"داعش".. مجموعة من الشباب أتوا من معظم أنحاء المعمورة، ليجمعهم نفس الفكر ونفس الغاية والوسيلة، بصرف النظر عن الجهات الممولة والمغذية لهم، والتي بدونها ما كانوا استطاعوا الوصول لهذا الحجم والتأثير في المنطقة في وقت قياسي جدا، ولكن معظمهم أتوا من بيننا نحن، نشأوا داخل بيوتنا وتعلموا في مدارسنا وواجهوا معنا نفس الظروف والمحن، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على وجود عوامل مجتمعية شكلت هذه الشخصية الداعشية، في انتظار الفرصة للظهور والتأثير على أرض الواقع، ومنها: - اختفاء الخطاب الديني الوسطي الذي يتناسب مع روح العصر وفكر الشباب، بل اندثر وتوارى الدعاة الشباب وطفا على السطح دعاة التشدد والتكفير ومازجي الدين بالسياسة، فسقط الدين من القلوب والعقول مع الصراعات السياسية وسقوط حكم الإسلاميين، فأصبح الانتقام لحكمهم الذي ولى، دربا من دروب التقرب لله وإعلاء كلمة الحق، حتى ولو كان الثمن حصد العديد من الأرواح التي لا ذنب لها. - التعليم المبني على سياسة التلقين والحفظ، ونفي أعمال العقل والتفكر، بل تحريمه في بعض الأحيان، فيسقط الشاب بين من يلقنوه ويلونوه على لونهم بسلاسة، دون أن يبذل أدنى جهد في البحث وإعمال عقله. - النشأة على قصص صلاح الدين المفتقدة للكثير من الحقائق، ورسم أحلام بالخلافة الإسلامية، وكأننا لن ينصلح حال الفرد منا إلا بإقامة الخلافة. - سياسات الدول العربية القائمة على الظلم والمحسوبية وعدم المساواة، فبعد أن يجتهد الشاب سنين عمره آملا في غدٍ وردي، فإذا به يصطدم بالواقع المحبط، فلا يجد له سبيلا سوى أحضان الجماعات المنتقمة له من هذا المجتمع، آملا في آخرة تعوضه عن دنياه مكافأة له من الله على جهاده وقتاله ضد مسلمين آخرين. - فكرة "نحن شعب الله المختار"، وتكفير وازدراء كل من لم يكن معنا في نفس البوتقة الدينية أو الفكرية. - السطحية في التدين بالأخذ بالمظهر، وفقدان النشأة الدينية الواعية المبنية على الرقي والسمو بجوهر الدين في التعاملات وسعة الصدر وتقبل الآخر، حتى إننا نتباهى بالقدر الذي نحفظه نحن وأبناؤنا من آيات القرآن الكريم، دون أدنى تدبر أو بحث في تفسيره وفهم آياته، فينشأ من يدعون حفظهم لكتاب الله الذي لم يتجاوز حناجرهم، كما ذكر رسولنا الكريم. - انقسام المجتمع لفئتين لا وسط بينهما، فئة تدعى أنها صاحبة الدين والدعوة إلى الحق، وفئة قاربت على الإلحاد، إن لم يلحد بعضها بالفعل، واختفى الدين الوسطي بينهما. - أما عن الشباب الأوروبي والأمريكي الذي يتباهى بانتمائه ل"داعش"، فهؤلاء نبتوا من أفلام الأكشن الهوليوودية، ورأوا أنفسهم في أبطال هذه المشاهد الدموية، وعشقوا إراقة الدماء التي اعتادوا رؤيتها، فشدوا الرحال عند أول فرصة سنحت لهم لكي يكونوا أبطالا لأفلام الرعب الداعشية. والآن وبعد سرد بعض عوامل ظهور أصحاب الرايات السود كما أسماهم حبيبنا المصطفى.. ألم يأن أن نتجنب كل ما سبق مع أبنائنا كي ننقذ ما يمكن إنقاذه.