تشكل لجنة إدارة المهرجانات والبرامج التراثية في أبوظبي المنصة الثقافية الإماراتية والخليجية الأكثر حضورا محليا وإقليميا وعالميا، فقد استطاعت منذ تأسيسها تطوير المهرجانات التي تقع في إطار مسئولياتها، وأن تنتقل بها من مهرجانات تشتغل على الخصوصية الثقافية والتراثية للمجتمع الإماراتي إلى مهرجانات تشترك فيها خصوصيات ثقافية وتراثية عربية وعالمية. ليخرج تراث الإمارات حاملا معه تراث الخليج كله من دائرة المحلية إلى العالمية، ومن بين هذه المهرجانات ما هو راسخ بالفعل على الخارطة الثقافية والتراثية الإقليمية والعالمية حيث تأسست ما يقرب من عشرين عاما وافتتح أولى فعالياتها المغفور له بإذن الشيخ زايد آل نهيان، هذا الحكيم الذي كان يدرك قيمة ودور الثقافة والتراث في حماية وصيانة وحفظ الوطن وتماسك أهله سواء في الإمارات أو الخليج من الثقافات والأيديولوجيات المتطرفة. يقف على رأس هذه اللجنة محمد خلف المزروعي مستشار الثقافة والتراث بديوان ولي عهد أبوظبي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهو شخصية وطنية وثقافية مستنيرة، شديدة الإخلاص والتفاني والعطاء والولاء لكل ما من شأنه ترسيخ الثقافة والتراث الإماراتين محليا ومد تأثيرهما إقليميا وعالميا، كان له دور بارز في إدارة شركة أبوظبي للإعلام أثناء ترأسه لإدارتها ثم في تأسيس هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، هذه الهيئة التي حققت في عهده حضورا ثقافيا عربيا وعالميا باهرا، بفضل نجاح مشروعاتها كبرنامج شاعر المليون وأمير الشعراء، وأكاديمة الشعر العربي. وهي أول أكاديمية متخصصة في المنطقة تُعنى بدراسات الشعر الفصيح والنبطي وتأريخ الموروث الخليجي، مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، مهرجان ووماد الفني الدولي، و" كلمة" وهو مشرع ترجمة للكتب والأعمال العالمية للغة العربية، ومشروع قلم ويُعني برعاية المواهب الإماراتية الشابة، مهرجان الظفره لمزاينة الإبل، مهرجان الظفرة لمزاينة الرطب وغيرها، كما كان له دور كبير في تسجيل مهارات النسيج التقليدية المعروفة لديها باسم "السدو" في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي. إن سر نجاح المزروعي وتألق كل المشروعات التي فكر بها وسعى لتنفيذها وعمل عليها في مختلف المسئوليات، يكمن في معرفته قدر ودور الثقافة والتراث في تشكيل نسيج هذه الأمة العربية خاصة في جانبها الخليجي حيث المشتركات كثيرة بين المواطنين، وأن حماية الوطن تاريخه وحضارته وخصوصيته لن تكون دون الاعتماد عليهما ليس فقط في تنشئة أجيال واعية وفاعلة ومخلصة لثقافة وتراث أوطانها، بل في غرس الوطنية والولاء. إن سياسة هذه المهرجانات والبرامج ترتكز على حضور المواطنين كافة المواطنين وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة والتفاعل والحوار، والعمل على خلق بيئة تثريهم معرفيا وتراثيا وثقافيا وإنسانيا، فهي ليست مهرجانات للنخبة فقط بل لعامة المواطنين من أبناء الامارات والخليج أيضا. والجميل في أمرها أنها تنأى عن السياسة وقضاياها ومشكلاتها، فمواطنو الخليج الذي يشاركون مثلا في مهرجاني الظفرة والبيزرة يجتمعون كأسرة واحدة، يتنافسون في المسابقات ويحيون تقاليدهم وعاداتهم وتراثهم، ويتزاورون ويتواصلون على مدار أيام وليال دون أن تشوبهم شائبة السياسية بشيء، الجميع أبناء وطن واحد. هذه المهرجانات والبرامج التي يترأس المزروعي لجنة إدارتها الآن، جميعها تقع في هذا السياق وتستهدف ما أشرنا إليه من مشتركات ثقافية وتراثية وإنسانية خليجية وإقليمية وعالمية تحقق استمرارية لجسور التواصل بين المواطنين بعضهم البعض وبين المواطنين وأشقائهم في دول الخليج والمنطقة وبينهم وبين الآخرون في مختلف الثقافات والحضارات، وهذا يخدم الأهداف الوطنية التنويرية التي تسعى الدولة إلى ترسيخها في مواطنيها، ويشكل حائط صد يكفل الحماية من الأفكار والأيديولوجيات المتطرفة أو المنحرفة.