تحتفل دول العالم غدا الخميس باليوم الدولي للجبال 2014 تحت شعار " الزراعة الأسرية الجبلية " ، حيث يهدف الاحتفال هذا العام إلى تسليط الضوء على جبل الزراعة. هنا لدينا فرصة لرفع مستوى الوعي حول كيفية الزراعة الجبلية ، والتي هي في الغالب الزراعة العائلية كانت، وهذا نموذج للتنمية المستدامة لعدة قرون. وأدي الاحتفال بالسنة الدولية للجبال في عام 2002، إلى أن تتخذ الجمعية العامة القرار 245/57 ، الذي حددت فيه يوم 11 ديسمبر يوما دوليا للجبال، اعتباراً من عام 2003، وشجعت المجتمع الدولي على أن ينظم في ذلك اليوم مناسبات على جميع المستويات لإبراز أهمية التنمية المستدامة للجبال. وتمثل الجبال ربع مساحة اليابسة في العالم ( أي 27 % من مساحة اليابس) ويقطنها 12% من البشر في العالم. وتصنف الجبال من خلال التنوع العالمي الهائل ، ابتداء بالغابات الاستوائية المطيرة وانتهاء بالجليد والثلوج الدائمة؛ ومن مناخات يكثر فيها هطول الأمطار بنسبة 12 متر سنويا وحتى الصحارى المرتفعة؛ ومن مستوى سطح البحر وحتى ارتفاع يقارب تسعة ألف متر. وتعد الجبال بذلك الأبراج المائية للعالم ، حيث توفر المياه العذبة لما لا يقل عن نصف سكان العالم. ومع ذلك، فالجبال هي بيئات عالية المخاطر أيضا؛ الانهيارات الجليدية، والانهيارات الأرضية، والانفجارات البركانية، والزالازل وفيضانات البحيرات الجليدية التي تهدد الحياة في المناطق الجبلية والأقاليم المحيطة بها. وللجبال شأن كبير في التأثير على المناخ وأحوال الطقس الإقليمية منها والعالمية.ويعد سكان الجبال من أفقر سكان العالم وأكثرهم حرمانا. فهم يتعرضون دوما للتهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ويفتقرون إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم. وعلاوة على ذلك، تفاقم التحديات العالمية الراهنة — على سبيل المثال تغير المناخ، والتنمية الاقتصادية والنمو السكاني — الصعوبات التي يواجهونها. ولذ، فلنهج التنمية المستدامة أهمية خاصة في الأقاليم الجبلية. وعلى مدى أجيال متعاقبة، تعلم سكان الجبال كيفية التعايش مع تهديد المخاطر الطبيعية وطوروا نظم لاستخدام الأراضي تتميز بالمرونة وبالقدرة على التكيف مع المخاطر. ومع ذلك، تشير الأدلة المتواترة إلى أن كثير من الأقاليم الجبلية غدت عرضة للكوارث أكثر من أي وقت مضى في العقود القليلة الماضية. والزراعة العائلية في المناطق الجبلية تشهد تحولا سريعا نتيجة للنمو السكاني، والعولمة الاقتصادية، والتحضر وهجرة الرجال والشباب إلى المناطق الحضرية. وفي الوقت نفسه، يمكن لهذه التغييرات فرصا للتنمية المحلية، حيث يمكن للناس الذين يقيمون في المناطق الجبلية تنويع دخلها من خلال الانخراط الأنشطة مثل السياحة وقيمة عالية المنتجات والحرف اليدوية الجبلية. والبيئة السياسية المواتية تشتمل على استثمارات مصممة يمكن أن تحسن وصول المزارعين إلى الموارد وزيادة قدرتها على توليد الدخل. ويشير تقرير منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة "فاو " بعنوان "الزراعة الجبلية هى زراعة أسرية"، احتفالاً بيوم الأممالمتحدة الدولى للجبال ، على أن 40 % من سكان الجبال لدى البلدان النامية، وتلك التى تمر بمرحلة انتقالية - نحو 300 مليون نسمة - يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويعيش نحو نصفهم حالة من الجوع المزمن. وعلى الصعيد العالمي ، تمد الجبال نصف سكان العالم بالمياه العذبة ، ويعود الفضل فى ذلك أساساً إلى إدارة المياه والتربة على أيدى الملايين من مزارعى المناطق الجبلية. وتمثل الجبال خزانات للتنوع البيولوجي ، ويقوم المزارعون الجبليون بدور حماة هذه الثروات الوراثية، كما وفرت هذه الثروات تغذية فائقة لأسرهم طيلة قرون. وقال الخبير إدواردو روخاس - بيرياليس، المدير العام المساعد مسئول قطاع الغابات لدى منظمة "الفاو" أننا بحاجة لضمان أن القضايا المتعلقة بالتنمية المستدامة للجبال ستنعكس بما يكفى ضمن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وفى جدول أعمال التنمية لما بعد عام 2015، إذ أن رفع مكانة مزارعى الجبال ودعمهم من خلال تهيئة بيئة سياسية مواتية لتمكينهم. سيعود بالفائدة سواء على سكان الجبال أنفسهم أو السكان الذين يعيشون فى المناطق المنخفضة السهلية ممن يستفيدون من منتجات الجبال وخدماتها. وتشهد الزراعة الأسرية فى المناطق الجبلية اليوم تحولاً سريعاً يعود إلى النمو السكاني ، والعولمة الاقتصادية ، وانتشار أنماط الحياة الحضرية ، وهجرة الرجال والشباب إلى المدن مما أدى إلى زيادة أعباء العمل على عاتق النساء ، وتزايد الضغوط على الموارد المحلية ، وتفاقم تعرض المزارعين الجبليين إلى عواقب التغيرات العالمية الطابع. لكن هذه التغيرات قد تتيح فرصاً فى المقابل للتنمية المحلية. فعلى سبيل المثال، بوسع سكان المناطق الجبلية تنويع مصادر الدخل من خلال الانخراط فى الأنشطة غير الزراعية كالسياحة وتسويق منتجات الحرف اليدوية المحلية. وفى تقدير الخبيرة روزا - لاورا روميو، مسئولة البرامج فى قطاع الغابات لدى منظمة "فاو"، فإن السنة الدولية للزراعة الأسرية عام 2014 تطرح فرصة لتركيز الاهتمام على المزايا، والتحديات التى تواجه الزراعة الأسرية بالمناطق الجبلية ، وأضافت روميو ففى المناطق الجبلية ساهمت زراعات الأسرة لعدة قرون فى التنمية المستدامة بفضل طابعها صغير الحجم وانخفاض انبعاث عوادمها من الكربون. وتمثل عوامل ضمان حيازة الأراضي ، وتمكين المرأة ، والاستثمار العام فى التعليم والصحة والنقل والبحوث بعضاً من المتطلبات الرئيسية اللازمة لتعزيز الزراعة الأسرية المستدامة بالمناطق الجبلية، ويشكل تحسين فرص الحصول على الائتمان شرطاً حاسماً أيضاً بالنسبة لمزارعى الجبال. وينبغى لسياسات الزراعة الأسرية فى الجبال لكى تصبح مستدامة أن تروج للمراكز الإقليمية والمدن الصغيرة ، لما توفره من فرص عمل بديلة فى المجالات الحرفية والقطاعات الصناعية والخدمية المحدودة النطاق، وتحفيزها للاقتصاد المحلي إلى جانب الحد من الهجرة النازحة. وتتيح المزارع العائلية المستدامة فى مناطق الجبال خدمات أيكولوجية حيوية أيضاً للمناطق الخفيضة المحيطة، والتى ينبغى أن يعوض مزارعو الجبال عنها اقتصادياً. وتشمل هذه الخدمات الإدارة السليمة لمستجمعات المياه كمورد مستمر للمياه العذبة، والحفاظ على التنوع الوراثى الحيوي، وصون المناظر الطبيعية، وثقافات المناطق وجاذبيتها لأغراض السياحة والترفيه. كذلك يعد استنباط وبيع المنتجات ذات الجودة المشتقة من بيئة المناطق الجبلية ووضع ملصقات للتعريف بمكوناتها من خلال الاعتماد على أساليب الإنتاج العضوية ، مجالاً آخر مجزياً للمزارعين للنهوض بأحوالهم المعيشية. ففى ولاية "سيكيم" الهندية بجبال الهيمالايا على سبيل المثال، يعتمد 64 % من السكان مباشرة على الزراعة العائلية. وانعكس قرار الحكومة المركزية لكفالة سياسات الزراعة العضوية على رفع ربحية المنتجات الزراعية بفضل ارتفاع أسعار المنتجات العضوية ، وبالتالى على توليد فرص العمل، بينما تولّت الحكومة ذاتها تحمل تكاليف إصدار الشهادات وتوفير المدخلات والمعدات والتدريب والخدمات الإرشادية بلا قيود. والثابت أن تشجيع التعاون وتنفيذ أنشطة من نموذج جمعيات المزارعين والتعاونيات سيساعد على هدم الحواجز أمام الوصول إلى الأسواق. وذكر تقرير المنظمة أنه لمواجهة التحديات والتهديدات العالمية تتطلب نهجا شاملة ومشاركة يمكن من خلالها التعامل مع كل جوانب الاستدامة. وينبغي الأخذ في الاعتبار الحاجات الخاصة والروابط المشتركة بين الجوانب المختلفة للتنمية الجبلية المستدامة مثل المياه والتنوع البيولوجي والسياحة والهياكل الأساسية. ولتحقيق تنمية جبلية مستدامة ، ينبغي إشراك جميع أصحاب المصلحة المعنيين، كما ينبغي رفع الوعي بالنظم الإيكولوجية للجبال وهشاشتها ومشاكلها السائدة وسبل التصدي لها. وينبغي أن تكون التنمية المستدامة وحماية المناطق الجبلية وتحسين معايشها المحلية في صلب التشريعات المتعلقة بالجبال. وتحتاج مثل تلك التشريعات إلى التعامل مع قضايا حماية الأقليات الإثنية والتراث الثقافي لسكان الجبال، والاعتراف بحقوق الملكية المجتمعية. ونتيجة أن كثيرا من السلاسل الجبلية عابرة للحدود ، فإن التنمية الجبلية المستدامة تتطلب تعاونا دوليا.