أكتب هذه السطور بعد فتح باب التصويت للانتخابات الرئاسية التى طال انتظارها بعد أكثر من عام ونصف العام من قيام ثورة 25 يناير.. أتأمل الإقبال الكبير من المصريين على صناديق الاقتراع بعد أن استشعروا أن صوتهم أصبح له قيمة فى اختيار رئيس جمهوريتهم. انتخابات رئاسية ذات طبيعة خاصة تأتى فى وقت دقيق فى تاريخ مصر تجمع بين تناقضات كثيرة.. رئيس سينتخب لا يعرف صلاحياته، دستور لم يعد، برلمان متحفذ لرئيس قادم، فوضى قانونية ودستورية تعيشها مصر. كل ذلك يؤدى إلى عدم وضوح لقواعد تقسيم السلطة بين الرئيس المنتخب والحكومة والبرلمان ولكن فى النهاية هناك صناديق اقتراع فتحت ومصريون توجهوا للمشاركة فى اختيار رئيسهم القادم تحذوهم آمال بأن تكون هذه الانتخابات هى بداية مسار الديمقراطية التى ينشدونها. فالرئيس القادم أيًا كان اسمه أو انتماءاته السياسية سيكون فى ظروف استثنائية صعبة ويحتاج إلى معجزة للخروج بمصر من أزمتها الحالية، ومن ثم فأى كان الفائز فى هذه الانتخابات علينا أن نلتف حوله لنسانده ونعضده ولا نوجه له النقد أو التجريح من قبل منافس له، فالرئيس القادم لديه قضايا كبيرة لم تحسم قبل انتخابه مثل الوضع الاقتصادى، المهام الدستورية والقانونية لكل أجهزة الدولة، ودور القوات المسلحة فى الدولة، الأمن المتردى والذى بات يشغل بال الجميع، كلها أمور حاسمة ومهمة ومن قبلها قضية المواطن البسيط الذى ينشد الاستقرار ويبحث عن لقمة العيش والعدالة الاجتماعية والحرية فى تقدير مصيره سواء فى العقيدة أو فى الحياة. كل هذه الأمور لن تشغلنا عن المشاركة فى الإدلاء بأصواتنا لاختيار الأنسب من وجهة نظر كل منا لتولى المسئولية الصعبة بعد أن صارت الانتخابات فى مصر أقرب ما تكون إلى فرض على كل مواطن يعيش على أرض الكنانة، والمشاركة فى الحياة السياسية أصبحت هى الأخرى اتجاه عام لا يشغل المصريين سواه. ولكن ماذا بعد؟ فالسيناريوهات المطروحة لما بعد الانتخابات كثيرة ولكنها مزعجة فى جانب ومقلقة فى جانب آخر، الانزعاج والقلق مصدرهما رصد الفصيل المهزوم للفصيل الفائز والتهديد بإسقاط من فاز أو لم يكن على هوى فصيل آخر منافس له وهى كلها أمور وإن كانت تدخل فى الفترة الماضية تحت بند المنافسة الانتخابية إلا أنه بعد الإعلان عن فوز أحد المرشحين أتمنى أن يتحد الجميع نحو غاية واحدة هى مصر التى تحتاج منا جميعاً تضافر الجهود والتوحد للخروج نحو آفاق أرحب ومستقبل أفضل. لن تكون الانتخابات الرئاسية هى المحطة الأخيرة فى المرحلة التى نعيشها بحثاً عن الديمقراطية والحرية والعدالة، ولكن من المؤكد أنها ستكون بداية مرحلة جديدة فى عمر وتاريخ مصر السياسى الذى شكلناه بأيدينا ووضعناه بإرادتنا وإرادة كل من هب يوم 25 يناير يبحث عن الاستقرار والحرية والعدالة، فدعونا ننطلق من هذه الانتخابات نحو مصر التى ننشدها وليفز من اختارته الأغلبية وأن نتوحد وراءه جميعاً حتى نعبر هذه الفترة الدقيقة وننجح فى سنة أولى ديمقراطية.