحَى الله تَعَالَى إِلَيْهِ أَنَّ زَيْدًا يُطَلِّقُ زَيْنَبَ، وَأَنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا بِتَزْوِيجِ اللهِ إِيَّاهَا، فَلَمَّا تَشَكَّى زَيْدٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلُقَ زَيْنَبَ، وَأَنَّهَا لَا تُطِيعُهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ طَلَاقَهَا، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جِهَةِ الْأَدَبِ وَالْوَصِيَّةِ: (اتَّقِ اللهَ فِي قَوْلِكَ وأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيُفَارِقُهَا وَيَتَزَوَّجُهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخْفَى فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالطَّلَاقِ لِمَا عَلِمَ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا، وَخَشِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْحَقَهُ قَوْلٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَنْ يَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ بَعْدَ زَيْدٍ، وَهُوَ مَوْلَاهُ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا، فَعَاتَبَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ أَنْ خَشِيَ النَّاسَ في شيء قَدْ أَبَاحَهُ اللهُ لَهُ، بِأَنْ قَالَ: "أَمْسِكْ"، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يُطَلِّقُ. وَأَعْلَمَهُ أَنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالْخَشْيَةِ، أَيْ فِي كُلِّ حَالٍ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُوَ الذي عَلَيْهِ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ، كَالزُّهْرِيِّ وَالْقَاضِي بَكْرِ بْنِ الْعَلَاءِ الْقُشَيْرِيِّ، وَالْقَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَتَخْشَى النَّاسَ"، إِنَّمَا هُوَ إِرْجَافُ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُ نَهَى عَنْ تَزْوِيجِ نِسَاءِ الْأَبْنَاءِ وَتَزَوَّجَ بِزَوْجَةِ ابْنِهِ" (تفسير القرطبي 14/190). ومن المعلوم أن الذي زوج سيدنا "زيد" من أم المؤمنين - زينب بنت جحش – رضي الله عنها- وهي ابنة عمته أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - وَأَصْدَقَهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَسِتِّينَ دِرْهَمًا، وخِمارا، ومِلْحَفة، ودرْعًا، وَخَمْسِينَ مُدّا مِنْ طَعَامٍ، وَعَشْرَةَ أَمْدَادٍ مِنْ تَمْرٍ. (تفسير القرآن العظيم ابن كثير 6/424). وهنا سؤال: لو راقت السيدة زينب لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلماذا لم يتزوجها منذ البداية؟ والجواب: هذه شبهة قديمة روجها الشيعة وغيرهم للنيل من أمهات المؤمنين، والطعن في الصحابة، والكيد لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويستدل أيضًا بفساد الحديث الذي استشهد به "صاحب رواية مولانا" من أن زيدًا لم يستطع أن يُجامع زوجته، رُوِيَ في الخبر أنه: أَمْسَى زَيدٌ فَأَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَتْ زَيْنَبُ: ولم يستطعني زيد، وما أمتنع منه غير ما منعه الله مني، فلا يقدر على. هذه رواية أبي عصمة نوح بن أبي مريم، رفع الحديث إلى زينب أنها قالت ذلك. وَفِي بَعْضِ الرُّوَايَاتِ: أنَّ زَيْداً تَوَرَّمَ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَقْرَبَهَا" وهذا الرواي متهم بالكذب. وقال البخاري: قال بن المبارك: لوكيع حدثنا شيخ يقال له أبو عصمة كان يضع كما يضع المعلى بن هلال. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: كان أبو عصمة يروي أحاديث مناكير. وقال أحمد بن سعد: سألت يحيى بن معين عن نوح بن أبي مريم فقال ليس بشيء ولا يُكتب حديثه. وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: أبو عصمة نوح بن أبي مريم قاضي مَرْو يسقط حديثه. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم ومسلم بن الحجاج وأبو بشر الدولابي والدارقطني: متروك الحديث. وقال البخاري: نوح بن أبي مريم أبو عصمة المروزي قاضي مَرْو منكر الحديث. وقال في موضع آخر: نوح بن أبي مريم ذاهِبُ الحديث جِدًا. وقال النسائي: أبو عصمة نوح بن جعونة وقيل نوح بن يزيد بن جعونة وهو نوح بن أبي مريم قاضي مرو ليس بثقة ولا مأمون. بل وضع عدة أحاديث من ذلك ما ذكره "القرطبي": "رُوِيَ عَنْ أَبِي عِصْمَةَ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عُكَاشَةَ الْكِرْمَانِيِّ، وَأَحْمَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْجُوَيْبَارِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. قِيلَ لِأَبِي عِصْمَةَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي فَضْلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ الْقُرْآنِ وَاشْتَغَلُوا بِفِقْهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَوَضَعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ حِسْبَةً" (تفسير القرطبي 1/78). الآن سؤال للقائمين على رواية "مولانا": ما هدفكم من الرواية؟ الطعن في الأنبياء وتشكيك الناس في أمور دينهم، والنيل من الثوابت أم ماذا؟ ولقد حددوا وقتًا معي لمناظرة عبر قناة "دريم" بحضور الدكتور محمد العدل، القائم على الفيلم، والأستاذ مجدي أحمد، مخرج الفيلم، في برنامج "كلام ثاني"، والذي تُقدمه الإعلامية رشا نبيل، وكان المقرر توقيتًا يوم الجمعة 12/2/2016م، لكنهم قبل قليل أبلغوني بتأجيل اللقاء ولا حرج، فطالما روحنا تنبض ولساننا يتحدث وقلمنا لا ينكسر فسنتصدى لكل فكر يريد طمس هويتنا، ولا نخاف في الحق لومة لائم.