فقد مل الصبر مني.. وتراجع الأمل فيك خطوات إلى الوراء حتى توارى واختفى.. فقد تتابعت الأنظمة الحاكمة نظاما بعد الآخر.. رئيسا بعد الآخر.. ولم نلمس أي شعاع طفيف لتحقيق مطالب الثورة.. الثورة.. الثورة التي راح فيها أصدق وأطهر أبنائك.. الثورة التي اعتصرت من أجلها قلوب أمهاتٍ شهدوا على رحيل فلذات أكبادهم هباءً.. الثورة التي وحدت بين أبنائك فالتحموا كسور مانع يصد عنك من يجرؤ على المساس بك.. الثورة التي أبكتنا وأضحكتنا وأظهرت أجمل ما فينا.. الثورة التي أهدتنا الحلم.. حلم البناء والعدالة والكرامه الإنسانية.. حلم مصر.. خيبه أملي ليست فقط في النظام.. بل في المجتمع ككل.. فينا جميعا فنحن لم نبدأ من جديد في فرض سلوكيات ومعاملات وردود أفعال تتناسب مع العهد الجديد، مازلنا نعتقد أن العلم هو الشهادة الجامعية التي لا تشهد لنا أساسا بأي امتيازات ثقافية، وهجرنا الثقافة الحقيقية وهى القراءة في الماضي والحاضر والمستقبل لندرك جيدا موقعنا فيما حولنا من أحداث ومتغيرات، مازلنا "ماشيين بالفهلوة".. مازلنا نرشي ونرتشي.. مازلنا نتعامل بالواسطة.. مازلنا نزاحم الصفوف دون حق.. ولا نرى غضاضة في أخذ حق الغير طالما كان ذلك متاحا.. مازلنا نتعارك ونتبادل الإهانات كلما اختلفنا في الرأي.. ونحق لأنفسنا بأن نحكم على الغير من خلال مظهره.. ونفرق في التعاملات بين الغني والفقير.. بين ابن المستشار وابن البواب، فنضرب تعظيم سلام لكل من رُزق بمستوى اجتماعي جيد، ونُحقر كل من لم يحظ بذلك. أما عن الإعلام فحدث ولا حرج.. هو نفسه إعلام التطبيل الذي شهدناه في الستين عاما الماضية، بل زاد عليه الحرية في استخدام الألفاظ النابية والتنافس بين مذيعيه في عرض حلقات أكثر جرأة وابتذالا.. إعلام التوك شو الفارغ الذي لا يدر علينا إلا مزيدا من الفرقة والبلاهة.. إعلام دوره الأساسي هو تلميع البعض وتخوين البعض الآخر.. إعلام لا يتحدث إلا في السياسة.. وتناسى أن دوره هو توعية المجتمع في جميع المجالات.. سواء كانت توعية دينية أو علمية أو ثقافية أو تربوية، ثم يزيد الطين بلة ببعض المسلسلات وبرامج الرقص، وكأن برامج مثل العلم والإيمان وخواطر الشعراوي مثلا ولى عهدها وأصبحت موضة قديمة. أما عن الحكومة التي تعيش في عزلة عن فيضان الفساد والاستهتار في كل مصلحة وكل وزارة وكل مدرسة وكل مستشفى وكل طريق، وتعتبر أن الأحداث اليومية من فقد الأرواح نتيجه الإهمال هى أحداث فردية، هذا غير التصريح بأنه لا تعديلات وزارية بعد ذلك، فلا تعليق.