* الصين بدأت عملية إصلاحات اقتصادية تركز على التنمية من خلال الاهتمام بالواقع السياسى والاقتصادى للبلاد * الصين تبنت فى البداية سياسة التركيز على النمو الاقتصادى * الصين أكبر جيش نظامى فى العالم يتعدى 52 مليون جندي * الصين ستكون في مقدمة الاقتصادات في العالم خلال ال10 سنوات المقبلة تكشف الزيارة التاريخية للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الصين وتوقيع اتفاقية الشراكة الشاملة مع الرئيس الصيني شي جين بينج، عن تحول استراتيجيى لدور مصر الدولي خلال المرحلة المقبلة وإعادة مكانة مصر على الخريطة الدولية. ومن الواضح أن الوعي والإدراك المصري للمتغيرات التي يشهدها العالم جاء كاشفا لحقيقة ما كان يتم رسمه لمنطقة الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تشهد الدبلوماسية المصرية الهادئة من خلال تعميق العلاقات المصرية مع كل من روسياوالصين إلى تشكيل ميزان جديد للقوة يعيد إلى مصر مكانتها الدولية والعالمية. يمكن القول إن التحرك المصري نحو تعميق العلاقات الاستراتيجية مع الصين جاء نابعا من قراءة مصرية صحيحة وقوية للمكانة التي تلعبها الصين في سياق إعادة هيكل وميزان القوى في العالم سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا بما يمهد الطريق نحو عبور آمن واستراتيجي نحو المستقبل. ولا شك أن قراءة التطورات التاريخية للقوى الاقتصادية والسياسية العالمية تشير إلى أن العالم شهد تحولين رئيسيين للقوى العالمية خلال القرون الأربعة الماضية، الأول: تمثل فى صعود القارة الأوروبية فى القرن السابع عشر لتصبح قوة عظمى فى العالم، والثانى: تمثل فى ظهور الولاياتالمتحدة فى نهاية القرن التاسع عشر، عندما أصبحت القوة الحاسمة عسكريا واقتصاديا وسياسيا والتى تنفرد بقيادة العالم. وبنهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادى والعشرين، فإن العالم شهد صعودا لقوة اقتصادية وسياسية جديدة هى الصين، التى تمتلك من المقومات ما يؤهلها لتكون قوة فاعلة فى مجريات الأحداث الاقتصادية والسياسية فى العالم، وما يجعلها مؤهلة لتغيير موازين هذه القوى فى المستقبل. مقومات للقوة الشاملة ومن بين هذه المقومات أن الصين تعد الأكبر فى العالم من حيث عدد السكان، كما أنها تتمتع بأسرع نمو اقتصادى فى العالم يتجاوز 11% سنويا منذ أكثر من 25 عاما تقريبا، وتمتلك ثانى أكبر احتياطى نقدى بالدولار الأمريكى وصل فى نهاية عام 2012 نحو 3.31 تريليون دولار أمريكي، وبذلت الصين كثيرا من الجهود في مجال الإيرادات والمصروفات الدولية في السنوات الأخيرة، حيث انخفضت نسبة فائض الحساب الجاري في إجمالي الناتج المحلي من 10% في عام 2007 إلى ما يقل عن 3% في عام 2011. كما أصبحت الصين أكبر منتج للفحم والفولاذ والأسمنت فى العالم، وثانى أكبر مستهلك للطاقة، وثالث أكبر مستورد للنفط، كما نجحت الصين خلال 25 سنة فى أن تخرج أكثر من 300 مليون صينى من حالة الفقر، وضاعفت متوسط دخل الفرد بنحو أربعة أضعاف. ويضاف إلى كل ما سبق الدور الأساسى الذى أصبحت تلعبه الصين فى الاقتصاد العالمى من خلال عملتها اليوان، بحيث أصبح سعر صرف عملتها يؤثر ليس فقط على من يذهب للتسوق فى هذا البلد، بل يؤثر أيضا على المستهلكين فى أنحاء العالم، والمثير للانتباه أن كل هذه الإنجازات تمت دون حدوث مشاكل اجتماعية أو أمنية تؤثر على الاستقرار السياسى والاجتماعى فى الصين. وكانت الصين بدأت عملية إصلاحات اقتصادية تركز على التنمية من خلال الاهتمام بالواقع السياسى والاقتصادى للبلاد واختيار أساليب تطوير ناجعة بغض النظر عن البعد الأيديولوجى. والملاحظ أن الصين تبنت فى البداية سياسة التركيز على النمو الاقتصادى، وأهملت إلى حد كبير فى سياستها الخارجية لعب دور فاعل ومؤثر على الساحة الدولية، واعتمدت سياسة عدم المواجهة مع الدول الكبرى فى القضايا الدولية باستثناء قضية تايوان، وربما كان ذلك يعود لقناعة القيادة الصينية بأن أى مواجهة، خاصة مع واشنطن، ستعطل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أنها كانت تعتبر أن الولاياتالمتحدة هى الحجر الأساسى لنمو الاقتصاد الصينى، ولكن بدأت الأمور أخيرا تتجه نحو التغيير فيما يخص السياسة الخارجية الصينية، فسياسة الصين لا تتبنى النمط الأمريكى فى الاعتماد على القوة العسكرية واستخدام سياسة العصا والجزرة، والتورط فى شئون الكثير من دول العالم، كما أنها لا تريد أن تتبنى النموذج السوفيتى الذى قام على سياسة استنزاف القوة العسكرية الأمريكية، والتى نجم عنها نتائج عكسية دفع الاتحاد السوفيتى ثمنها غاليا فى النهاية. وفى الجانب العسكرى، نمت القدرات العسكرية الصينية ليصبح لدى الصين أكبر جيش نظامى فى العالم يتعدى 52 مليون جندى، ولديها رابع أكبر ميزانية عسكرية فى العالم، والتى تزداد بنسبة 10% سنويا، ورغم ذلك، تسعى الصين للوصول إلى هيمنة اقتصادية وقوة سياسية لتحقيق أهدافها بعيدا عن الاستخدامات العسكرية، لأن هدف القيادة الصينية الرئيسى هو الابتعاد عن أية مواجهة عسكرية من خلال تطبيقات استراتيجية مدروسة تمكنها من تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها. ولإيمان الصين بأن من ضمن مقومات القوة الاقتصادية وجود قوة بحرية لحماية تجارتها عبر العالم، فقد أصبحت الصين بالفعل ثالث أكبر دولة تجارية على مستوى العالم، وتعد السعة الطنية لسفنها الرابعة على الصعيد العالمى، وتأتى التوسعة السريعة للسعة الطنية للسفن كجزء من الخطط الخمسية للصين وتعكف الصين على بناء سلسلة من القواعد البحرية عبر العالم، فعملت على تشييد قاعدة جوادار البحرية فى جنوب غرب باكستان، حيث اختير هذا الموقع الاستراتيجى لحراسة الممر الذى يؤدى إلى الخليج العربى، حيث أنشأت الصين مواقع إلكترونية لمراقبة السفن، بما فى ذلك السفن الحربية المارة عبر مضيق هرمز وبحر العرب، وقد أدى التوسع الاقتصادى الصينى إلى تطلع جميع الدول والشركات للفرص المرتبطة بالاقتصاد الصينى، فقد أصبحت جميع الدول الصناعية الكبرى ومعظم الدول النامية تعتمد على هذه السوق فى التصنيع والاستهلاك، وصارت الصين تتمتع بمكانة مهمة ومؤثرة فى حركة نمو الاقتصاد العالمى، وقد أدى هذا النمو الصينى إلى تزايد تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات عليها للانطلاق والمنافسة عالميا من هذا الاقتصاد. الصين تغير ميزان القوى ولا شك في أن كل هذه الأرقام تعكس النهضة الصينية الحالية إذا ما قورنت بمثيلتها في الدول المتقدمة، وتؤكد المقولة أن الصين مرشح طبيعي بإمكانياته العلمية والاقتصادية والبشرية الضخمة لموازنة ثقل القطب الأمريكي في حال استمرار نهضتها تلك بهذه المعدلات المسارعة. وفي الواقع فإن تجربة الصين التنموية اعتمدت على عدة ركائز، أولها: سياسة الإصلاح والانفتاح الاقتصادي، ثانيها: التنمية الزراعية، ثالثها: التنمية الصناعية بمختلف مجالاتها، ورابعها: بناء قدراتها العسكرية والفضائية. جملة القول أن الصين ستكون في العشر سنوات المقبلة في مقدمة الاقتصادات في العالم، وسوف تتفوق على كل من الاتحاد الأوروبي واليابان في حجم الناتج المحلي الإجمالي والمساهمة في التجارة الدولية. وقد دشنت زيارة الرئيس السيسي إلى الصين بدء حقبة جديدة من العلاقات الإستراتيجية المصرية الصينية بعد الارتقاء بمستواها إلى آفاق أوسع، لا يتمتع بها سوى عدد قليل من الدول الصديقة للصين، مثل البرازيلوروسياوباكستان وكندا، ولتعظيم المكاسب للبلدين لابد من تعظيم الإرادة السياسية لمصر والصين وتشكيل لجان دورية تقيم وتشرف على مدى الإنجاز الذي تحقق بشأن الاتفاق الخاص بإقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة في مجال تعزيز التعاون المشترك مع الصين، في ستة مجالات هى: السياسي، والاقتصادي والتجاري والاستثماري، والعسكري والأمني، والثقافي والإنساني، والعلوم والتكنولوجيا، والشئون الإقليمية والدولية.