* الرئيس الفرنسي يواجه الرهان الأصعب وسط تدنٍ متواصل في شعبيته * واستطلاع للرأي يظهر أنه أقل المرشحين المحتملين حظا في الانتخابات الرئاسية لعام 2017 * .. ومتخصصون فرنسيون: الفترة الأولى من ولاية "أولاند" اتسمت بفشل واضح يواجه الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند هذه الأيام الرهان الأصعب وهو على أبواب النصف الثاني من ولايته الرئاسية، التي من المقرر انتهاؤها في مايو 2017، في وقت يعاني فيه من تدنٍ مُتواصل في شعبيته واستياء ملحوظ إزاء حصيلته السياسية والاقتصادية خلال العامين ونصف الماضيين. ومن المقرر أن يطل الرئيس الفرنسي غدا على جمهوره عبر شاشات التليفزيون الفرنسي لاستعراض حصاد الفترة الأولى من ولايته الرئاسية وعرض مقترحاته الجديدة للإصلاح. ويبدو أن أولاند يفتقر إلى أي مشروعات جديدة حيث أوضحت الصحف الفرنسية أنه طلب من أعضاء حكومته التقدم بمقترحات قابلة للتنفيذ على المدى القصير، أي قبل انتهاء فترته الرئاسية، أملا في أن يساهم ذلك في قلب المعادلة لصالحه وتحسين صورته أمام المواطنين بعد عجزه عن تحقيق معظم وعوده الانتخابية. وتظهر استطلاعات الرأي التراجع المستمر في شعبية أولاند بصورة غير مسبوقة لأي رئيس فرنسي في تاريخ الجمهورية الخامسة. فقد أظهر استطلاع للرأي أجري في نهاية أكتوبر الماضي أن أولاند أقل المرشحين المحتملين حظا في الانتخابات الرئاسية لعام 2017 حيث عبر 84% من المستطلعة أراؤهم عن رفضهم ترشيحه لولاية ثانية في حين رأى 47 % من الذين شملهم الاستطلاع أن رئيس الوزراء الحالي مانويل فالس هو "أفضل مرشح للحزب الاشتراكي" في الانتخابات المقبلة. في السياق ذاته، أوضح استطلاع للرأي أجراه مؤخرا معهد "أودوكسا" للإذاعة الفرنسية "أر تي ال" أن 71% من الفرنسيين يأملون أن يتولى فالس شئون البلاد خلال الأعوام المتبقية من الفترة الرئاسية للرئيس أولاند لأنه الأقدر - من وجهة نظرهم - في اتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالدولة. أما الاستطلاع الذي أجراه معهد "إيفوب" الفرنسي فقد كشف أنه في حالة إجراء الانتخابات الرئاسية حاليا ستحصل رئيسة حزب الجبهة الوطنية، اليميني المتطرف، مارين لوبان في الجولة الأولى على نسبة أصوات تتراوح من 27 إلى 32% متقدمة بذلك على الرئيس أولاند الذي تراوحت نسبة الأصوات المؤيدة له بين 13 و15%. ويتفق المتخصصون في الشئون الفرنسية على أن الفترة الأولى من ولاية الرئيس أولاند قد اتسمت بفشل واضح في عدة مجالات. فعلى الصعيد الاقتصادي لم يتمكن أولاند من الوفاء بوعوده الانتخابية بخفض مستويات البطالة بل على العكس ازدادت معدلاتها حتى تعدت نسبة ال 10%. كما فشل الرئيس في الالتزام بوعوده الخاصة بعودة النمو وتخفيض العجز حيث كشفت البيانات الصادرة عن معهد الإحصاء التابع للحكومة الفرنسية ركود الاقتصاد الفرنسي خلال الربع الثاني من العام الجاري ووقوع عجز بالتجارة الخارجية أفقد الناتج المحلي 0.1%، كما ارتفع كل من الإنفاق العام والإنفاق الاستهلاكي بنسبة 0.5% لكل منهما بينما تراجع إنتاج السلع والخدمات بنسبة طفيفة بلغت 0.1% وانكمش إنتاج السلع الصناعية مجددا بقدر 1% بكافة القطاعات الاقتصادية. ووفقا لهذه البيانات أقرت الحكومة بصعوبة تحقيق أهداف النمو والعجز المستهدفة لعام 2014 مع توقعات بتجاوز العجز العام لفرنسا بنهاية هذا العام نسبة ال 4% من إجمالي الناتج المحلي. إضافة لذلك شهد قطاع الاستثمار تراجعا ملحوظا تجسد بوضوح في تراجع نسبة الاستثمارات الأمريكية التي تعد صاحبة أكبر استثمارات في فرنسا حيث يوجد نحو 4000 شركة أمريكية يعمل بها 440 ألف عامل. وكشف البيان السنوي الذي تصدره غرفة التجارة الأمريكية في فرنسا أن 12% فقط من المستثمرين الأمريكيين لديهم "نظرة إيجابية" تجاه فرنسا كوجهة استثمارية مقارنة بدول أخرى وهو ما يعكس التراجع التاريخي الذي لحق بصورة فرنسا في نظر المستثمرين الأمريكيين. وكشف استطلاع أجرته الوكالة الفرنسية للاستثمارات الدولية أن 2% فقط من المستثمرين الأمريكيين يشجعون أصدقاءهم على الاستثمار في فرنسا. وبذل الرئيس أولاند جهودا ملحوظة من أجل جذب المستثمرين الأجانب وكان آخرها استقباله الشهر الماضي في قصر الإليزيه أكثر من 25 رئيسا لأكبر شركات أجنبية تعمل في فرنسا وذلك خلال اجتماعات المجلس الاستراتيجي للجاذبية الاستثمارية ولكن يبدو أن كل هذه الجهود لم تجد مردودا إيجابيا حيث تواصل تراجع الاستثمارات بصورة غير مسبوقة. أما على الصعيد السياسي فقد خسر اليسار الفرنسي كافة الانتخابات التي خاضها على مدار ال 30 شهرا من حكم أولاند وهو ما يعكس تخلي جمهوره عنه نتيجة عدم احترامه لوعوده الانتخابية التي التزم بها أمام المواطنين. فضلا عن ذلك، تم تشكيل خمس حكومات خلال العامين ونصف من حكم أولاند كان آخرها حكومة فالس التي تشكلت في أبريل 2014 واستقالت بعد أقل من خمسة أشهر على تشكيلها بسبب انقسام سياسي داخل الحزب الاشتراكي الحاكم أدى إلى استقالة الحكومة وإعادة تكليف مانويل فالس بتشكيل حكومة جديدة تتوافق مع توجهات الرئيس. وعلى المستوى الاجتماعي، شهدت سياسات أولاند تراجعا ملحوظا. فرغم انتمائه إلى العائلة الاشتراكية، إلا أنه يعد أول رئيس اشتراكي يقوم بتقليص المساعدات الاجتماعية المقدمة للعائلات البسيطة والعاطلين عن العمل، وهذا ما جعل البعض يقول إنه ينفذ سياسة اقتصادية يمينية ولم يعد يؤمن بالاشتراكية. ويجمع العديد من السياسيين على أن حصيلة حكم الرئيس أولاند خلال النصف الأول من فترته الرئاسية كانت متواضعة حيث أقر وزير العمل الفرنسي فرنسوا ربسامان أن حصاد العامين ونصف من حكم الرئيس الفرنسي كان "غير مرض" وبالتالي يتعين عليه أن يشرح للجمهور العوامل التي أعاقت سير المسيرة بشكل سليم وأدت إلى هذه الأوضاع المتردية. في السياق ذاته، استبعد رئيس الوزراء الفرنسي الاشتراكي الأسبق ميشيل روكار ترشيح الرئيس أولاند في الانتخابات المقبلة وأرجع ذلك إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تشهدها البلاد في عهده والأضرار "الخطيرة" الناجمة عن نقص الإصلاحات. إضافة لما سبق يرى المراقبون أن هناك عوامل أخرى قد ساهمت في تدني شعبية الرئيس منها كتاب رفيقته السابقة فاليري تريرفيلر الصادر في سبتمبر بعنوان «شكرا على تلك اللحظة» والذي كان له وقع الصدمة في نفوس الفرنسيين، حيث جسد صورة سلبية للرئيس في كواليس قصر الإليزيه وذلك في سابقة لم يشهدها رئيس فرنسي من قبل أثناء ممارسة مهامه. وبعد ذلك، أصدرت وزيرتان سابقتان هما دلفين باتو التي أقيلت عام 2013، وسيسيل دوفلو التي استقالت في الربيع الماضي، كتابين عرضا فيهما رؤيتهما لرئاسة أولاند مع التشديد على خيبة أملهما. ومن المقرر أن يصدر أحد أقرب مستشاريه السابقين اكيلينو موريل بدوره كتابا، وذلك بعد طرده في أبريل الماضي للاشتباه بقضية تضارب في المصالح وحذر من أنه "سوف يكون مؤلما". كل هذه الأمور قد ساهمت في اهتزاز صورة الرئيس وفقدان مصداقيته. ورغم إقرار البعض بأن أولاند قد حقق نجاحا ملموسا على صعيد السياسة الخارجية ويستشهدون في ذلك بحربي مالي وأفريقيا الوسطى، وقرار مشاركة القوات الفرنسية الجوية في قصف تنظيم "داعش" في العراق، إضافة إلى قيام الرئيس بعدد كبير من الزيارات الدولية الناجحة أبرزها زيارته الأخيرة إلى كندا. غير أن ذلك لا يعد كافيا لترجيح كفة الرئيس وتحسين صورته لأنه حتى على المستوى الأوروبي لم ينجح في إقناع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتغيير موقفها إزاء عدد من الملفات الاقتصادية مثل قضية الديون والنمو الاقتصادي والعجز المالي وسياسات التقشف التي فاقمت مشاعر الضيق لدى الفرنسيين، وبالتالي لم يتمكن من فرض خياراته الاقتصادية. كما أن النجاحات الخارجية لا تستطيع أن تعوض الإخفاقات الداخلية الضخمة التي يعاني منها الشعب الفرنسي الذي ضاق ذرعا بالأوضاع الاقتصادية المتردية.