ليست العقدة فى عودة الفريق شفيق لسباق الرئاسة من عدمها، العقدة فى تصوراتنا بعد يناير، وعودة بعضنا إلى ما قال إنه عانى منه قبل يناير. الذين مرروا قانون العزل لتطهير الانتخابات.. هددوا الانتخابات وساهموا فى احتمالات الطعن على قانونيتها، الفريق شفيق طعن، والمحكمة الدستورية التى قالت إنها غير مختصة بنظره قبل إصداره، سوف تنظره بعد إصداره.. النتيجة المنتظرة.. دوائر من سجالات.. تهدد الانتخابات لو أجريت دون شفيق.. وسجالات أخرى، شوهت صورة معايير إصدار القوانين فى الطريق لما أسماه البعض ب"الجمهورية الثانية". حتى الآن لا "ثانية" ولا "ثالثة"، فالذى يحدث مشابه للذى كان يحدث، حتى "ترزية" قوانين عصر مبارك، كانوا يتحسبون للقوانين المصدرة، بينما الذين قالوا إنهم ثاروا على القوانين التفصيل عادوا مرة أخرى للتفصيل. ليست الأزمة فى شخص الفريق شفيق.. كما لم تكن الأزمات سابقا فى مبارك، فأزمات المجتمعات ليست فى الأشخاص، إنما فى طرق إدارة الأشخاص للأزمات.. ونظرة المجتمعات لمضامين الأفكار. اختلاف الرؤى ممكن، لكن اضطرابها كارثة. إليك الآتى: على حسابه على "تويتر"، قال المرشح للرئاسة الحقوقى خالد على دفاعا عن عادل إمام: "مواقفه السياسية تجاه نظام مبارك لا يجب أن تمنعنا من الدفاع عنه فى قضية تتعلق بالحريات"، وقصد الحكم بحبس إمام فى اتهامات لأفلامه بازدراء الأديان". لو فسرت كلام خالد على بالمبادئ، إذن فبماذا تفسر كلام له أيضا قال فيه إن عزل كل من عمل مع النظام السابق حق وواجب باسم الشرعية الثورية؟ تكلم المرشح للانتخابات عن الشرعية الثورية، فى حين تقدم للانتخابات الرئاسية وفقا للشرعية الدستورية، شرعية الدستور تجب شرعية الثورة، لكنه اضطراب الرؤى والتعامل بمنطق قصص الأطفال وروايات الساحرات فى مسرحيات شكسبير. خذ عندك أيضا خلال مناقشات قانون العزل تحت القبة، طالب المستشار الخضيرى، البرلمان صاحب الشرعية النيابية بإصدار "العزل" الاستثنائى، الخضيرى تكلم هو الآخر عن الشرعية الثورية، رغم أنه شخصيا جاء لمكانه فى البرلمان بشرعية الانتخابات، لم نعلم أنهم اتوا به مرابعة من الميدان على الأعناق إلى البرلمان. أما النائب أبو العز الحريرى، فرفع دعوى ببطلان مجلس الشعب، وبطلان الانتخابات الرئاسية، بينما يحرص على حضور جلسات المجلس، وترشح فى الانتخابات الرئاسية، وفق قوانين دفع ببطلانها أمام المحاكم! وفى ميدان التحرير، خطب خيرت الشاطر فى أنصاره، مؤكدا يقين الإخوان من تزوير انتخابات الرئاسة، بالتزامن مع مؤتمر للدكتور مرسى، شجب فيه المنددين بسيطرة الإخوان على تأسيسية الدستور، وعرض برنامج الإخوان لو فاز بكرسى الرئاسة. دون أن تتوه فى التفاصيل، ومعها، كان مرسى هو مرشح الإخوان فى انتخابات الرئاسة، وهى نفسها التى رفض الشاطر الاعتداد بها قبل أن يبدأ فيها التصويت، وكان المعنى أن أكثرهم يتداول السياسية ب"عباءة مشايخ" على ترابيزات "القمار" الخضراء. ما علينا.. المهم أن بعضهم استنكر تحركات الفريق شفيق القانونية ردا على استبعاده، وكانت نكتة، إذ أن الذين مرروا قانون "تفصيل"، وأعادونا إلى عصر الاستثناءات، استكثروا اللجوء إلى الشرعية لرفع الضرر. ما اسم المربع الذى نقف عليه الآن؟ اسمه اضطراب وجدانى سياسى، يصيب ذلك النوع من الاضطرابات الإنسان ويصيب المجتمعات أيضا، فتختفى البوصلة، وتدخل الموازين فى بعضها، فلا تصلح للكيل ولا الوزن، ثم تظهر بثور التبريرات على الضمير، كله باسم الثورة، مع أن كله ضد الثورة أيضا.