يفتتح وزير الخارجية الامريكى جون كيرى منتصف الشهر المقبل خلال زيارته لكوبا مقر السفارة الأمريكية فى هافانا ، بعد أن تم البارحة رفع علم كوبا على سفارتها فى العاصمة الأمريكيةواشنطن على أنغام نشيدها الوطنى الذى عزف لاول مرة فى واشنطن. ويعد إعادة فتح السفارتين، ورفع العلم، ايذانا ببدء فصل جديد فى العلاقات بين الجارتين بعد نصف قرن من القطيعة والعداء ، وخطوة ملموسة باتجاه تطبيع العلاقات منذ الإعلان المفاجئ في ديسمبر الماضي عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. التقارب الأمريكي الكوبي يأتى عقب سلسلة من العقوبات فرضتها واشنطن على هافانا ، وانعكست سلبا على معظم مناحي الحياة في كوبا ، خاصة في معاملاتها المالية والمصرفية ، وهو تقارب سيتبعه بحث الرئيس أوباما مع الكونجرس رفع الحظر المفروض على الجزيرة الشيوعية منذ نصف قرن ، خاصة بعد اعتراف واشنطن أن سياسة العزل المتبعة ضد كوبا لم تأت بنتائج إيجابية ، معلنا فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين. اليوم بات الطرفان على أهبة الاستعداد للمضي قدما للأمام نحو خطوات أخرى جديدة ، طويلة ومعقدة تركز على الشق الاقتصادى ورفع العقوبات وتطبيع العلاقات ، وهناك أطراف أخرى مستفيدة من تلك الخطوة ليس منها الشعب الأمريكي ، خاصة وان الرئيس الأمريكي باراك اوباما يعلم جيدا أن العلاقات الأمريكية مع الأنظمة الشيوعية لن تؤدى يوما إلى اعتناق هذه الأنظمة لمبادئ الحرية والديمقراطية فى التعامل مع شعوبها وهى المبادئ التى تتشدق بها الولاياتالمتحدة ، إلا إن القضية بالنسبة لأوباما هى إنهاء الجمود في العلاقات مع هافانا باعتباره قضية مركزية في إرث سياسته الخارجية التي سيخلفها وراءه مع دنو أجل ولايته الرئاسية. ولطالما شدد أوباما على قيمة الدخول في ارتباط مباشر مع أعداء بلاده الدوليين ، وظل يلح على أن الحظر الاقتصادي الذي تفرضه الولاياتالمتحدة على الجزيرة الكوبية "التي لا تبعد عن سواحل ولاية فلوريدا الجنوبية سوى 145 كيلومترا " لم يعد فعالا " ، غير أنه يواجه مقاومة شديدة من أعضاء الحزب الجمهورى المعارض ، وبعض أنصار حزبه الديمقراطى ممن يرون أنه بهذه الخطوة يكافئ حكومة ضالعة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ، فيما أعرب الرئيس الكوبي راؤول كاسترو من جانبه في خطاب لنظيره الأمريكي تداولته وسائل الإعلام الرسمية ، عن رغبته في "تطوير علاقات تنم عن احترام وتعاون بين شعبينا وحكومتينا وتقوم على أحترام السيادة الكوبية " . وبعد إعادة العلاقات بين كوباوالولاياتالمتحدة إلى نصابها، من الممكن أن يجذب الاقتصاد استثمارات وتنتعش السياحة والصادرات الزراعية ، كما يمكن أن تحصل الحكومة الكوبية أيضا على قروض من البنك وصندوق النقد الدوليين وتلبية كافة احتياجاتها التقنية ، وسط توقعات بأن يبلغ حجم التجارة 20 مليار دولار في العام بعد تطبيع العلاقات مع أمريكا . ويرى الخبراء أن تخفيف الحصار الأمريكي المفروض منذ أكثر من نصف قرن على كوبا سيؤدي إلى آثار إيجابية على اقتصادها المتهالك ، فالإجراءات الاقتصادية لن تؤدي إلى ارتفاع كبير مفاجئ للتجارة مع الولاياتالمتحدة وتدفق متزايد من السياح فحسب، بل سترسل ، أيضا ، مؤشرات إيجابية جدا إلى المجتمع الدولي حول مستقبل الجزيرة الاقتصادي . وكانت العلاقات الثنائية بين البلدين قد انقطعت فى عام 1961 على خلفية قيام السلطات الثورية الكوبية بتأميم مزارع قصب السكر ومصادرة الممتلكات الأمريكية فى جزيرة هافانا بما فيها مصانع البترول ، وفرضت الولاياتالمتحدة حظرا تجاريا على تلك الجزيرة ، ثم شهدت العلاقات بين البلدين إنفراجة نسبية أواخر عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، أكبر شريك سياسى واقتصادى لهافانا ، دون أن يؤدى ذلك إلى تطبيع العلاقات الثنائية أو رفع الحصار الاقتصادى والتجارى الأمريكى عن كوبا . ومنذ عام 1977 ، فتحت كل الولاياتالمتحدةوكوبا بعثتين دبلوماسيتين باسم "قسم رعاية مصالح" في عاصمتي البلدين تحت الحماية القانونية السويسرية ، غير أن هاتين البعثتين لم يكن لهما وضع سفارتين ، وبدأت عملية إذابة الجليد في العلاقات بمفاوضات سرية استمرت لمدة 18 شهرا ، ثم أعلن عنها رسميا في شهر ديسمبر الماضي ببيان مفاجئ أكدت فيه أمريكاوكوبا أنهما يسعيان لإعادة العلاقات الدبلوماسية بما ينهي أكثر من 50 عاما من سوء النوايا بين البلدين ، وبعد أربعة أشهر التقى الرئيس الأمريكي أوباما بنظيره الكوبي راؤول كاسترو لإجراء أول مباحثات رسمية بين زعماء البلدين خلال أكثر من نصف قرن. وبعد شهر من هذه المباحثات، رفعت أمريكا اسم كوبا من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وأعلنت خطط تتعلق بخدمات النقل الجوي وبالعبارات بين البلدين ، ورغم علاقات النقل الجديدة ، فإن حظر سفر الأمريكيين إلى كوبا لا يزال قائما ، ولا تزال كوبا خاضعة لحظر أمريكي على التسلح قائم منذ عام 1962 ، رغم أن الرئيس أوباما حث الكونجرس على رفعه.