عشية فشل الاجتماع الطارئ الذي عقد في بروكسل للبحث في توزيع اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي، طالبت ألمانياوالنمسا بعقد قمة لرؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأسبوع المقبل، تُخصص لمناقشة الأزمة. وأيّدت سلوفاكيا عقد قمة في ضوء معارضتها الشديدة لنظام الحصص الإلزامية لتقاسم المهاجرين الذي تريد برلين فرضه. يكتسب الاجتماع الأوروبي المقبل أهمية كبيرة في ضوء الاعتبارات التالية: أولا، أن قمة بروكسل كشفت عن وجود انقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن التعامل مع أزمة اللاجئين، فدول أوروبا الشرقية رفضت الموافقة على استقبال لاجئين، فقد أظهرت تصريحات رؤساء ومسؤولين في كل من المجر وسلوفاكيا وبولندا وبلغاريا وليتوانيا وأستونيا حجم قوة رفض هذه الدول لاستقبال اللاجئين، ولا شك أن هذه المعارضة زادت المشاكل التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي الذي يحاول تجاوز مشاكله مع اليورو والأزمة المالية لليونان. والأكثر من ذلك تمثل أزمة المهاجرين تحدياً للاتحاد الأوروبي أكبر من الأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام 2008. ثانياً: يكشف هذا الانقسام الخلل الواضح في تركيبة وبنية الاتحاد الأوروبي ذاته، فالقيم السياسية والأخلاقية لدول غرب أوروبا ليست بذات القدر من القيم السياسية والأخلاقية لدول شرق أوروبا، وبالتالي فإن هذه الدول الأخيرة عندما تمت الموافقة على طلبات عضويتها في الاتحاد الأوروبي طُلب منها التعهد بدعم مجموعة من "القيم الأوروبية" التي تشمل الأسواق المفتوحة، وشفافية الحكم، واحترام استقلال وسائل الإعلام، وفتح الحدود، واحترام التعدد الثقافي، وحماية الأقليات، ورفض معادة الأجانب. لكن هذه الدول كانت بطيئة للغاية في فهم وممارسة هذه القيم، إن لم يكن أداءها قد تدهور في معظمها، وقد شهدت صعودا في النزعات الوطنية المتعصبة وصعودا للأحزاب والقوى السياسية الشعبوية التي أثارت التوترات المعادية للاجئين والمهاجرين. ثالثاً: إن رفض دول شرق أوروبا لاستيعاب اللاجئين ينطوي على أسباب أكثر عمقا مثل رفض التعدد الثقافي والديني والعرقي، وليست الأسباب التي يسوق لها هذه الدول كافية ومقنعة مثل: دعوة هذه الدول للعمل على وقف الحرب في دول المصدر، ومخاوفها الأمنية، وضعف قدراتها الاقتصادية لاستيعابهم. ووفقاً لخبراء ومحللين، فإن الفروق التاريخية بين دول أوروبا الغربية وشرق أوروبا مثل التجربة الطويلة للأولى في التعايش مع التعدد الثقافي داخلها والاحتكاك مع الشعوب الأخرى هي التي تقف وراء التوجهات الراهنة إزاء اللاجئين. رابعاً: يكشف الطلب الألماني بعقد قمة للاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل بشأن أزمة اللاجئين، حالة الارتباك السياسي الألماني تجاه هذه المسألة/الأزمة، خاصة أن ألمانيا كانت قد اتخذت قراراً بإعادة السيطرة على حدودها الوطنية وتحديدا حدودها الجنوبية مع النمسا، وتمثل هذه الخطوة المفاجئة لتعليق ترتيبات شنجن على طول الحدود الألمانية النمساوية البالغة 500 ميل، صدمة فى بقية دول الاتحاد الأوروبى وربما تؤدى نحو استراتيجية أكثر تماسكا للتعامل مع أزمة الهجرة، حيث سيكون هناك الكثير من التعاطف مع برلين من كل من المجر، وإيطاليا أو اليونان، وهى البلدان التى تحمل العبء الأكبر من الوفود الجماعية من المهاجرين القادمين من سوريا والعراق وإريتريا وأفغانستان. كما أن هذا القرار هو ثانى قرار أحادي الجانب تتخذه الحكومة الألمانية، فقبل أسبوعين أعلنت برلين دون أن تخطر بروكسل وبودابست أو فيينا التراجع عن قواعد دبلن، والتى تتطلب إعداد وتسجيل طلبات اللجوء فى أول دولة يصل إليها طالبو اللجوء، وذلك نظرا لتركز اللاجئين في المجر. ولا شك أن هذا القرار الألماني بالرقابة على الحدود قد يخيف دول أوروبا الشرقية ويدفعهم لتقديم تنازلات، باعتبار أن عضوية منطقة شنجن واحدة من أبرز مزايا عضوية الاتحاد الأوروبى بالنسبة لدول الكتلة السوفيتية السابقة التى كانت حق السفر فيها مقيد بشدة حتى عام 1989. الخوف على الهوية الأوروبية: وعلى أية حال يمكن القول أن الانقسامات الأوروبية بشأن أزمة اللاجئين السوريين تكشف عن قضية الهوية الثقافية والاندماج في المجتمعات الأوروبية، وقابلية التغيرات الهوياتية التي تحدثها موجات اللاجئين في المجتمعات الأوروبية المضيفة. يعتقد بعض المحللين أنه لا يمكن أن تُحدث موجات اللاجئين السوريين هزات كبرى في الهوية الأوروبية خلال جيل واحد، ولكن يتركز "التأثير الآني" للاجئين قبل استقرارهم النهائي وإنتاج جيل جديد مولود في البلد المضيف في طريقة الحياة اليومية لا في هوية المجتمع، ناهيك عن أن اللاجئين السوريين عينة اجتماعية عشوائية وليسوا نخبة ثقافية قررت الهجرة جماعيا وبالتالي فهي عينة من مجتمع هاربة من عدم استقرار أوضاع بلدها، وستحمل معها كثيرا من مشاكل السيكولوجيا الجمعية وكثيرا من محمولاتها الثقافية، ولن ترميها في البحر لمجرد استقبال الأوروبيين لها. ولأن المجتمعات الأوروبية ليست مجتمعات مهاجرين تاريخيا، فإن التكتلات السكانية للسوريين في الأحياء تعني فعليا "جيتو" من نوع ما داخل المجتمع الأوروبي يرمز إلى "التمايز" الذي لم تتقبله المجتمعات الأوروبية بشكل كامل، وتفضل بدلا عنه الاندماج، وهذه عملية معقدة تحتاج إلى تعديل في سياسات الدولة تجاه توزيع اللاجئين وتشجيع اندماجهم. ويبقى القول إنه إذا كانت دول الشرق الأوسط بصفة خاصة وبعض الدول في أوروبا وآسيا بصفة عامة يؤرقها ويقض مضجعها ظاهرة الإرهاب، فإن دول الاتحاد الأوروبي يؤرقها ويُحدث انقسامات في تكتلها وبنيتها الوحدوية ظاهرة اللاجئين والتي تمثل تحدياً لا يقل أهمية عن التحديات التي أحدثتها الأزمة المالية العالمية في عام 2008.